مقالات الأعداد السابقة

آفاق التعاون بين أفغانستان وسلطنة عمان؛ نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية

د. محمد حسین سعید – أکادیمي أفغاني وباحث سیاسي

 

تتمتع العلاقات بين أفغانستان وسلطنة عمان بجذور تاريخية تمتد لعدة قرون، حيث جمعت بينهما روابط ثقافية وتجارية تعززت عبر طرق التجارة القديمة. وعلى الرغم من اختلاف الظروف الجغرافية والسياسية لكلتا الدولتين، إلا أن علاقاتهما بقيت قائمة على مبادئ الاحترام المتبادل والتعاون الدبلوماسي. في هذا المقال، نستعرض تطور العلاقات بين البلدين من الماضي إلى الحاضر، مع التركيز على الجوانب التاريخية والاقتصادية والدبلوماسية، إضافة إلی تحليل أعمق لزيارة وزير الخارجية الأفغاني إلى سلطنة عمان خلال الفترة 15-10 مارس 2025م.

 

العلاقات التاريخية والاقتصادية

كان لعمان وأفغانستان تواصل قديم عبر التجارة، خاصة خلال فترة ازدهار طريق الحرير، حيث كانت القوافل تمر عبر الأراضي الأفغانية نحو الهند والصين، فيما كانت الموانئ العمانية نقطة وصل للتجارة بين الشرق والغرب. كما أن الروابط الإسلامية ساهمت في تقارب الشعبين، حيث انخرط العلماء والتجار في تبادل المعرفة والثقافة.

في الفترات اللاحقة، لم تكن هناك مواجهات مباشرة بين الدولتين، بل استمرت العلاقات بينهما في إطار التواصل بين الشعوب والتجار. وقد احتفظت عمان بدور الوسيط التجاري بين دول الخليج وشرق آسيا، ما جعلها وجهة للعديد من التجار الأفغان.

وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين أفغانستان وسلطنة عمان تتخذ طابعًا رسميًا، خاصة بعد استقلال أفغانستان من النفوذ الأجنبي واستقرار الحكم في عمان بقيادة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- حیث حرصت مسقط على انتهاج سياسة متوازنة في علاقاتها الخارجية، مما جعلها تحافظ على صلات جيدة مع الدول الإسلامية، بما في ذلك أفغانستان.

رغم الظروف الصعبة التي مرّت بها أفغانستان من حروب وصراعات، بقيت عمان على الحياد ولم تتدخل في الشؤون الأفغانية الداخلية، بل لعبت دورًا دبلوماسيًا هادئًا.

لم تكن العلاقات الاقتصادية بين البلدين كبيرة مقارنة بعلاقات كل منهما مع الدول المجاورة، إلا أن التجارة المحدودة بينهما شملت السلع التقليدية مثل السجاد الأفغاني والمعادن، بالإضافة إلى صادرات عمانية من المنتجات البحرية والزراعية.

في السنوات الأخيرة، ومع تحسن الاستقرار في أفغانستان، برزت فرص لتعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية، حيث يمكن لعمان أن تلعب دورًا في تطوير الموانئ والمشاريع اللوجستية، بالنظر إلى خبرتها الطويلة في هذا المجال.

 

موقف سلطنة عمان السياسي في الشأن الأفغاني

تتبع سلطنة عمان سياسة خارجية تقوم على الحياد وعدم التدخل، وهو ما انعكس في موقفها تجاه الأوضاع في أفغانستان. لم تشارك مسقط في أي تحالفات عسكرية أو مواقف عدائية تجاه أي طرف أفغاني، بل دعمت الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار، كما استضافت عمان لقاءات غير رسمية بين أطراف أفغانية في بعض المراحل، مما يعكس دورها التقليدي كوسيط سلام موثوق في القضايا الإقليمية. ومع عودة حکومة طالبان (الإمارة الإسلامیة) إلى السلطة في أغسطس 2021، لم تصدر عمان مواقف حادة، بل استمرت في نهجها الدبلوماسي الهادئ، مما أتاحت لها فرصة للمساهمة في جهود الاستقرار مستقبلاً.

