
أفغانستان المنتصرة قادرة على حفظ أراضيها من أي خطر
عبد الودود
إنّ أفغانستان أملُ الأمّة الإسلامية في العصر الرّاهن، وستعيش مرفوعة الهامة أبيّة شامخة مهما علا الغبار سماء أفغانستان، فإذا كان العَجَاج يغطي أرض أفغانستان فلأن هذه طبيعة من طبائع المعركة الطويلة.
ولكن هذا لا يعني أنّ أفغانستان ضعيفة منهارة القوى والطاقة، لا تقدر أن تقاوم من يتطاول عليها!
لله درّ الشهيد عبد الله عزّام رحمه الله إذ قال: وبعض الناس يخافون على أفغانستان من الدول المحيطة بها، وأنا أطمئنهم، فهيبة أفغانستان ليست طارئة في قلوب الدول المجاورة لها، إن رعب الأفغان في قلوب الدول المجاورة تاريخي قد امتدت جذوره في أعماق قلوب المجاورين، فإذا كان أحمد شاه بابا سنة (1747م) قد استطاع بقبائل قندهار التي جمعها بصيحة في ليل أو نهار أن يخترق بلوشستان ويصل إلى بحر العرب، ويجتاز بيشاور والبنجاب ولاهور ويصل إلى دهلي، وحطّم الهندوس على أبواب دهلي، فكيف تستطيع الهند الآن أن تحتك بأفغانستان المجاهدة التي يقودها ليوث الله؟
وإذا أردت أن يغمى على الهندي فلوح له من بعيد بعمامة أفغاني، فقد يستفيق بعدها أو لا يستفيق.
وأمّا إيران فلن تستطيع أن تحتك بأفغانستان، لأنها تعلم من هي أفغانستان التي بقيت ولردح كبير من الزمن تحكم المنطقة الشرقية من إيران-منطقة خراسان- هذه كانت تابعة لفترة ليست بسيطة تُحكم من قبل أفغانستان.
أجل؛ إن الأفغان اعتادوا النصر وقهروا أكبر القوى في أزمنة مختلفة، حتى وصفهم الإنجليز بـ “مقبرة الإمبراطوريات” لِمَا ذاقوه على أيديهم من الذل والصَّغَار في القرنين التاسع عشر والعشرين.
لا يُعَدُّ هذا الوصف لأفغانستان من قِبَل الإنجليز غريبا على كل حال، لا سيما أن أول هزيمة مُني بها البريطانيون في عز قوتهم وبطشهم جاءت على يد الأفغان حين اصطدموا بهم في الحرب الإنجليزية الأفغانية الأولى (1838-1842). ساعتها، ظن الإنجليز أن أفغانستان بلاد يمكن احتلالها بواسطة شركة الهند الشرقية ثم بالنزول العسكري، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الدبلوماسية والقوة العسكرية لا تُجديان نفعا مع قوة الأفغان وصلابتهم الذين لم يلينوا طوال تاريخهم لأي محتل أو غازٍ.
يقول الشيخ جمال الدين الأفغاني عن أُمَّته وبني جلدته من الأفغان في كتابه (تتمة البيان في تاريخ الأفغان): “نشأت هذه الأمة على الجلادة والإقدام، فكانت أُمة حربية لا تدين لسلطة الأجنبي عليها، حتى إنه في زمن محمود الغزنوي وجنكيز خان التتري وتيمور الكوركان الذين تمت لهم السلطة عليها لم تكن تبعيتها لهم خالية من الخطر، وكذلك في عهد انقسام ممالكها بين سلاطين الهند وفارس، إذ كانت تتربص بملوكها الشر دائما، وتترقَّب الفرص لإيقاد نار الفتنة” .
يقول أحد المفكّرين: إن من حق الشعب الأفغاني، بعد أربعين سنة من الحرب المتواصلة ضد إمبراطوريتين عظميين والانتصار فيهما، وبعد ثمانين سنة من الجهاد لدحر الإمبراطورية البريطانية ونيل الاستقلال.. من حقه، ومن حق المنتصرين من أبنائه، أن يشكلوا دولتهم، ويختاروا اختياراتهم، ويقرروا مصيرهم بحرية.. شأنهم في ذلك شأن شعوب الأرض والدول في العالم.. فإذا كان الخوف مما يُسمى “إرهابهم، أو انطلاق الإرهاب من بلادهم” كما ترتفع أصوات دول ومؤسسات وهيئات دولية، فإنهم يقدمون تعهدات ويعدون وعوداً قاطعة بأنهم سيحاربون الإرهاب، وأنه لن ينطلق من أرضهم إرهاب أو عدوان على جوارهم ولا على أي بلد في العالم، وأنهم لن يسمحوا بأن يكون بلدهم منطَلقاً لذلك الفعل.. وصوتهم يرتفع بلسان قادتهم ويتردد بلسان الناطق الرسمي باسمهم يقول: “على العالم ألا يخاف منا. يجب الاعتراف بنا.
ونريد علاقات ودية مع كل دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة” [عن ذبيح الله مجاهد في ١٩/٨/٢٠٢١].
فَلِمَ لا يعطَوْن حقَّهم وهم المنتصرون وقد أعلنوا نهاية الحرب، وعفوا عاماً شاملاً في البلاد، ووعدوا بأمور مهمة بشأن المرأة والحقوق والحريات.. ألأنهم يتمسكون بدينهم وخصوصيات شعبهم؟ لمَ لا يعطون فُرصَة يطلبونها وكأنهم يستجدونها؟! لِمَ لا يُعاملون معاملة الدول والشعوب الأخرى؟! ولمَ لا تتاح لهم نافذة تعزز التغيير الذي ينشدونه في أنفسهم، والواجب أيضاً في أنفس غيرهم ممن يمارسون إرهاب الدول بجيوش جرارة وبحروب بالأصالة والوكالة تدمر الدول والشعوب؟!
إن الذين يريدون تغيير سلوك الآخرين ويرسمونهم على شاكلتهم ووفق قيمهم، ويرون ذلك مدخلاً لإصلاح العالم وسلمه واستقراره عليهم أن يدركوا أنهم بهذا الأسلوب لن يصلوا إلى ذلك.. وعليهم أن يكفوا عن النظر لأنفسهم كقيمة عليا مطلقة يقاس عليها، وأوصياء على الناس، وأن يروا إلى أنفسهم وسلوكهم وممارساتهم بالنظر إلى أنفسهم في مرايا نظيفة وبعقل مفتوح ومنهج نقدي وخُلق مسؤول، ليغيروا ويساهموا في التغيير.. لنصل جميعاً إلى عالم فيه أمن وسلم واحترام وثقة متبادلة واحترام متبادل. عالمٍ يليق بالإنسان.. وإذا كان العالم قرية والأمم والشعوب فيه أقوام فليغير كلٌ ما يراه يستوجب التغيير في نفسه وسلوكه..