مقالات الأعداد السابقة

أبابيل في صورة طالبان

✍:بقلم سماحة الأستاذ الدكتور الأديب الكاتب ولي خان المظفر رئيس مجمع اللغة العربية بباكستان

هذا من السنن الكونية، ومن مسلّمات العقل البشري، أنه لو فاز أحد برتبة ـ علمية كانت أو إدارية ـ، ولم يقم بواجبها حق القيام، ولم يؤدها حق الأداء، فتلك الرتبة تنسلخ من صاحبها وتطلب فرداً آخر لتستند إليه، فإذا قام ذلك الآخر بواجبها حقاً فهي تبقى عنده وإلا فتنسلخ من ذلك الثاني أيضاً وهلم جرا.

وهذا معلوم لدى الكل، أن الله سبحانه وتعالى شرّف المجاهدين الأفغان بفتح أفغانستان وأخذها من أيدي الروس الغلابة الجبارة، وجعلهم وسيلة وذريعة لاستقلال بلاد آسيا الوسطى المسلمة من نفس تلك الأيدي المشبوهة، فكأن الله تعالى منحهم أضعافاً مضاعفة مما أرادوا، وعنده حسنة واحدة بعشر أمثالها ويضاعف على هذا لمن يشاء.

ولكنهم حينما فتحوا البلاد وفازوا بإخراج الأعداء من دولتهم، بدأوا يقتتلون فيما بينهم ويضرب بعضهم رقاب بعض، وكل واحد من الزعماء ما كان يرضى ويقتنع إلا على الرئاسة، كأنه يُرى من تناطحهم أنهم جاهدوا لأجل الاقتدار والحكومة، وما جاهدوا لوجه الله سبحانه وتعالى فحزن المسلمون كافة حزناً شديداً على هذه الثمرة الجهادية التي ريحها كريه وطعمها مرّ.

فـ(حكمتيار) يقتل عشرات المجاهدين التابعين لـ (الرباني)، والرباني يقتل كذلك، فأنهار الدماء تسيل، وأعراض المسلمين والمسلمات تُهتك، وبيوتهم تُدمّر، وحقولهم ومزارعهم تُحرق، ومواشيهم تُستهدف، فبلغت القلوب الحناجر وظن الأفغان بالله ظنوناً، والبلية كبرت وخطرت وعظمت، وزلزلت الأهل والبلاد زلزالاً، وكما قال المتنبي:
وجرم جرّه سفهاء قوم ** فحلّ بغير جارمه العذاب

والشعب الأفغان المسكين، التعبان، الجريح، اليتيم، الثاكل تحيّر ودهش، وحسب كلَّ ليلةٍ ليلةَ الموت وكلَّ نهار نهارَ القيامة، وبدأوا يصرخون: متى نصر الله؟ وأين نصرالله؟ فاستجاب لهم ربهم.

فنصرهم نصراً عزيزاً بأن أرسل أبابيلَ قدرتِه إلى طواغيت الأفغان، الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، الذين شوّهوا وجه الجهاد والمجاهدين وخلطوه بالتراب.

فهذه الأبابيل الكونية كانت ترميهم بما يسّر الله لهم من الآلات، الله أكبر ولله الحمد. وكأن المتنبي يقول فيهم:
أنا صخرة الوادي إذاما زوحمت ** وإذا نطـقت فـإنني الجـوزاء

فالمرتبة العليا التي فازوا بها انسلخت منهم لأنهم ما قاموا بواجبها حق القيام فتمكنت في أبابيل الله سبحانه وتعالى (طالبان).
فطالبان لو أدّوا حق هذه المسؤولية الملقاة على أكتافهم فيكون التمكن لدينهم والاستخلاف والأمن والسلام لهم… ولا سمح الله لو غفلوا عن هذا المسؤولية الكبرى فيدخلون في زمرة الفاسقين.

فنرجو من أولياء الأمور في حركة طالبان أن يكونوا على يقظة ونشاط في إدارة البلاد متجهين كل التوجه إلى الله سبحانه وتعالى. ولتكن إرشادات القرآن الكريم منبهة لهم ليل نهار ليقدّموا نموذجاً ومثالاً في حكومة إسلامية خالصة للعالم في هذا الزمان. وليكون كل مسلم قائلاً هكذا:

علينا لك الإسعاد إن كان نافعا ** يشق قلـوب لا بشق جيوب
ونسأل الله عز وجل أن يوفّقهم لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى