من أخلاق المجاهد: خلق الغيرة؛ ضرورتها وأهميتها في حياة المسلم
إن الغيرة على الدين والعقيدة، والغيرة على العرض والشرف، والغيرة على الوطن والبلد، والغيرة على حفظ الأموال؛ كلها من معالم الفتوة والكرامة في كل إنسان. وإن الإنسان إنما يتميّز عن غيره من الحيوانات بالغيرة، والذي تهان عقيدته، ويهان عرضه وشرفه، وتُستهدف ثقافته وتُغتصب أمواله ثم هو لا يحرك ساكناً، فلا شك في أنه خارج عن دائرة الإنسانية، ولا يختلف عن الحيوان إلا في القامة.
وإن المسلم الذي يُحتل وطنه وهو جالس في بيته، رخيّ البال، لا يزعجه احتلال المحتلين، ولا يقلقه استهداف وطنه ودينه وعرضه، لا شك أنه فاقد الوعي والضمير، ولا شك أنه لم يعمل بواجبه. وبناء على هذه الأهمية والخطورة أشاد الإسلام بالغيرة، وشجع المسلمين عليها، وقد جاء في الحديث الشريف أن سعداً بن عبادة قال كلامًا بين يدي رسول الله دلّ على غيرته الشديدة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني”. فكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس غيرة على الدين، وهكذا كان الصحابة والسلف الصالح.
نماذج من غیرة الصحابة:
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الناس وأشجعهم، كان أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين متصفين بصفة الغيرة، وكتب الحديث طافحة بهذه الأمثال، نكتفي بنماذج من حياتهم:
– غيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
في كتب الحديث جاءت روايات كثيرة تحكي عن غيرة أبي بكر رضي الله عنه، نذكر على سبيل المثال نموذجاً واحداً: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن نفرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أر إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلن رجل، بعد يومي هذا، على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان.
– غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
– كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أعظم الصحابة غيرة على النساء، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم غيرته في الرؤيا التي رأى فيها قصر عمر بن الخطاب في الجنة والمرأة التي كانت بجانب القصر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته، فوليت مدبرًا . فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟.
وعن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله.
وقد أشار عمر رضی الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحجب نساءه، ثم نزل القرآن موافقًا له، فعن أنس رضي الله عنه قال: (قال عمر وافقت ربي في ثلاث ، فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن ، فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيْرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية) روآه البخاري
– غيرة عائشة رضي الله عنها:
– فعن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال: ((ما لك؟ يا عائشة! أغرت؟. فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟. قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟. قال: نعم. قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم. قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم))روآه مسلم
وعنها أيضًا رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجنا معه جميعا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الليل سار مع عائشة يتحدث معها فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين، وأنظر قلت: بلى فركبت حفصة على بعير عائشة وركبت عائشة على بعير حفصة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم، ثم سار معها حتى نزلوا، فافتقدته عائشة فغارت فلما نزلت جعلت تجعل رجليها بين الإذخر وتقول يا رب سلط علي عقربًا أو حية تلدغني، رسولك ولا أستطيع أقول له شيئًا.
– غيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ـ وهذا علي بن أبي طالب يُروى عنه أنه لما رأى الأسواق يزدحم فيها الرجال والنساء قال غيرة على نساء المسلمين: (ألا تستحيون؟! ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟! فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج)، وهم الرجال الفحول من الأعاجم.
– من غيرة المسلمين:
ـ وهذه امرأة مسلمة تذهب إلى سوق يهود بني قينقاع لتبيع لها شيئًا في هذا السوق، فجلست إلى صائغ يهودي، فجعل اليهود يطلبون من هذه المرأة المسلمة أن تكشف لهم وجهها، وهكذا هي عادة اليهود: عهر وفجور، ونقض للعهود، فأبت هذه المرأة ورفضت أن تكشف وجهها، فعمد الصائغ اليهودي إلى طرف ثوبها وربطه إلى ظهرها؛ فلما قامت انكشفت عورتها، فضحك اليهود عليها، فجلست وصاحت؛ فأسرع رجل من المسلمين من أهل الغيرة على حرمات المسلمين إلى الصائغ فقتله، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فبلغ ذلك رسول الله فحاصرهم، ثم أجلاهم عن المدينة. هكذا يفعل أصحاب الغيرة لحماية أعراضهم.
هذه نماذج من الغيرة في حياة السلف الصالح. ولكن اليوم مع الأسف نرى في مجتمعاتنا الإسلامية إهمالاً في هذه الناحية، فترى المسلم لا يبالي بسفور الأسرة، ولا بما ينتحله ابنه، ولا بما تمارسه ابنته، وترى القنوات الفضائية ناشطة ليل نهار في بيوت المسلم، مسلسلات غربية لا تهدف إلا لإخراج الحياء والغيرة من حياة المسلم.
وعندما تموت الغيرة ترى الرجل لا يبالي أن محارمه تلبس ملابس التبرج، وتزين نفسها بأجمل زينة ثم تخرج أمام الرجال وتفتنهم. وعندما تموت الغيرة لا يرى الرجل نفسه مسؤولاً عن حماية أهله ولا يغار على عرضه. وعندما تموت الغيرة يذهب الرجل بأهله من النساء إلى الأسواق المزدحمة فتنزل المرأة من السيارة إلى تلك الأسواق تزاحم الرجال وأصحاب المحلات وهي قد لبست أحسن الثياب الفاتنة. وعندما تموت الغيرة ترى الرجل يسمح لنسائه بمشاهدة الممثلين والمغنين والرياضيين وغيرهم، والمسلسلات وحتى الصور العارية والأفلام الإباحية. وعندما تموت الغيرة ترى المسلم الذي يُقتل أبناء دينه من الأطفال والشيوخ وتُهدم مساجدهم وتُنتهك أعراض نساءهم لا يحرك ساكناً، ولا يتوجع، ولا يجهز نفسه للجهاد في سبيل الله.
أهذه هي الغيرة التي تعلمناها من أسلافنا؟ ألسنا من أبناء أبي بكر وعمر وأبناء هؤلاء الذين كانوا ينتفضون كالصقر لانتهاك حق امرأة في بلاد أجنبية ولا يقر لهم قرار حتى يستردّوا حق تلك المرأة الضائع؟! أين حكام المسلمين من الغيرة، وأين علماء المسلمين من الغيرة، وأين الشباب وأين المثقفون؟!