أزمة المدارس الخاصة في أفغانستان
عماد الدين الزرنجي
إن نظام التربية والتعليم أساس تكوین النشء الجدید خلقیاً وفكریاً وإیمانیاً. وعلماء التربیة والتعلیم متفقون علی أن ازدهار مستقبل أي بلاد رهین بنظام تعلیم وتربیة تلك البلاد. ولكن قبل نظام التربیة والتعليم، يأتي دور المطبقین لذلك النظام.
یقول أخصائي في التربية والتعليم: إن نجاح أرقی البرامج والمخططات التعلیمة رهین بوجود معلمین ومطبقین أكفاء، متعهدین ومتخصصین.
أما في أفغانستان فیطبق نظام تعلیمي لا بأس به، مع كثیر من المشاكل التي يحتویها. إلا أنه نظام یُمكّن التلمیذ والطالب من الوصول إلی بعض الدرجات العلمیة.
من الموضوعات المضادة للمفاهیم الإسلامیة التي سُجلت في الكتب الدراسیة، خاصة في المرحلة الابتدائية، هي العنایة بحقوق الإنسان والمرأة من منظور غربي، وما إلی ذلك من الموضوعات الأخری. المشكلة الكبری هي مشكلة المطبّقین لهذا النظام. أعتقد أن تطبیق هذا النظام الدراسي خطر علی المجتمع الأفغاني من الناحیة الفكریة والعقدیة، ولكن مشكلة المطبقین أكبر وأخطر من ذلك. إن أكثر المعلمین والمدراء للمدارس الحكومیة إما موالین لحزب سیاسي مضاد للإسلام، وإما يتولّون التدریس لغایة مادیة ولا یهمهم تربیة التلامیذ والطلاب وحتی تعلیمهم.
إلى جانب ذلك، عجز الدولة عن تمویل المدارس، جعلنا نری أن أستاذاً واحدا یدرّس خمسین تلمیذاً في صف واحد. ویزداد هذا العدد في المدیریات. والأستاذ عندما یدخل إلى الصف ویواجه هذا العدد الهائل من التلامیذ، يحتار بين أن يفتش المهمات اليومية للطلاب، أم یدرس أو یعتني بتربیتهم.
وباعتراف من رجال معارف حكومة كابل، ثبت فشل نظام المعارف فيها. مما جعل الكثیر من المواطنین يفقدون أملهم بهذا النظام الفاشل.
وفي ظل هذه الأوضاع الحرجة راجت سوق المدارس الخاصة. وتنظر حكومة كابل إلی هذه المدارس كمراكز تجاریة. لذلك بإمكان كل شخص یملك المال تأسیس مدرسة خاصة. فالحریة الزائدة التي أعطاها المحتلون إلی العلمانیین، جعلتهم یؤسسون كثیر من المدارس الخاصة للتأثیر علی تربیة الجیل الجدید. وقد سمح العملاء لبعض الدول الكفریة بتأسيس مدارس داخل أفغانستان. ومدراء ومؤسسي كثیر من هذه المدارس لا یعتقدون بعدالة الإسلام وبأهمیة الأركان الخمسة في حیاة المسلم. بل هنالك تقاریر عن منع بعض المدارس الخاصة الصلاة في المدارس. ولاشك أن عقائد المعلمین والمدراء ونظرتهم للحياة، تنتقل إلی التلامیذ شاؤوا أم أبوا.
إن عدد المدارس الخاصة یزداد سنویاً. ومن یتجول في شوارع كابل، یشاهد كثرة هذه المدارس. ومحاسبة هذه المدارس ومراقبتها من جانب الدولة، أمل لم یتحقق بعد. بل إن غایة ما یفعله نظام المعارف في حكومة كابل في هذا المجال هو مراقبة تطبیق النظام الدراسي وبعض الأعمال الإداریة.
لقد انقطع رجاء الشعب من المدارس الحكومیة؛ لذلك كثر الإقبال علی المدارس الخاصة. وقد تسبب هذا الإقبال الزائد ارتفاع أسعار الدراسة في هذه المدارس. ومن جانب آخر، زاد هذا الأمر من معاناة الشعب الاقتصادیة. زد على مشاكل المدارس الخاصة اختلاط التلامیذ بالتلمیذات في بعض المدارس، وقد شوهدت هذه الظاهرة في بعض الولایات.
إن أكثر تلامیذ هذه المدارس ضعفاء في مادة القرآن والمفاهیم الدینیة. والعامل الأساسي لرواج المدارس الخاصة التي تهدف إلی تربیة أبناء المسلمین علی نمط حیاة الغرب وأصولها، هو ضعف المدارس الحكومیة وعدم مبادرة أصحاب الفكر الإسلامي إلی تأسیس المدارس الخاصة.
إننا لا ننكر دور المدارس الخاصة في تنمیة العلم وتعلیم الأبناء علی أسس عصریة نظراً إلی الإمكانات المتوفرة فیها؛ بل دور بعض المدارس الخاصة في المركز وبعض الولایات الأخری في تربیة الأبناء تربیة إسلامیة وتثقیفهم بثقافة الإسلام، مشهود ومشكور. ولولا وجود هذه المدارس لقطعنا رجاءنا من مستقبل أفغانستان الإسلامية. وهذا الدور البارز لا یجعلنا نسكت عن المشاكل التي سوف تنتج منها. بل لابد علی الجمیع، من العلماء والدعاة وأطیاف الشعب، أن یشنوا حملة إعلامیة واسعة ضد تلك المدارس الخاصة التي ترید هدم بناء الإیمان في نفوس أبنائنا. ومن ثم القیام باعتراض واسع میداني حتی تُجبر الحكومة علی إغلاقها.
وقبل ذلك، يقع علی عاتق الوالدین أن یتحروا مدرسة تعتني بالإسلام والقرآن ثم یسجلوا أبناءهم فیها. ومع الأسف أن كثیراً من الآباء لا یلتفتون إلی هذا الجانب، بل یغترّون ببعض شعارات المدارس، فیسجلون أبنائهم فیها.
عوداً على بدء، إن ضعف نظام المعارف في الحكومة سبّب وجود هذا العدد الهائل من المدارس الخاصة، وفیها كثیر من المدارس التي تهدف إلی تربیة أبنائنا علی الأسس الغربیة فكریاً وعقائدیاً وخلقیاً وثقافیاً. ومسؤولیتنا تجاه هذه الأزمة ثقیلة جداً. ویجب علی الجمیع المبادرة لحلها؛ لأن مستقبل أبنائنا وتربیتهم علی أساس الشریعة الإسلامیة من أهم الأمور.