العلاقات بين أفغانستان وسلطنة عمان لم تكن دائمًا في دائرة الضوء، لكنها شهدت استمرارية قائمة على الاحترام والتواصل الهادئ. ومع تغير الأوضاع في أفغانستان واستمرار سياسة عمان المتزنة، تظل هناك فرص لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والدبلوماسية، حیث تجعل المستقبل مفتوحًا أمام مزيد من التفاهم والشراكة التي قد تعزز دور البلدين على الساحة الدولية.

 

العلاقات الثنائية بين البلدين

تعود العلاقات السياسية الرسمية بين أفغانستان وسلطنة عمان إلى أبريل 1970، ولکن تطورت هذه العلاقات في 24 أبريل 2002، حیث قام عبد الله عبد الله، وزير الخارجية الأفغاني السابق، بزيارة إلى عمان، وأجرى اجتماعات منفصلة مع ولي عهد سلطنة عمان ووزير خارجيتها. وفي 21 ديسمبر 2003، أرسلت سفارة سلطنة عمان في أبوظبي رسالة إلى سفارة أفغانستان في أبوظبي، عبرّت فيها عن موافقتها على فتح ممثليات سياسية للبلدين في مسقط وكابل، وطلبت تطوير العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين عمان وأفغانستان. وفي 1 سبتمبر 2004، عبرت سلطنة عمان عن موافقتها على تأسيس قنصلية أفغانية في مسقط، وفي 7 مارس 2005، تم تسليم خطاب الاعتماد للسيد محمد جيلاني بصفته القنصل العام لأفغانستان في عمان. وفي عام 2004، تم افتتاح القنصلية العامة لأفغانستان في مسقط، ومن ثم، بناءً على موافقة حكومة عمان وقرار رقم 1817 بتاريخ 19 مايو 2005 من الحکومة الأفغانیة، تم ترقية القنصلية إلى السفارة. وفي نفس الوقت تم تعیین سفیر سلطنة عمان لدی نیودلهي في الهند سفیراً غیر مقیم یهتم بشؤون أفغانستان.

وبعد تولّي طالبان (إمارة أفغانستان الإسلامیة) حكم أفغانستان والسلطة في أغسطس 2021، وتزامنا مع جهود مستمرة من قِبل الخارجیة الأفغانیة مع جهات مختصة في سلطنة عمان؛ استأنفت السفارة الأفغانية أنشطتها في مسقط في سبتمبر 2024، حیث تم تعیین حافظ عمر بصفته القائم بأعمال السفارة، مما يشير إلى وجود علاقات دبلوماسية مستمرة بين البلدين.

 

زيارة وزير الخارجية الأفغاني إلى سلطنة عمان

السياسة الخارجية لحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية تقوم على مبادئ الاعتدال والتوازن في العلاقات الدولية، وتسعى إلى تحقيق الاستقرار الداخلي والانفتاح على العالم دون التدخل في شؤون الدول الأخرى. وفي هذا الاطار؛ تحاول الحکومة الأفغانیة بناء علاقات وثيقة مع الدول الإسلامية، وخاصة الدول الخليجية، لضمان الاتصال السياسي والاقتصادي وتعزيز دورها في العالم الإسلامي والعربي، والتي تهدف إلى كسر العزلة الدولية المفروضة على أفغانستان وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد من خلال تعزيز التعاون مع مختلف الدول، مع الحفاظ على سيادة أفغانستان واستقلال قرارها السياسي.

نظراً إلی هذه الرؤیة، وبناءً علی دعوة رسمیة من قِبل وزیر الخارجية العُماني، بدر بن حمد البوسعيدي، قام المولوي أمير خان متقي وزير الخارجية في حكومة إمارة أفغانستان الإسلامیة خلال فترة 15-10 مارس 2025، بزیارة رسمیة إلی سلطنة عمان.

