من أخلاق المجاهد: خلق القناعة وضرورته في حياة المجاهد
من الصفات التي ينبغي للمسلم التحلي بها في جميع أحيانه هي صفة القناعة، فإن الذي يتصف بصفة القناعة سيستغني عن الناس، ولن يوجعه تقدم أحد في الدنيا، ولن يؤلمه ما ليس عنده مما في أيدي الناس. والمجاهد قد يتكبد الخسائر الجسيمة المالية من قبل الأعداء فإذا تحلى بالقناعة ورضي بالنزر اليسير فإنه سيتمكن من مواصلة حياته الجهادية دون أن يشعر بصعوبة في مسيرته الجهادية. ولا شك أن المجتمعات التي بليت بمرض الحسد والبغضاء والجشع، وكثرت فيها الصراعات والنزاعات والسرقة والنهب، حصل لها كل هذا بسبب فقدان القناعة.
ولا شك أن الذي عَدِم القناعة لن يملأ بطنه طعام ولا شراب إلا التراب کما ورد في الحديث؛ “ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب”. فهو يعيش دوما حالة من الاختناق والحزن والهم، إذ كلما استزاد استقل بما عنده وتطلع إلى المزيد من الأموال.
تعريف القناعة وحقيقتها:
القناعة هي الرضا بما قسم الله، ولو كان قليلا وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، يقول الرسول: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [مسلم] والمسلم يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بالدنيا، أما في عمل الخير والأعمال الصالحة فیسابق الآخرين، ویحرص على المزيد من الخيرات، مصداقًا لقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة].
والقناعة هي الاكتفاء بالحلال الطيب مع قلته والاستغناء عن الحرام الخبيث مع كثرته، والرضا بما قسم الله للعبد دون تسخط.
قال أبو حاتم رحمه الله: (مِنْ أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطراً؛ القناعة. وليس شيءٌ أروحَ للبدن من الرضا بالقضاء والثقة بالقَسْم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تحمد إلا الراحة وعدم الدخول في مواضع السوء لِطلب الفَضلِ، لكان الواجبُ على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال).
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح، فقال عليه الصلاة والسلام: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ”.
وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من نفس طمّاعة لا تشبع، فكان يقول في دعائه: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع”.
بين قناعة الفقير وقناعة الغني:
وليعلم أن القناعة لا تتعلق بالفقر والغنى، فقد يكون العبد قد حاز الدنيا ويتطلع إلى المزيد، ويحرص على جمع مزيد من الأموال، وقد يكون الرجل معدماً لا يملك قوت يومه وهو غني القلب فارغ البال ليس له هم ولا غم. إذن قناعة الغني أن يشكر الله على نعمه ولا يحرص على تجميع الأموال بحيث يرتكب كبيرة، ولا يؤدي زكاة أمواله، ولا ينفق في سبيل الله، ولا يلج في الأموال إلى حد أن يكون عبداً لها. وقناعة الفقير أن يرضى بما قسم الله له، ويستغني عما في أيدي الناس، ولا يسيل لعابه بما يرى عند الآخرين من الأموال، ولا يرتكب حراماً حرصاً على الغنى، فإن ما كتبه الله لم يكن ليزداد.
نماذج من القناعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
والنبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم نموذج في القناعة والرضا بما قسم الله له، وقد طبق هذه الصفة الحميدة في جميع مراحل حياته. فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعاً زاهداً راضياً صابراً محتسباً، كان أبعدَ الناس عن ملذات الدنيا، وأشدهم رغبة في الآخرة وأكثرهم زهداً في الدنيا. وكتب الحديث طافحة بأمثال القناعة التي ملأت حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإليك نماذج من هذه الأمثلة الحية:
1 ـ فقد روي عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة بن الزبير: ابنَ أختي؛ “إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار”، فقلت يا خالة: ما كان يُعِيشُكم؟ قالت: “الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيَسقينا”. وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين”.
2 ـ وعنها: “كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدَم، وحشوه من ليف”. (أدم) جلد مدبوغ. (ليف) قشر النخيل.
3 ـ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: “ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها”.
4 ـ وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟، قلت: بلى.. ). (القَرَظ) هو ورَق السَّلَم تدبغ به الجلود. (أفيق) جلد لم يدبغ.
5 ـ وفي الصحيحين عن عائشة، قالت: “ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة مِن طعام بُرّ ثلاث ليال تِباعا، حتى قبض”.
نماذج من قناعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد ربّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القناعة، فكانوا نموذجا رائعا يقتدى بهم في الزهد في حطام الدنيا والقناعة بما آتاهم الله من فضله، ونشير إلى شيء من تلكم النماذج الحية:
ـ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُفّة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته”.
ـ وروى ابن ماجة في سننه عن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحِبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين؛ ما أبكي ضنا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، فما أراني إلا قد تعديت. قال: وما عهد إليك؟ قال عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب. ولا أراني إلا قد تعديت. وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همّك إذا هممت. قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما من نفقة كانت عنده. والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
نماذج في القناعة عند السلف:
سار السلف الصالح على درب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإليك نماذج من حياتهم المتصفة بالقناعة:
– “ورث داود الطائي من أبيه دارًا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها” (ربيع الأبرار؛ للزمخشري: [5/338]).
– وعن يحيى بن عروة بن أذينة قال: “لما أتى أبي وجماعةٌ من الشعراء هشام ابن عبد الملك فأنشدوه، فلما عرف أبي قال: ألست القائل:
وقد عَلِمتُ وخَيرُ القَوْل أصْدَقُه *** بأنَ رِزْقِي وَإنْ لم يَأْتِ يَأْتيني
أسْعى إليه فيعييني تطلبه *** ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنِّيني
فهلَّا جلست في بيتك حتى يأتيك؟ فسكت أبي ولم يُجبه، فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة، وأمر هشامٌ بجوائزهم، فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه، قال: لا جرم، والله ليعلمنَّ أنَّ ذلك سيأتيه. ثم أضعف له ما أعطى واحدًا من أصحابه، وكتب له فريضتين” (التبصرة؛ لابن الجوزي، ص: [156]).
– وقال زمعة بن صالحٍ: “كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت” (القناعة؛ لابن السني، ص: [40]).
– وعن حفصٍ الجعفي، قال: “ورث داود الطائي من أُمّه أربع مائة درهمٍ، فمكث يتقوت بها ثلاثين عامًا، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها”.
– وقال عطاء بن مسلمٍ: “عاش داود عشرين سنةً بثلاث مائة درهمٍ” (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: [7/424]).
– وذكر إبراهيم بن السري الزجاج: “أنه كان يجري على أبي جعفرٍ في الشهر أربعة دراهم، يتقوت بها. قال: وكان لا يسأل أحدًا شيئًا” (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: [13/546]).
طرق اكتساب القناعة:
1 – الإيمان الجازم بأن الله تعالى هو الرزاق، كتب الأرزاق قبل أن يخلقَ العِباد، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها. فهل مِن أحد يرزق العبادَ غيرُه سبحانه؟ وهو القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58].
2 – تذكّرُ العبدِ أن الدنيا إلى زوال وأن متاعها إلى فناء: ليعلمِ العاقل أنّ كل حال إلى زوال، فلا يفرح غنيّ حتى يطغى ويَبطر، ولا ييأس فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم، ولا غنى يدوم! وكم من رجال نشؤوا على فرش من حرير، وشربوا بكؤوس من ذهب، وورثوا كنوزا من المال، وأذلوا أعناق الرجال، واستعبدوا الأحرار من الرجال والنساء! فما ماتوا حتى اشتهَوْا فراشًا خَشِنا يقي الجنب عَضّ الأرض، ورغيفًا من خبز يحمي البطن من قَرْص الجوع! وآخرون قاسوا المحن والبلايا، وذاقوا الألم والحرمان، وطووا الليالي بلا طعام! فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم، وتكاثرت لهم الخيرات، وصاروا من سراة الناس! وسيسوي الموت بين الأحياء جميعا: الغني والفقير؛ فدُود الأرض لا يفرق بين المالك والأجير، ولا بين الصعلوك والأمير، ولا بين الكبير والصغير، فلا يجزع فقير بفقره، ولا يبطرغني بغناه.
3 – أن ينظر المرء إلى من هو أقل منه في المال والمنصب والجاه، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في ذلك:
فقد علمنا ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ”. قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ “عَلَيْكُمْ”. وفي لفظ لابن حبان في صحيحه: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ فَوْقَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ”.
4 – تربية النفس على الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير: فقد قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾. وقال عز وجل في صفات عباد الرحمان: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾.
5 – الاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها:
فلله سبحانه وتعالى حكمة في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد؛ حتى تحصل عمارة الأرض، ويتبادل الناس المنافع والمصالح، ويخدم بعضهم بعضًا. قال الله تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف:32]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 165].
6- العلم بأن الفقر والغنى ابتلاء وامتحان:
فالفقير ممتحن بفقره وحاجته، والغني ممتحن بغناه وثروته، وكل منهما مسؤول وموقوف بين يدي الله عز وجل قال سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّالِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
• فوائد القناعة ونتائجها:
1 – القناعة دليل على قوة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، دليل على صدق الثقة بالله والرضا بما قدّر وقَسَم، دليل على قوة اليقين بما عنده سبحانه وتعالى.
2 – بالقناعة يتحقق الشكر: فمن قنع برزقه شكر الله تعالى عليه، ومن احتقر رزقه قصَّر في شكر ربه سبحانه، وربما جزع وتسخط- والعياذ بالله- ولذا قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: “كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس…”. أخرجه ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة.
3 – القناعة سبيل إلى الحياة الطيبة: قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وفي هذا المعنى قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: “من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه”.
4 – في القناعة شفاء من داء الطمع والتسوّل: فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَلم صحابته القناعة والتعفف عن السؤال، يعلمهم إذا سألوا أن يسألوا الله، وإذا استعانوا أن يستعينوا بالله، يعلمهم ألا يلجؤوا بالسؤال والطلب إلا إلى خالقهم ورازقهم سبحانه.
5 – القناعة طريق إلى الفلاح والسعادة في الدارين: فقد أخرج الإمام أحمد الترمذي وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع”.
6 – حقيقة الغنى في القناعة: وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن حقيقة الغنى غنى النفس، فقال صلى الله عليه وسلم: “ليس الغِنَى عن كثرة العرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس” متفق عليه من حديث أبي هريرة. أي أن الغنى الحقيقي الذي يملأ نفس الإنسان ويكفه عن حاجة غيره، ليس هو كثرة العرض، أي حطام الدنيا ومتاعها. وإنما حقيقة الغِنى أن تكون نفس العبد هادئة مطمئنة قانعة راضية، حتى ولو كان صاحبها لا يملك من حطام الدنيا شيئا.
7 – العز في القناعة، والذل في الطمع: فصاحب القناعة عزيز بين الناس، لاستغنائه عنهم، لعدم طمعه فيما في أيديهم، بينما الطماع يُذِل نفسه من أجل المزيد؛ ولذا جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئتَ فإنكَ ميّت، وأحبِب مَن أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّهُ استغناؤه عن الناس”. ما أحوجنا اليوم إلى التحلي بهذه الصفة المهمة، وما أسعد الإنسان الذي أخذ القناعة وتحلى بها في عصر كثر فيه الجشع والطمع والتهالك على الأموال.