أعطِ القوس باريها
لاشك أن شعبنا شعب مقاوم صلب المراس، قاوم أشرس أعداء الإنسانية وأعتى قوى العالم التي تملك بين يديها الحلف الأطلسي خلال عقد من الزمن. إنه شعب غيور على دينه وبلده. إنه شعب لم يتزعزع إيمانه من خوف أو موت.
الأستاذ فهمي الهويدي يصف هذا الشعب الأبي قائلاً: “إن الجبال الصخرية تركت بصماتها على الناس الذين تربوا على جبروت الطبيعة، فشبّوا رجالاً من طراز نادر، مقاتلين أشداء يتميزون بالبسالة وقوة الشكيمة، ولذلك تحولت بلادهم إلى قلعة صلبة استعصت على الغزاة على مر التاريخ”.
أشهر الغزاة مرّوا بتلك البلاد ولكن أحداً منهم لم يهنأ على أرضها. ولم يقر قرار للاسكندر الأكبر وجنكيز خان وتيمور لنك وجيوش قياصرة الروس والامبراطورية البريطانية، فجميعهم مرّت جحافلهم فوق صخور هذه البلاد، بل إن المرة الوحيدة التي فني فيها جيش بريطانيا أمام دولة صغرى والامبراطورية في أوج جبروتها حدثت في أفغانستان على أيدي مقاتليها البواسل الاشداء، وهذه الحقيقة لا تُنسى في التاريخ البريطاني. وكما أنزل الافغان تلك الهزيمة القاسية بالبريطانيين فقد شاءت المقادير أن ينزلوا هزيمة مماثلة بالسوفيت، ونحن نقول قد أن الآوان لإنزال الهزيمة النكراء بأمريكا بإذن الله.
قوم تفرست المنايا فيكم فرأت لكم في الحرب صبر كرام
تالله ما علم امروء لولاكم كيف السخاء وكيف ضرب الهام
وقد قال المجاهد الشهيد الدكتورعبد الله عزام رحمه الله إبان الغزو السوفياتي: “ويُجمِع المراقبون أن الجهاد الأفغاني خارقة من خوارق العصر، أذهلت المؤرخين أن يفسروها، وحارت عقول المراقبين في فهمها، والحق أن هذا الثبات العجيب الذي دونه ثبوت الشم الرواسي وهذا الصمود الذي يشبه الأساطير، والذي يحسبه القارئ من بعيد ضرباً من الخيال، تدركه الأشواق وتقصر دونه الأفعال، هذا الصبر والثبات محل إجماع من أولي الأحلام والنهى أنها فريدة العصر وخريدة الدهر. ويقف المرء مذهولاً أمام هذه الظاهرة الفريدة وينظر باعتزاز وإجلال مع الإغضاء والحياء أمام هذا الشعب الصامد المسلم”.
نعم هذه المرة يصمد أكثر من ربع قرن أمام أعتى الغزاة على الإطلاق، امريكا ومعها حلف الناتو، ولايزال يقدم المزيد من الجماجم والدماء والأرواح والشهداء لاسترداد الحرية واستتباب الأمن، كما أذاق قبل ذلك الطواغيت والجبابرة مرارة المنايا والخسائر الفادحة والهزائم المتتالية. ففي أواخر عام 2001م قال الجنرال (تومي فرانكس) قائد القيادة المركزية الأمريكية، مخاطـباً الوزير (دونالد رامسفيلد): «لقد اتفقنا على أن لا ننسحب من البلاد مع وجود تشكيلات كبيرة من القوات التقليدية، ونحن لا نريد تكرار أخطاء السوفييت… هذه المنطقة احتضنت ثقافة الأبطال المحاربين الفخورين بصد الجيوش الغازية لأكثر من 2000 سنة».
قوم إذا لبسوا الحديد حسبتهم لم يحسبوا أن المنية تخلق
كما قال (توماس أونيل) أحد الأعضاء المخضرمين في مجلس النواب الأمريكي: «قد وجدت الإمبراطوريات السابقة التي تجرأت على دخول أفغانستان من الإسكندر الأكبر إلى بريطانيا العظمى، والاتحاد السوفييتي، وجدت أنَّ الدخول إلى أفغانستان مبدئياً شيء ممكـن وسهل، لكنها لا تلبث حتى تجد نفسها غارقة في مقاومة محلية».
ونشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقالاً بتاريخ 21-1-2014 قال فيه الكاتب باتريك كوكبرن: “إنه بعد 12 عامًا من الحرب في أفغانستان، وبعد إنفاق أكثر من 390 مليار جنيه إسترليني (640 مليار دولار) وعدد غير معروف من القتلى والجرحى .. نترك أفغانستان في أسوأ مما دخلناها”.
لم يتحقق أي شيء من أهداف الحرب في أفغانستان بحسب المقال، بل إن الدولة الآن أصبحت تُدار بواسطة “العصابات وأمراء الحرب”، وتابع الكاتب: “أن المشكلة في أفغانستان لا تكمن في قوة طالبان ولا في ضعف الحكومة، ولا حتى في عدد جنود الناتو، لكنها في مدى كره الأفغان للحكومة التي يدعمها الغرب”.