خلال الزيارة، التقى السید متقي بنظيره العُماني، بدر بن حمد البوسعيدي، حيث بحثا سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين. کما تم التأكيد على بدء مرحلة جديدة من التعاون الثنائي، مع التركيز على تسهيل منح تأشيرات العمل للمواطنين الأفغان في عُمان، وتصدير المنتجات الأفغانية إلى الأسواق العُمانية، وبدء الرحلات الجوية المدنية المباشرة بين البلدين.

إضافة إلی ذلك، دعا السید متقي المستثمرين العُمانيين إلى الاستثمار في أفغانستان، مشيرًا إلى الإنجازات التي حققتها إمارة أفغانستان الإسلامية في مجالات الأمن وتهيئة فرص الاستثمار. من جانبه، أعرب وزير الخارجية العُماني عن استعداد بلاده لدعم أفغانستان في مختلف المجالات، معربًا عن أمله في توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وجرى خلال هذه الزيارة لقاءات ودية مكثفة بين وزير الخارجية الأفغاني، مولوي أمير خان متقي، مع كبار مسؤولي سلطة عمان، وأهمها لقاء وزير المكتب السلطاني، ووزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزير الأوقاف والشؤون الدينية ورؤساء غرفة التجارة والاستثمار وجهاز الاستثمار العماني بشكل منفصل.

وفي هذه الاجتماعات، تم بحث الفرص الاستثمارية بين أفغانستان وعمان، وطرق زيادة التجارة، وبدء الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وقضايا المواطنين الأفغان المقيمين في عمان، والتبادل الثقافي بين البلدين. وطلب وزير الخارجية الأفغاني من وزير مكتب السلطان العماني أن تساعد سلطنة عمان في تخفيف مدة سجن الأفغان المعتقلين في عمان وإطلاق سراحهم حتى يتمكنوا من العودة إلى بلادهم.  كما تم طلب التعاون مع السفارة الأفغانية في عمان لحل القضايا القنصلية للمواطنين الأفغان المقيمين هناك.

وأعرب وزير المکتب السلطاني عن التزامه بتوفير تسهيلات العفو للأسرى الأفغان في مناسبات خاصة في المستقبل القريب، كما وعد بتنسيق التعاون مع السفارة الأفغانية لتقديم الخدمات القنصلية للأفغان المقيمين في عمان.

وفي الاجتماع مع رؤساء غرفة التجارة والاستثمار في عمان، تم الاتفاق على إنشاء علاقات منتظمة بين وزارات التجارة في البلدين والقطاع الخاص لزيادة التجارة بين البلدين، وبدء الرحلات الجوية المباشرة، ومناقشة الفرص الاستثمارية.

كما أكد مولوي أمير خان متقي لوزير الأوقاف والشؤون الدينية العماني أهمية تبادل الخبرات بين البلدين في مجالات المساجد والحجاج والأوقاف، ودعاه إلى تقديم المساعدة في إعادة بناء المساجد في أفغانستان. وأبدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية استعدادها للتعاون مع وزارة الإرشاد والحج والأوقاف الأفغانية في تبادل الخبرات والمساعدة.

بشكل عام، تدل هذه الزيارة على جهود حكومة الإمارة الإسلامیة في أفغانستان لتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، والسعي لجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم الاقتصاد الأفغاني، بالإضافة إلى تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي مع دول المنطقة.

 

الأهمية السياسية والاقتصادية لهذه الزيارة

زيارة وزیر الخارجیة الأفغاني المولوي أمير خان متقي إلى سلطنة عمان تحمل أبعادًا سياسية واقتصادیة مهمة، حيث تشير إلى سعي الحكومة الأفغانیة إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية مع دول الخليج العربي، وخاصة الدول التي تتبع سياسة الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مثل سلطنة عمان. ومن أبرز الدلالات السياسية لهذه الزيارة:

■ محاولة كسب الاعتراف الدولي: لا تزال الحكومة الأفغانیة تسعى للحصول على اعتراف رسمي من دول العالم، خاصة الدول المؤثرة في المنطقة. لقاء متقي مع المسؤولين العمانيين قد يكون خطوة في هذا الاتجاه.

