مقالات الأعداد السابقة

أربع قواعد قرآنية لخلاص المؤمنين مما هم عليه من ضعف وضياع – الحلقة1

قد يتلفّت المسلم يمنة ويسرة فلا يرى حوله سوى الدماء المسفوكة والخيرات المنهوبة والبلاد المغصوبة. قد يرى ظلم الطغاة المجرمين للضعفاء، وتسلّط الكافرين وأذنابهم على المسلمين في شتى البقاع الإسلامية. قد يرى الظلم والهوان والقهر محيطاً بالمسلمين من كل جانب وفي كل زاوية؛ فيتساءل: كيف الخلاص؟ كيف السبيل لنعود أعزّة كسلفنا الذين أضاءوا مشارق الدنيا ومغاربها بالحق والعدل والرحمة؟ كيف ننتشل أنفسنا ومن معنا من هذا الواقع المرير البغيض لنصل إلى ضفاف العزة والمجد والرفعة كما كنا في ماضينا المجيد؟

إن الحل لخلاصنا من هذا الواقع المحزن الذي وصل إليه المسلمون يكون باتباع أربع قواعد قرآنية عامة، هي بمثابة خطّة الخلاص وعُدّته. وفيما يلي، ننقل لكم أولى هذه القواعد كما بيّنها د. محمد راتب النابلسي، ونرجئ الحديث عن القواعد الثلاث المتبقّية في الحلقات القادمة إن شاء الله.

 

آيات قرآنية تؤكد نصر الله تعالى للمؤمنين من عباده :

نحن الآن مع القرآن الكريم:

(وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)

[سورة الصافات: 173]

(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا)

[سورة الحج: 38]

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)

[سورة النساء: 141]

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

[سورة آل عمران: 139]

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)

[سورة الحج: 40]

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)

[سورة النور: 55]

الواقع الإسلامي لا يؤيد هذه الآيات

أنا أسمعتكم آيات كثيرة كلها فيها وعود للمؤمنين، ألم يخطر في بالكم أن الواقع الإسلامي لا يؤيد هذه الآيات؟ إذا قال الله عز وجل:

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)

[سورة النساء: 141]

 

أعدائنا لهم علينا ألف سبيل وسبيل! وهؤلاء الملايين المملينة، المليار ومئتي مليون أو ثلاثمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولأعدائهم عليهم ألف سبيل وسبيل، هذا الواقع! وإذا قال الله عز وجل:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)

[سورة النور: 55]

حينما كنا في القرون السابقة أسسنا دولة رائعة في الأندلس، الآن أقيم معرض في الأندلس، وقد ذكر في هذا المعرض أن المسلمين وصلوا إلى هذه البلاد، وأنشؤوا المدن وأقاموا حضارة رائعة، يوجد وعود إلهية، أنا والله أرى أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، لكن هناك مفارقة كبيرة، تجد في القرآن آيات تعد المؤمنين بالنصر والغلبة والتفوق والعزة، تجد واقع المسلمين خلاف ذلك! الإنسان يتمزق، يشعر بشرخ في شخصيته، دائماً الواقع عكس الوعد الإلهي، وشيء واقع.

 

أين الاستخلاف؟ والله لا استخلاف!

(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ)

[سورة النور: 55]

أين التمكين؟ والله لا تمكين!

(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)

[سورة النور: 55]

أين التطمين؟ لا تطمين، لا استخلاف، ولا تطمين، ولا تمكين، ولا نصر، ولا كلمة عليا، وللكافرين علينا ألف سبيل وسبيل، هذه مقدمة ثانية، ما العمل؟

أنا أريد فهم واقعي لهذه الآيات، الواقع عكس هذه الوعود، هل يعقل أن يخلف الله وعده؟ لا أبداً مستحيل وألف ألف مستحيل، لو حللنا أنا أردت من هذا التحليل أن أضع لكم أربع قواعد للخلاص؛ إما خلاص فردي، أو خلاص جماعي، الله عز وجل أجل وأكرم من أن يأخذ المطيع بالعاصي، إذا أمكنك أن تصلح الناس جميعاً فأنت بطل، وإن لم يمكنك أن تصلحهم ماذا تفعل؟ أصلح نفسك، أقم الإسلام في بيتك وفي عملك، الجأ إلى كهفك، مسجدك، وإلى بيتك، لأنه ظهر الفساد في البر والبحر، أينما توجهت تجد الفساد عريضاً، في الطريق، حتى في المعابد يوجد فساد لا يعلمه إلا الله، حتى في الصحف والمجلات، حتى في الشاشة، أينما توجهت تجد دعوة إلى المعصية وإغراءً لها! أنا ماذا أفعل؟ أنا لا أستطيع أن أهدي الناس جميعاً، حينما لا أجد أن هناك ثمرة يانعة أجدها من دعوتي إلى الله لا أقل من أن ألتفت إلى نفسي وأن أصلحها، وأصلح بيتي وعملي.

 

1 ـ أول قاعدة أن ندع كل شهوة محرمة وأن نحكم اتصالنا بالله :

أول قاعدة: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

[سورة مريم: 59]

في علم الأصول المفهوم المعاكس، المعنى المعاكس المعنى المخالف إذا كان سبب تخلفنا وفقرنا وضعفنا وذلنا نتج من اتباع شهوة محرمة، ومن عدم إحكام الصلاة، فالحل يكون بالعكس: أن ندع كل شهوة محرمة وأن نحكم اتصالنا بالله هذا أول بند، مادام الله عز وجل يقول:

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

[سورة مريم: 59]

لو أننا لم نضع الصلاة ولم نتبع الشهوات لا بد أن تتحقق فينا وعود الله عز وجل، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها، لكن إضاعة الصلاة تعني تفريغها من مضمونها، لذلك:

((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[سنن ابن ماجه عن ثوبان]

إذاً: تضييع الصلاة لا يعني تركها، بل أن تؤدى أداءً شكلياً، ألا تسبقها استقامة، ألا يسبقها خوف من الله، ألا يسبقها إحسان إلى الخلق، فهم المسلمون الدين فهماً خاطئاً: أنه عبادات شعائرية، وهذا الفهم الخاطئ سبب هلاكهم، تجد معظم المسلمين تعامله، تعاشره، تدخل بيته، تحتك معه، لا ترى الإسلام مطبق في حياته، لكنه يصلي، كيف فصل بشكل عجيب هذه الصلوات وتلك الشعائر عن الحياة اليومية؟!

 

سبب هلاك الإنسان أن ينعم بشيء منعه الله عنه :

يا أيها الأخوة الأكارم: ما لم نؤمن بالله حق الإيمان، وما لم نحكم شريعته في كل مناح حياتنا، ما لم نفعل ذلك لن نقطف ثمار ديننا، أول بند:

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

[سورة مريم: 59]

أول بند: ألا أتّبع شهوة لا ترضي الله، أنا مقيد بمنهج الله، أنا آكل الأكل مباح، وأتزوج وأعمل وأنام وأستريح وأتنعم بما سمح الله لي، أما أن أفكر أن أتنعم بشيء منعه الله عني وحرمه علي فهذا سبب هلاك الإنسان.

(أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

[سورة مريم: 59]

إن أردنا ألا نلقى الغي ينبغي ألا نتبع الشهوات وأن نحكم اتصالنا بالله عز وجل.

 

يجب أن ننهض ونفكر كيف نصبح عند الله مرضيين :

يا أيها الأخوة، ليس فيكم واحد إلا ويعرف مقامه عند الله، هل هو في طاعة أم في معصية؟ في سبق أم في تقصير؟ في إخلاص أم في زيغ؟

(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)

[سورة القيامة: 14-15]

يجب أن تشعر أنه ليس بينك وبين الله حجاب، يجب أن تشعر أنك عند الله في مركز قوي، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، هذا شيء مصيري وحياتي، فيجب أن ننهض و نفكر كيف نكون عند الله مرضيين؟ بطاعتنا، بكسبنا لأموالنا، بإنفاق الأموال، ببيوتنا، بعلاقاتنا بأهلنا وبالمؤمنين، بأعمالنا الطيبة، حينما تفكر في تحسين واقعك السلبي والإيجابي اعمل عملاً صالحاً في رفع مستوى علمك في الله عز وجل، ورفع مستوى صلاتك، حينما تفعل هذا، حينما تبتعد عن كل شهوة محرمة، وحينما تحكم اتصالك بالله عز وجل هذا هو الحل الأول، لأنه مناقض لسبب الدمار الأول.

(فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)

[سورة مريم: 59]

لأنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، هذه واحدة، أول بند.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى