أفغانستان بين الأمس واليوم
صادق رحمتي
لم يكن من المتوقع أبداً ولم يكن ممكناً بالمعايير المادية، أن تنجح ثلة من طلبة الدين الذين درسوا في مدارس نائية عن الجامعات الحديثة، والذين لم يكن عندهم شهادات جامعية في الاقتصاد والهندسة وعمران البلاد؛ في إدارة بلاد واسعة ذات حدود طويلة، وذات تحديات مختلفة، حيث قامت في عامين بإدارة شؤون البلاد على أحسن وجه بشكل عجزت عنه أمريكا وقوات الحلف الأطلسی على مدى عقدين من الزمن. وفضلا عن توحيد أرجاء البلاد تحت راية واحدة، حققوا إنجازات هائلة في الاقتصاد وإدارة البلاد، فأصبحوا أسوة وقدوة في هذا المجال.
لا شك أن إنجازات إمارة أفغانستان الإسلامية، في العامين الماضيين، بلغت مستوى لا يسعنا حصره في هذا المقال، بل نحتاج إلى كتاب ضخم وإلى وقت طويل وبحث عميق ودراسة مستفيضة، نحبث فيها أبعادها وثمراتها، ولكن كما يقال: “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، أردت في هذا المقال عرض بعض هذه الإنجازات على وجه الاختصار وحسب ما أمكن.
كما لا يخفى أنّ أفغانستان منذ أربعين سنة عانت في ثنايا الأزمات والاضطرابات وفي طيّات الحروب والأحداث سلبيات عديدة، جعلت منها في الأذهان بلادًا خربة متخلفة مدمرة، لا صلة لها بعالم القرن الواحد والعشرين، قرن الصناعة والتقنية، قرن التقدم والتنمية، قرن الاتصالات والفضائيات، قرن صار فيه العالم قرية صغيرة، يمكن للناس في إحدى القارات معرفة أخبار الناس في قارة أخرى في لحظة حدوث الحدث.
لقد عُرفت أفغانستان، في العقدين الأخيرين، بالتخلف والفقر والبطالة مع قضية التهجير والإجلاء والاغتصاب والاختطاف وتحديات أخرى، وعرفت بأنها بؤرة التطرف والإرهاب، والتهريب، وأنها مصدر المشكلات للعالم، فالغرب ودول الجوار، بما يملكونه من وسائل إعلام هائلة، أخرجوا -ومازالوا یخرجون- صورة متخلفة خشنة عن أفغانستان إلى الناس، وبذلك يحذّرونهم منها ومن حسنها وجمالها وبهائها.
أما اليوم، وبعد مضي عامين من حكم الإمارة الإسلامية، نجد أفغانستان بلدًا آمنا مستقلا في جميع نشاطاتها، بعد أن ركنت تماماً في العقدين الأخيرين إلى الغرب وقبلهما إلى الشرق. وهي -في ظل الإمارة الإسلامية- تسير بسرعة نحو الأمام دون فتور وتثاقل، بسواعد أبنائها وكواهل شبابها، الذين لم يفتروا ولم يتثاقلوا بالأمس في ميادين القتال وفي ساحات النضال، واضعين أقصى جهودهم في طبق الإخلاص، متكاتفين متعاضدين. فجاءت بحمد الله ثمرة جهودهم عظيمة مثالية محيرة للعقول ومدهشة للأفهام، دفعت الأصدقاء والأعداء إلى الاعتراف بنجاحهم، وجعلت الجميع يغيرون وجهات نظرهم وسياستهم تجاه أفغانستان، ويحولون ردود فعلهم ومواقفهم عن الإمارة الإسلامية وسياستها.
مضى عامان من حكم الإمارة الاسلامية، وحدثت فيهما أحداث إيجابية لصالح الشعب الأفغاني في مجالات مختلفة؛ في الأمن الشامل الذي كان أمنية كل واحد من أبناء الشعب؛ فالبلاد في ظل الاحتلال كانت تفقد أبناءها بشكل يومي تحت أنقاض المنازل المهدّمة، ولا يمر يوم على المواطنين إلا وفيه قتل ودمار وقصف واختطاف واغتصاب، ولانعدام استقرار الأوضاع، كانت السيارات والحافلات والشاحنات لا يمكن لها السير في الليل خوفا من القصف العشوائي أو النهب أو قطع الطريق أو حادث آخر. أما اليوم وبعد عامين من تحرير البلاد، فقد شاع الأمن في البلاد وأمكن المواطنون السفر ليلاً ونهاراً من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، في أمن وسلام.
وقد أتى هذا في حين كان يتوقع الأعداء في الداخل والخارج، اندلاع حرب جديدة في البلاد بشكل أو بآخر، إما عن طريق الدواعش أو سائر المتطرفين العملاء؛ فباءت توقعاتهم بالخيبة -ولله الحمد- أمام الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الإمارة الإسلامية، بكل عزم وحزم.
حال البلاد قبل التحرير:
♦ حُرِم الشعب تماماً من الاستقلال السياسي في العقدين الأخيرين، ووقفت التلاعبات السياسية والمخادعات الحزبية والمهاترات القومية دونه حاجزا، وكانت تُتخذ القرارات والتغييرات في المناصب السیاسية من خلف الستار وخارج الحدود، في واشنطن ولندن وباريس، لأن العملاء لا خيار لهم في شؤونهم.
♦ كانت عجلة الاقتصاد تتحرك على أيدي أشخاص محددين من أصحاب النفوذ والسلطة، الغارقين في الفساد من الابتزاز والرشوة وتشكيل المافيات والعصابات. وكانت تذهب عائدات البلد إلى جيوبهم، ويتحمل الشعب المسكين الأضرار والخسائر، باستشراء الفقر والتخلف والبطالة.
♦ أما الثقافة فكان يصنعها الأجانب خارج الحدود، وينفّذها العملاء داخل البلاد عن طريق النشاطات التعليمية، والمساعدات الإنسانية، ووسائل الإعلام المتنوعة، ويفرضونها على الشعب المنكوب المقهور.
حال البلاد في ظل إمارة أفغانستان الإسلامية:
جاءت الإمارة الإسلامية وقضت على كل السلبيات التي عانت منها البلاد في مدة قصيرة. ناهيك عن تمكن الإمارة الإسلامية من إنجاز أعمال في عامين تعادل أعمال سنوات عديدة.
♦ ففي مجال الاقتصاد، قامت جميع الإدارات المسؤولة بالجهد والسعي الحثيث والتفاني لإيجاد فرص العمل وخفض معدلات البطالة؛ من خلال تفعيل المشاريع الضخمة، وإعادة الإعمار لكثير من الطرق والسدود، التي لها دور کبير في الاقتصاد وعمران البلاد، والتي تعد من أهم البنى التحتية. وإنشاء ميادين وحدائق ومنتزهات في المدن. وكل واحدة من الوزارات والإدرات المسؤولة، تعمل في مجال مهامها بشكل جيد. الأمر الذي وفّر الكثير من فرص العمل للمواطنين.
كما اتخذت الإمارة الإسلامية تدابير جيدة ضد تآمر الأعداء على اقتصادها؛ خاصة في موضوع العملة أو الحصار الاقتصادي، أو الآثار السلبية الناتجة عن منع المعونات الخارجية، وكبح التضخم وثبات سعر العملة الوطنية أمام أسعار العملات الأجنبية خصوصاً الدولار الأمريكي. حيث ركزت جهودها على التعامل بالعملة الوطنية في المعاملات، وإيجاد التوازن بين العرض والطلب، وزيادة الصادرات وتخفيض الواردات.
والجدير بالذكر أن أكثر المعاملات بينها وبين دول المنطقة تدور بالعملات المحلية للدول، بعيدًا عن الدولار، وهذا ما جعل المتعاملين آمنين من سلطة الدولار الأمريكي، وأيضًا خارج العربدة الأمريكية بموضوع العقوبات الاقتصادية.
كما اتخذت الإمارة إجراءات صارمة في منع استيراد النفط والمنتجات النفطية رديئة الجودة. الأمر الذي كنا لا نسمع شيئا عنه في الحكومة السابقة، حيث كان الفساد مترسخاً في مفاصلها، فالتجار آنذاك كانوا يستوردون النفط والمنتجات النفطية دون رقابة وعلى مسمع ومرأى من المسؤولين، ثم يبيعونه على المواطنين بأسعار مرتفعة ظلما وإجحافا بحقهم وبمستقبل بلادهم.
وقد قامت الإمارة الإسلامية بإعادة ناقلات نفطية رديئة غير مرة إلى مصدرها، ومازالت الرقابة والوقاية في هذا الإطار جارية.
♦ ومن أهم ما اهتمت به الإمارة الإسلامية خلال العامين الماضيين؛ إصلاح البنى التحتية، لاسيما بناء السدود لتوليد الكهرباء، وإدارة وتنظيم المياه، وإصلاح الطرق الرئيسية، ومن ثَمّ توفير فرص العمل لأبناء الشعب العاطلين. أضف إلى ذلك تدشين خطوط السكك الحديدية التي ستكون لها تأثيرات جذرية على تنمية الاقتصاد وزيادة موارد البلاد.