ومؤخراً سعت وزارة الدفاع البريطانية لمنع نشر كتاب وضعه ضابط بريطاني برتبة نقيب، يتضمن انتقادات شديدة للحرب في أفغانستان. وقالت صحيفة (ديلي ميل): “إن الكتاب يدين الحملة العسكرية البريطانية بولاية هملند جنوب أفغانستان، والتي راح ضحيتها 488 جندياً بريطانياً على مدى 13 عاماً”، وأضافت: “أن النقيب، مايك مارتن، الذي درس في جامعة أوكسفورد وضع الكتاب كأطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، لكن انتقاده لأخطاء المعلومات الاستخباراتية وفشل القادة في فهم طبيعة الصراع أحرج المسؤولين البريطانيين”. وأشارت الصحيفة إلى أن الوزارة طلبت منع نشر الكتاب بذريعة مخالفته قانون الأسرار الرسمية مع أن مؤلفه ودار النشر نفيا صحة ذلك.
واليوم عندما يعيد التاريخ نفسه فليس عجباً أن الشعب كله يقاتل الغزاة و يقاوم المعتدين حيثما كانوا. وهاهم الجنود من الجيش وعناصر الشرطة والمقاومين يقاتلون الغزاة كلما سنحت لهم الفرصة.
وليس كل من التحق بالقوات الأمنية في البلاد المحتلة وتحت إدارة الاحتلال هو بالضرورة خائن وبائع لوطنه عميل ومخلص للعدوالمحتل، وإنما لأن العدو لم يترك له فرصة للعمل والعيش بعد تخريب الحرث والنسل في البلاد المحتلة إلا بالإلتحاق بالقوى الأمنية العميلة، ولهذا يتم تسجيل أعداد من المواطنين في سلك الشرطة والجيش الوطني والحرس، فهو كما يسمونه التحاق المضطر، وعند الفرصة المواتية هو نفس مجاهد الأمس، قاتل أعداء البلاد والعباد. ونذكر ههنا على سبيل المثال:
قُتلت مصورة ألمانية معروفة عالمياً، كانت تعمل مع وكالة اسوشييتد برس الأميركية (إيه بي) في 4-4-2014 شرق أفغانستان برصاص شرطي مجاهد، وأصاب أيضاً زميلتها الكندية بجروح خطيرة وقد أجبره إيمانه بقتلهما. وقالت وكالات الأنباء إن «انيا نيدرينجهاوس (48 عاماً) المصورة الألمانية المشهورة عالمياً، قتلت على الفور». وأن الصحفية كاثي جانون (60 سنة) «أُصيبت بجرحين خطيرين وهي قيد العلاج». ونُقل عن كاثلين كارول مديرة الإعلام في الوكالة إن «انيا وكاثي عملتا سوياً طيلة سنوات عديدة في أفغانستان». وهو ثاني هجوم يستهدف بشكل مباشر في الآونة الأخيرة الصحفيين الغربيين المعتدين في أفغانستان، بعد مقتل نيلس هورنر الصحفي البريطاني-السويدي الكبير في 11 مارس برصاصة في الرأس في أحد شوارع وسط العاصمة كابول.
ووقع الهجوم على انيا نيدرينجهاوس في ولاية خوست، وقال مساعد قائد شرطة خوست، إن القاتل المفترض هو «ضابط في الشرطة الوطنية». وقالت وكالة «ايه بي» إن الصحفيتين وقعتا ضحية هجوم متعمد، وأنهما كانتا داخل قاعدة للقوات الأمنية المحلية حين تعرضتا للهجوم. وتابعت الوكالة أنهما فيما كانتا تنتظران داخل سيارتهما توجه صوبهما شرطي مردداً «الله اكبر .. الله أكبر .. الله اكبر» وفتح النار عليهما.
كما قُتل 3 أميركيين في مستشفى بكابول والذي تديره منظمة تبشيرية أميركية عندما فتح شرطي مجاهد النار على العاملين في المستشفى. ووقع الهجوم صباح 24-4-2014 داخل مستشفى تديره منظمة «كيور انترناشيونال» الأميركية وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية العميلة بأن مطلق النار شرطي كان على ما يبدو خارج المبنى و«فتح النار على أجانب كانوا يدخلون إليه … ». وأوضح أن امرأة أجنبية من الطاقم الطبي أُصيبت بجروح خطيرة . وأعلنت السفارة الأميركية أن القتلى الثلاثة هم أميركيون».
كما اعترف حلف شمال الأطلسي “الناتو” أن جنديين قتلا يوم 29 -4- 2014 غير أنه لم يفصح عن جنسيتهما، وقٌتل خمسة جنود بريطانيين قبل ذلك بتحطم مروحية كانت تقلهم في إقليم قندهار جنوبي البلاد.
والجدير بالذكر أن ما لا يقل عن 29 من أفراد حلف شمال الأطلسي بينهم 18 جنديًّا أمريكيًّا و6 من القوات البريطانية و5 جنود من دول أخرى أعضاء في الحلف قد قتلوا في مواجهة المقاومة المسلحة، وجرح أكثر من مئة منذ بداية العام الحالي.
ونحن نؤمن بأنه “قد جعل الله انتصار الحق سنة كونية كخلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، سنة لا تتخلف. قد تبطئ. تبطئ لحكمة يعلمها الله، وتتحقق بها غايات يقدرها الله. ولكن السنة ماضية. وعد الله، لا يخلف الله وعده. ولا يتم الإيمان إلا باعتقاد صدقه وانتظار تحققه، ولوعد الله أجل، لا يستقدم عنه ولا يستأخر“. وليقضي الله أمراً كان مفعولا.