مقالات الأعداد السابقة

آلام الهجرة

بقلم: أبو محمد أمين

تمضي الأیام ولاتزال الأزمات في أفغانستان تزداد. وتأتي أزمة الهجرة والمهاجرین في قمة الهرم. ولم یوجد عزم فتي لمكافحة هذه الأزمة الممتدة منذ احتلال الاتحاد السوفییت إلی الاحتلال الإمریكي وحتى یومنا هذا.

لا تسأل عن وعورة طریق الهجرة وصعوباتها. فقد قتل وجرح وشرد وغرق في أمواج البحار آلاف مؤلفة من إخواننا الأفغان. وذلك فراراً من الحرب والبطالة والفقر، زد على ذلك التعامل السيء للشعوب والحكومات مع المهاجرين الأفغان. إذ أن المهاجر الأفغاني في رؤیة مواطني بعض البلاد يعتبر شخصية غير مرغوب بها. حيث أن أبناءهم محرومون من الدراسة في مدراس تلك البلاد وجامعاتهم. ولا یتعلق بهم حق اجتماعي ولا إنساني. يحصل هذا والعالم ناظر إلی هذه المأساة الإنسانیة، والدولة العمیلة مشغولة بتقسیم النفوذ بین اللصوص والراقصین علی دماء الشهداء. متناسین قضیة المهاجرین التائهین في طول البلد وعرضها. وتغافل الدولة العمیلة عن هذه الأزمة لیس بخافٍ علی من له قلیل إطلاع علی تصرفات الدولة وتعاملها مع القضایا.

ورغم تدفق المساعدات المالیة العالمیة لحل هذه القضیة، لم تحل هذه المشكلة. فلم نشاهد نتیجة لجهود وزارة شؤون المهاجرین. بل لا یزال المهاجرون یعانون من مشاكل كانوا یعانون منها قبل ثلاثین سنة.

 

هنالك یوم عالمي للهجرة والمهاجرین. تحتفل به جمیع شعوب العالم ویلتفتون إلی معاناة المهاجرین. ففي هذا الیوم یقوم رجال الحكم بتبادل كلمات تافهة مزورة لإسكات أفواه الشعب المسكین.

أما الیوم العالمي للمهاجرین الأفغان في هذا العام، كان متميزاً عن الأیام الأخری في السنوات الغابرة. إذ قام “فیلیبو جراندي” رئیس المفوضیة العلیا لشؤون المهاجرین، برحلة إلی أفغانستان بمناسبة هذا الیوم. وذلك لیسترعي ویلفت أنظار العالم إلی قضیة اللاجئین الأفغان. ولیكشف الستار عن قصور دولة كابل حيال هذه القضیة.

ووفقا لتقریر وزارة شؤون المهاجرین، فإن أكثر من سبعة ملايين مهاجر غادروا البلاد ولجؤوا إلی البلاد المختلفة علی صعید العالم. الـ۷ ملیون رقم بحاجة إلى شيء من التأمل، لأن الواقع یثبت رقماً أكبر وأضخم، حيث أن الهجرة مستمرة إلی یومنا هذا. وقد شهدت أفغانستان عام ۲۰۱۵م هجرة أكثر من ۲۵۰ ألف مهاجر إلی أروبا، كثیر منهم ماتوا وسط الطریق. وهنالك أرقام غیر رسمیة تقدر هجرة الأفغان إلی إیران وباكستان والبلاد الأخری، بأكثر من هذا، وأن أكثر من ملیون أفغاني يعيشون مشردين داخل البلد، وحالهم أسوأ من الذین لجأوا إلی الخارج؛ لأن العمل في الخارج موفور وفي الداخل شبه معدوم، لذلك یجنح كثیر منهم إلی السرقة والاختطاف.

والهجرة الأفغانیة تحتل المرتبة الأولی من حيث القِدَم، وتحتل المرتبة الثانیة بعد سوریا من حيث عدد المهاجرین عالمياُ.

ومن المعلوم أنه بعد أن احتلت أمریكا أفغانستان، أحالتها جحیما لایطاق، فلا يزال دخان الحرب يتصاعد إلی السماء وخیرة شبابنا یضحون في هذا الطریق. ونظراُ إلی أن أكثر الشعب وقف إلی جانب الإمارة الإسلامیة، یقوم رجال الأمن بإیذائهم بذرائع تافهة. فشرطة الـ”أربكي” تقتل وتشرد، و”إدارة الأمن الوطني” تحولت إلی مركز لتعذیب الشعب باتهامات واهیة. ولذلك كله يفضل كثیر من الشعب الفرار علی البقاء؛ خلاصاً من هولاء المجرمين.

زد على ذلك انتشار تعاطي الرشی في جمیع الإدارات بلا استثناء، حتى أنه لا یمكن قضاء الحاجة الإداریة إلا بالرشوة، وإذا لم تعط الرشوة فعلیك بالذهاب والإیاب المتواصل، وربما استغرق شهراً كاملاً.

كما أن الفقر والبطالة مشكلة أخری أجبرت أبناء الشعب على الهجرة واللجوء إلی البلاد الأجنبیة. ولا نحتاج لإثباتها إلی الأرقام، فالواقع خیر شاهد علی ذلك.

إن أكثر من ۷۰% من الشعب یعیش تحت خط الفقر المهلك. وأرقام البطالة بین الشباب هائلة جداً، فهناك كثیر من الشباب الذين حصلوا علی الشهادات الجامعیة في ظروف صعبة ولا یجدون حتى الآن وظائف، لأنهم لا یملكون المال لیعطوا الرشی.

وفي الآونة الأخیرة شاهدنا بعض الشباب الدارسین أحرقوا شهاداتهم؛ لأنهم لم یجدوا فائدة منها.

أما دولة “الوحدة الوطنیة” كان بإمكانها القضاء علی هذه الأزمة لو شاءت؛ لأنها تستلم میزانیات خاصة لهذا الملف سنویاٌ، وكثیر من الدول والموسسات واقفة إلی جنبها لحل هذه القضیة، ولكنها لم تخطو في هذا المجال خطوات تسجل نجاحاً. وهناك رأي آخر يقول أن الدولة تستلم لقضیة اللاجئین أموالاً باهظة من الدول الخارجیة، وتنفقها في القضایا الأخری الداخلیة، منها الحرب ضد مجاهدي الإمارة الإسلامیة؛ ولذلك لا ترید حلها، بل تزید في توترها وتعقدها لتحصل علی هذا المال سنویاً وتنفقه كیفما تشاء.

نسأل الله الخلاص للشعب الأفغاني وجمیع الشعوب المسلمة من هذه المشكلة العظیمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى