أبناؤنا والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي
حافظ سليمان
لقد دار الزمان دورته، وتتابع المَلَوَان، حتى صرنا إلى زمانٍ كل ما فيه عجائب وغرائب، وتفتق ذهن البشرية عن مخترعات وأدوات ووسائل تخدم وتهدم في آنٍ واحدٍ، أكثر سلاح ذو حدّين يمكن استخدامه للخير وللشر على حدٍّ سواء، وفي مقدمتها الطاقة النووية، وأخطر منها وسائل التلقي والاتصال ونقل الأخبار وكل نافع وضار، هذه أم الدواهي والبليات، اختصروا فيها الحكاية توصيفًا لأمرها فقالوا: غداً العالم بعد شبكات التواصل -لشدّة تقاربه- يصير قرية صغيرة، والحق والأدق أنه صار كحجم الكف الذي يحمل فيه ذلك الجهاز. ومن خلال هذا الجهاز الصغير الخطير، تم التحكم بعقول البشرية والسيطرة على نفوس حامليه، ولا يكاد ينجو من هذا أحد، حتى من آثر القطيعة لكل منصات التواصل لم ينجُ منها وإن خُيّل إليه ذلك، لأن هناك من يُحدّثه عن أخبارها فيتأثّر بما يُنقل إليه، فكأنه هو المشاهد لها من غير فرق.
هذه القنوات والمواقع تنقل للإنسان كل ما يهدم دينه وخلقه ومروءته ويغتصب عقله ويتمكن من قلبه، فيها كل ما يمتّ لحياة الإنسان من دنيا ودين من الناحية الأيديولوجية والسياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والنفسية و…
قال ابن القيم رحمه الله: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قبل الآباء” (تحفة المودود ص 146).
فكم من والد سعى في إسعاد ابنه بهدية هي عباره عن جهاز كان فيه فساد ابنه ودمار أخلاقه!!
يقول د.محمد علي صالح الغامدي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى -المملكة العربية السعودية” في كتابه الإنترنت وخطره: “وهذه النافذة التي فتحت هي الإنترنت، أو ما يحلو للبعض بتسميتها بالشبكة العنكبوتية، فلقد اقتحمت الإنترنت حياتنا ودخلتها على حين غفلة منا، لم ندرك متاهاتها، تقبلناها بنوع من السذاجة في كونها مصدراً للنهل من العلم والثقافة، لم نجعل لها ضوابط، تغاضينا بمحض إرادتنا عن الساعات الطويلة التي يقضيها أطفالنا في دهاليزها، نسينا أو تناسينا -بسبب انشغالنا- عن التحري عما يصل إلى أسماع أطفالنا أو ما تراه أعينهم، والنتيجة أصبح العديد من أطفالنا ضحايا بريئة لهذه الشبكة العنكبوتية المترامية الأطراف، فأدمنوا عليها وتاهوا في سراديبها، فمن التشات مروراً بمواقع الكورة وتنزيل الأغاني الحديثة والكليبات.
وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات المواقع الإباحية لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه، وأن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تراوح أعمارهم بين 12و 17 سنة. والصفحات الإباحية تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً.”!!
وأخيرًا؛ اتَّقوا الله في أولادكم، واعلَمُوا أنَّ الله سيحاسبكم على إهمالكم في أولادكم؛ قال بعض أهل العلم: إنَّ الله يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أنْ يسأل الولد عن والده، فإنَّه كما أنَّ للأب على ابنه حقًّا، فللابن على أبيه حق، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصيَّته الأولاد بآبائهم؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء من الآية:31]، فمَن أهمل تعليمَ ولده ما ينفعه وترَكَه سدًى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَلِ الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائضَ الدِّين وسننه، فأضاعوهم صِغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتَب بعضهم ولدَه على العقوق، فقال: يا أبت، إنَّك عققتني صغيرًا فعققتُك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا (ا. هـ تحفة المودود).