أبناء قادتنا في الخنادق وأبناء قادتهم في الفنادق
أحمد الأفغاني
استشهد قبل أيام عبد الحق عمري في جبهات ولاية خوست مقاتلا ضد الجنود العملاء، وهو نجل الشيخ المولوي محمد نبي عمري عضو وفد التفاوض للإمارة الإسلامية. هذا نجل أحد أبرز قادة الإمارة الإسلامية، يقاتل وجها لوجه مع العدو، تماما كما يقاتل أي جندي من جنودنا، ويُقتل معفّرا بالتراب كما يُقتل أي مقاتل من مقاتلينا، نعم خرّ “عبد الحق” صريعًا مجندلاً بدماء العزة، خرّ صريعًا مجندلاً علي أرض المعركة، وهو نجل قائد من قادتنا، لا فرق هنا بين أبناء القياديين وأبناء غيرهم، كل جندي من جنودنا يقاتل عن إيمان وعقيدة وحماس وحبّ، هنا أرض العزة والكرامة والعدالة، لا فضل لأحد على أحد. نعم، يدافع أبناء قادتنا عن الدين والوطن، ويقاتلون في سبيلهما حتى آخر قطرة من دمائهم، يقدّمون أرواحهم فداء للدين والوطن، لأن الدين الوطن كلاهما بفضل تربية الآباء الأبطال قد أصبح دمَهم الذي يجري في عروقهم.
أين أبناء زعماء إدارة كابل (إن صحّت تسميتهم بالزعماء، لأن العميل لن يكون زعيما مهما أمر ونهى) أين أبناؤهم إنْ هم يحبون أرضهم ولا يكذبون، إن هم يؤمنون حقا بهذه الحرب التي يزجون فيها بشباب الأمة زجّاً، إن أبناءهم لا شك يحيون حياةً مفعمة بالبذخ والترف، يحيون مدلّلين في فنادق أميركا وأوروبا، يقضون نهارهم على الشواطئ، ويبيتون ليلهم في الملاهي الليلية ربما مع المومسات! مَن يدري؟ (أعوذ بالله) كل هذا من أموال الشعب طبعا.
هذا يعني أن الحرب التي خاضها زعماؤنا حرب مقدسة، حرب للمبادئ والمقدسات، حرب يؤمنون بها، لأنهم جاهزون لأي تضحية في أي وقت، لأنهم ضحوا ولا زالوا بأفلاذ أكبادهم، هذا يعني أن زعماءنا يقاتلون لشيئ وراء المادة، يقاتلون لما هو أكبر من الحياة الدنيا وأغلى، يقاتلون حتى يركزوا راية الإسلام فوق هامات الأرض، لا يدرك هذا السمو من يعتبر لذاذات الدنيا خلاصةَ الحياة وأعلى أهدافها المرموقة، وهل هناك شيئ أحب وأحلى إلى الأب من فلذة كبده، فليسأل الآباءَ مَن لم يصبح بعدُ أباً.
إن مشايخنا وقادتنا يضحون بأفلاذ أكبادهم في سبيل مبادئهم، يبعثونهم غير عابئين بما سيحدث لهم، غير عابئين باستشهادهم أو إصابتهم أو وقوعهم في الأسر، يبعثونهم لكن ليس إكراها وإنما تشجيعا وتحبيذا إلى ميدان المعركة، حيث العراك والكفاح والطعان، حيث أنين الجرحى ورائحة الموت، وهل يتقاعس الأولاد عن خوض حرب خاضها آباؤهم عن إيمان وصدق وإخلاص وحبّ، يريد قادتنا أن يكون طفلهم فارسا مقداما، رجلا مكافحا لا أن يكون شابُّهم طفلا مدلّلا، هكذا يُربّون أولادهم. يريدون أن يكون أولادهم كما يقول الشاعر:
إذا بلغ الرضيعُ لنا فِطاما / تخِرّ له الجبابرُ ساجدينا
إن الأهداف والقيم التي يمدون إليها بأبصارهم ويسعون لتحقيقها أكبر وأعظم من دماء أبنائهم، إن الوطن أكثر قيمة عندهم من أرواح أبنائهم، إن شرع الله أحب عندهم من حياة أبنائهم. لولا أن قادتنا يكافحون في ميدان السياسة لكانوا هم أيضا الآن في ميدان المعركة شأن بقية المقاتلين.
الإبن يقضي ليليه ونهاره في خنادق القتال مقاتلا مرابطا، يسطّر بدمه تاريخ المجد والشرف للوطن، والأب يعيش في العاصمة القطرية، الدوحة يتفاوض مع المحتل ويحصد ثمار تضحيات وبطولات الإبن ويوقّع على انتصار الابن، يقاتل الأب والإبن معا في سبيل غاية واحدة، وهي تنفيذ شرع الله والذود عن دين الله، وتحرير الوطن المقهور من مخالب السباع، هذه هي الفطرة الأفغانية السليمة، الفطرة التي لم تغيّرها الحياة الدنيا وأهلها على مر الزمان، أرجو أن يكون البعض قد أدرك الآن السرَّ وراء انتصار المجاهدين، ويكفوا عن اتهاممهم بما لم يكن فيهم يوما.