■ تعزيز مكانة عمان كوسيط محتمل: نظرًا لدورها المعروف في الوساطة الإقليمية، قد تلعب مسقط دورًا في تسهيل الحوار بين أفغانستان والمجتمع الدولي، أو حتى في تقريب وجهات النظر بين الحکومة الأفغانیة والدول التي لم تعترف بحكمها بعد.

■ تنويع العلاقات الخارجية لإمارة أفغانستان الإسلامیة: في ظل العقوبات الدولية، تحاول الحکومة الأفغانیة توسيع شبكة علاقاتها الدبلوماسية خارج نطاق الدول القريبة مثل باكستان والصين وإيران، وعمان يمكن أن تكون بوابة جديدة لها في منطقة الخليج.

 

کما أن الزيارة تركزت أيضًا على الجوانب الاقتصادية، حيث تم التطرق إلى عدة مواضيع مهمة، منها:

■ تسهيل حركة العمالة الأفغانية إلى عمان: هناك عدد كبير من الأفغان يعملون في دول الخليج، وعمان قد تكون وجهة جديدة لتوظيف العمال الأفغان، خاصة في القطاعات التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة ماهرة.

■ تشجيع الاستثمارات العمانية في أفغانستان: تسعى الحكومة الأفغانیة إلى جذب المستثمرين العمانيين للمساهمة في مشاريع البنية التحتية، مثل التعدين والطاقة والزراعة.

■ توسيع التبادل التجاري: تمتلك أفغانستان موارد طبيعية غنية مثل المعادن والأحجار الكريمة، والتي قد تجد سوقًا في عمان، بينما يمكن لعمان تصدير المنتجات الغذائية والبضائع الأساسية إلى أفغانستان.

■ تعزيز الربط الجوي والبحري: بدء الرحلات الجوية بين البلدين سيساعد في تعزيز التجارة وتسهيل تنقل رجال الأعمال والمواطنين. كما أن ميناء الدقم العماني يمكن أن يكون نقطة عبور رئيسية للسلع الأفغانية إلى الأسواق الخليجية.

 

وأما الأبعاد الجيوسياسية والإقليمية لهذه الزیارة یمکننا أن نلخصها في النقاط التالیة:

■ توسيع نفوذ الحکومة الأفغانیة في المنطقة: هذه الزيارة قد تكون جزءًا من استراتيجية الحکومة الأفغانیة لإقامة علاقات قوية مع الدول الخليجية، مما يمنحها دوراً أكبر في المنطقة ويقلل من عزلتها الدولية.

■ عمان كجسر بين الحکومة الأفغانیة والمجتمع الدولي: يمكن لمسقط أن تلعب دورًا في نقل رسائل الحکومة الأفغانیة إلى الغرب، خصوصًا فيما يتعلق بملفات مثل حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب، وإعادة الإعمار.

■ التعاون الأمني غير المعلن: رغم عدم وجود تصريحات رسمية حول التعاون الأمني، فإن مثل هذه الزيارات قد تتضمن نقاشات حول مكافحة المخدرات، والتعاون في مجال الأمن والتهریب.

 

وأخیرًا، رغم أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ليست متقدمة، إلا أن هناك إمكانات كبيرة لتطويرها. أفغانستان تمثل فرصة اقتصادية لعمان في مجال التجارة والاستثمارات، بينما يمكن لعمان أن تكون شريكًا دبلوماسيًا واستراتيجيًا مهمًا لأفغانستان في المنطقة. مع مرور الوقت، قد تشهد هذه العلاقة نموًا في حال استقرار الأوضاع في أفغانستان وزيادة التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.

زيارة وزیر الخارجیة الأفغاني إلى عمان ليست مجرد زيارة دبلوماسية عادية، بل تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى توثيق العلاقات بين حكومة الإمارة الإسلامیة والدول الخليجية. وفي المقابل، قد تستفيد عمان من هذه العلاقة لتعزيز دورها السياسي والاقتصادي، وربما حتى لعب دور الوسيط بين أفغانستان والمجتمع الدولي مستقبلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى