
أرى خلل الرماد وميض جمر!
إن ربيعنا هذا العام له طعم آخر لأن الاحتلال سيطوي بساطه النحس من أرض الابطال وستنسحب القوات الغازية مخلفة ورائها الخزي والعار والهزيمة، تماما مثل هزيمة امريكا في فيتنام وقد هرب سفيرها من ساحة السفارة من سايغون تاركا حذائه، مع انه حذاء فاخر ونفيس فالتقطت الكاميرات صورة الحذاء مثل حذاء منتظر الزيدي بفارق ان حذاء الزيدي كان حذاء الكرامة والحرية والتخلص من الاحتلال وحذاء السفير الهارب حذاء المعتدي الغاشم والغاصب المخذول وبثتها القنوات للعالم فكانت هذه نهاية الغطرسة الامريكية في فيتنام وستكون نهايتها مماثلة في بلادنا العزيزة.
يوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نســــر
إن الاسكندر المقدوني بعدما هُزم في بلادنا عام 331 قبل الميلاد كتب في رسالة لوالدته واصفاً مقاومة الأفغان: “بأنهم شجعان لامثيل لهم، إنهم يقاتلون كالأسود”. حقا انهم أسود، لأنه شعب عتيد وعنيد يأبى الاحتلال بكل انواعه، ويرفض الضيم والعتو، ولا يوالي من احتلَّ أرضه، وهذا ما ذكره شكيب أرسلان بقوله عن هذا الشعب الاصيل: (لا ينام على الثأر، ولا يقبل أن يطأ الأجنبي أرضه ولا يواطئ العدو على استقلال بلاده”.
ولا يجهل أحد كيف لقَّن الأفغان التتر دروساً في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم؟ بل كيف هزموا جنكيز خان الذي كانت له اليد الطولى في سفك الدماء، واحتلال بلاد الإسلام، وكيف حطَّم الاستعمار البريطاني الذي جثم على أرضه 44 عاماً، وأهان المجاهدون البريطانيين في ثلاث حروب متتالية، في عام 1843 وكتب ريورند غريغ أحد قساوسة الجيش البريطاني الذي نجا من الحرب الأولى ضمن مجموعة صغيرة، كتب في مذكراته عن تجربته الحربية في أفغانستان قائلا: “إن هذه الحرب التي تتصف بمزيج غريب من الجبن والتهور بدأت لنيل أهداف غير معقولة، ولم تحقق لنا سوى المعاناة والكوارث، ولم تأتِ بفائدة تذكر، لا للحكومة التي خططت لها ولا للجيش الذي خاض غمارها. إن انسحابنا من تلك البلاد لم يكن إلا هزيمة عسكرية”.
وعندما قررت بريطانيا الإنسحاب في (6/1/1842م) وكان عددهم (4) آلاف بريطاني وهندي ومعهم من الجنود التابعين، سلك البريطانيون طريق وادي (جكدلك) -بين كابل وجلال أباد- وأعمل المجاهدون فيهم السيوف، حتى إذا وصلوا (جندمك) كان قد بقي آخر جندي من الجيش وهو (الدكتور برايدون) الذي كان الناجي الوحيد ليخبر قومه مغبة الإصطدام بجنود الإسلام في بلاده.
وأخيرا الاتحاد السوفييتِّي بالأمس، فقد كان للمجاهدين دورٌ كبيرٌ في تفكيكه إلى دويلات، وعدم الاستسلام له خلال حرب دامت أكثر من عشرين عاماً من الزمان، لقِّبت بعدها بلاد الأفغان بأنَّها مقبرة للغزاة والمعتدين واليوم دور أمريكا ومعها الناتو لتمريغ أنوفهم في وحل البلاد.
انسحاب المحتلين من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك أوهام تؤرق كل أفغاني بمصير هذا الشعب الأبي لمدة خمسة أعوام آتية! وقد جرت الانتخابات الرئاسية بحكم وآمال المحتلين في مناطق حشودها العسكرية، وما وصلت صناديق الإقتراع أصلا إلى مناطق نفوذ المقاومة الاسلامية، ولن يخجل الإحتلال من إعلان النتيجة التي حددها سلفاً. وحينها كما يقولون يكون انتقال البلد المضطرب إلى الديمقراطية بعد عقود من الزمن وبتبجح وتعتيم إعلامي على الحقائق على الأرض.
أرى خلل الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام
نحن لانتوقع من ولاة الأمور الجدد العملاء أي تحسن في مجال التنمية الإقتصادية والمصالحة الوطنية واستتباب الأمن والاستقرار لأنهم كأسلافهم عملاء للإحتلال وليس في جعبتهم قليل ولاكثير لمنفعة هذا الشعب، بل على العكس لأنهم خونة وعملاء.
قيل لأعرابي: أتريد أن تصلب في مصلحة الأمة؟ فقال: لا، ولكني أحب أن تصلب الأمة في مصلحتي!
والإنتخابات مهزلة وطمس للحقائق، كما نوه بيان أمير المؤمنين بمناسبة عيد الاضحي الماضي قبل الانتخابات بشهور وقال: “إن الانتخابات الرئاسية والعامة التي ستعقد في أبريل سنة 2014م، خديعة استعمارية كبرى، لأن الأفراد القائمون عليها هم ممن يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الشعب الأفغاني…وأنهم عبارة عن طغمة من الخونة والعملاء يلعبون بمصير الشعب الأفغاني، ولذلك لا قيمة لهم ولا لرأيهم“.
نعم انهم اشخاص :
يرمرمُ من فُتات الكفر قوتا ويشرب من كؤوسهمُ الثمالهْ
يقبل راحة الطاغوت حينا ويَلثَمُ دونمــــا خجل نِعَــــالَهْ
وقد كتبت قبل ذلك إحدى الكاتبات أن “معظم السياسيين الأفغان جمعوا في السنوات الأخيرة ثروات ضخمة، بفضل المساعدات الأميركية، وبفضل الفساد الذي يعدّ الأوسع انتشارا في العالم … وإن طموحاتهم لا تفارقهم …، وليس لديهم أي خبرة في مجال الإدارة، ومع ذلك، بسبب ثرواتهم ونفوذهم ، يعتقد كل منهم أنه صالح لمنصب الرئاسة أكثر من أي مرشح آخر. إن المال والعصابات الإجرامية تستطيع بسهولة أن تساعد أشخاصا أو مرشحين فاسدين على تحقيق هدفهم”. وحقاً هذا هو أدق تصوير للمرشحين الحاليين.
فليصمد شعبنا المؤمن الغيور أمام المآسي والنكبات، لأن الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية، والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة، فالمؤمنون الواصلون المتمسكون بحبل الله طريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين مهما طال هذا الطريق، ومهما احتجبت نهايته وراء الضباب والغيوم!
قال صاحب الظلال رحمه الله: “إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف; وأمانة ذات أعباء; وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به -وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه- وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب. هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه … ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين. فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى. وكان الابتلاء أشد وأعنف. ولم يثبت إلا من عصم الله. وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير الإنسان.
وقال رحمه الله رحمة واسعة: “إن وعد الله بهزيمة الذين يكفرون …. وينحرفون عن منهج الله ، قائم في كل لحظة. ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة. وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف. وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة; وتثق في ذلك الوعد; وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة; وتصبر حتى يأذن الله; ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة.
فعلى الله نتوكل وهو خير الناصرين.