كما جاء في هذا الإطار التركيز على المشروعات الكبرى الوطنية التي مازالت راكدة منذ نصف قرن، وضاعت في خضم الحروب والاحتلال والتدخلات الأجنبية، كمشروع قناة قوشتيبه التي تعتبر أكبر مشاريع الري في البلاد، حيث بدأ العمل في حفرها عام 1973 في حكومة الرئيس الراحل محمد داود خان، لكن الاجتياح السوفييتي ثم الحروب الأهلية تسببت في إيقاف العمل فيها. وبدأت مؤخراً إمارة أفغانستان الإسلامية مواصلة إنشائها، حيث يبلغ طولها 285 كيلومتراً، وهي تبتدئ من مديرية كالدار بولاية بلخ، مروراً بمديريتي دولت آباد وآقتشه بولاية جوزجان، وانتهاء بمديرية أندخوي بولاية فارياب، ويبلغ عرضها 100 متر وعمقها 8.5 وتبلغ طاقتها الإروائية 550 ألف هكتار من الأراضي الزراعية شمالي البلاد. وتوفر القناة 9 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، وتنقل 650 متراً مكعباً من المياه في الثانية الواحدة، ومن المقرر أن يكتمل إنشاؤها في غضون ست سنوات. وهي مشروع ذو أهمية لدى الإمارة الإسلامية، وسيكون لها تأثيرات جذرية على التنمية الاقتصادية، وبحسب تحليل المختصين في الاقتصاد أن هذا المشروع العملاق لن يحقق الاكتفاء الذاتي لأفغانستان في إنتاج القمح فحسب، بل سيحول أفغانستان إلى دولة مصدرة للقمح في المنطقة.
♦ وممّا زاد فرحة المواطنين هو استخراج النفط، حيث تم اكتشاف حقل نفطي جديد في شمال البلاد تقدر احتياطاته من الخام بـ 1.8 مليار برميل. وهو سادس حقل نفطي يكتشف في أفغانستان، الأمر الذي يؤهلها للحاق بركب أكبر منتجي النفط في العالم. وتمت أول عملية لاستخراج النفط من آبار النفط من حقول قشقرى في ولاية سربل. وبحسب مسؤولي الإمارة الإسلامية أن نفط حقول قشقرى بهذه الولاية مصدر مهم لاقتصاد البلاد، وسيستخدم هذا المصدر في رفع مستوى المعيشة للمواطنين، عن طريق توفير فرص العمل لهم.
وتلتزم الإمارة الإسلامية بالأعمال الأساسية في البلاد، وتمويل المشاريع من الموارد المحلية، التي لم تنجز خلال السنوات العشرين الماضية، وسيتم إنجازها من قبل الإمارة الإسلامية بإذن الله. ويقدر أن 3 آلاف شخص، أغلبهم من الشباب الأفغاني سيعملون في المشروع، وسيكون الانتهاء من المشروع من حيث الاستكشاف والاستخراج في غضون ثلاث سنوات.
وتملك أفغانستان أيضًا حقولا نفطية في هرات (غرب) وهلمند (جنوب) وباكتيا (جنوب شرق).
♦ وعلى الساحة الدبلوماسية والتعامل السياسي، فقد تمكنت وزارة الخارجية بحسن التعامل مع دول الجوار والدول الأخرى في العالم، من بعث سفرائها في كثير من البلاد حاملين رسالة الإمارة الإسلامية إلى تلك البلاد وشعوبها. كما كان لوزارة الخارجية دور کبير في جلب الاستثمار، وتذليل العقبات أمام بعض المشاريع التي تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية، رغم العراقيل المختلفة التي تقف حاجزاً دونها.
♦ وفي مجال التعليم، قامت وزارة المعارف بالمفاضلة بين المعلمين وإيجاد فرص العمل لهم بحسب ما لديهم من الكفاءة والصلاحية. كما سجلت جامعات جديدة في العاصمة كابل وولايات مختلفة. بالإضافة إلى توفير فرص التعليم لعشرات الآلاف من الأطفال والناشئين في مناطق نائية صعبة العبور؛ بالمجان من مخصصات الحكومة للتعليم أو من المساعدات التي قدمتها منظمة الأمم المتحدة.
♦ ومن الإنجازات التي لابد أن نشير إليها: منع زراعة الخشخاش في أفغانستان، في العامين الماضيين، والقضاء على نقل الأفيون والمخدرات داخل البلاد وخارجها، وتدمير مصانعها ومقارها -الأمر الذي عجزت عنه دول العالم عامة ودول الجوار والمنطقة خاصة والذي ألحق بها خسائر في الأموال والأنفس-. وتحفز الإمارة المزارعين إلى زراعة محاصيل بديلة، خاصة القمح والقطن والفواكه والخضروات، وهي محصولات ذات نوعية جيدة ومطلوبة للسوق الداخلي وأسواق المنطقة.
أضف إلى ذلك تجميع المدمنين المتسكعين والمتسولين المتجولين في الشوارع والطرق والأزقة والممرات، وعلاجهم في مصحات خاصة، وإعادة تأهيلهم للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد تدريبهم على أعمال يدوية، وتعليمهم بعض الحرف لاكتساب الرزق، أو إعادتهم تحت كفالة أهاليهم مرة أخرى. وهناك آلاف من المدمنين يتم علاجهم بالتدريج.
♦ ومما يشاد للإمارة به، هو الحفاظ على الحدود والثغور وتزويدها بقوات خاصة، الأمر الذي كان مهملاً في السابق أو ضاع في الفساد المتفشي في الحكومة السابقة، ما جعل دول الجوار ودول أخرى، تستغل الظروف وتستخدمها لمنافعها.
♦ أضف إلى ذلك تقديم الخدمات للحجاج الكرام أيام الحج في ذهابهم وإيابهم، حسب التدابير اللازمة والمخطط لها مسبقاً.
♦ وتسجيل الشهداء والمعاقين على مستوى العاصمة وولايات أخرى ومعالجتهم وتقرير معاشات لهم.
♦ ومن أهم إجراءات الإمارة الإسلامية منذ بداية حكمها، هي مكافحة الفساد الشامل المستشري في أركان الحكومة السابقة إداريا وماليا وفي التعامل والسلوك، والذي أنهك الشعب وأجهده أيام حكم الجمهورية، وجعله يتيه في أحوال حياته وينظر إلى المستقبل بعين الشك والارتياب مخيما عليه اليأس والقنوط. لقد وقفت الإمارة الإسلامية وقفة جادة لمكافحة الفساد الإداري على مستوى البلاد بأكملها، وقضت عليه بأفضل وجه ممكن. ولأول مرة احتلت أفغانستان مكانا ملحوظا مرموقا غير مسبوق في قائمة الدول المكافحة للفساد.
♦ وإلى جانب اهتمامها بمكافحة الفساد، لم تنس الإمارة الإسلامية محاربة الفقر الذي خلفته الحكومة العميلة، والذي أثر سلباً بدوره على المجتمع، وساعد على انتشار الفكر السلبي، وأصبح دافعاً قويا للناس لارتكاب الجرائم بجميع صورها وأشكالها، مما زاد معدلات الجريمة في البلاد. وكذلك أدى الفقر إلى زيادة إقبال المواطنين على احتراف مهن غير مشروعة كالاتجار في المخدرات والتهريب، أو الانخراط في بعض السلبيات كالسرقة وقطع الطريق وغيرها. فنهضت الإمارة الإسلامية لمحاربة مسببات الفقر؛ وذلك بإيجاد فرص أعمال للمواطنين عن طريق النشاطات التنموية والاقتصادية، ومنحهم من المساعدات والتبرعات، وتخفيف أو رفع الضرائب ما أمكن، وتوفير المواد الأساسية الضرورية قدر المستطاع بأسعار منخفضة، واستقرار العملة الوطنية، وأيضاً بإطلاق المشاريع الصغيرة مثل مشروع “برنامج توزيع المواد الغذائية مقابل العمل”، كل ذلك كان لتخفيف حدة البطالة والمجاعة عن الشعب الذي كان يعانيها وقت الحكومة العميلة للاحتلال.
♦ وممّا بادرت إليه الإمارة منذ البداية، هو استعادة العقارات المغصوبة من قبل الأفراد ذوي النفوذ والسلطان في الحكومة السابقة. ملفات قدیمة للعقارات التي دفعت الأحداث غير المستقرة والأوضاع الأمنية المتأزمة خلال العقود الماضية بالمافيات لاستغلال الفرصة ووضع أيديهم على الأملاك والعقارات الحكومية والشعبية بغير وجه حق، متوهمين أنه لن تستقر الأوضاع ذات يوم وأنها لن تكون أبدا على ما يرام. وقد قامت الإمارة الإسلامية بتشكيل لجنة خاصة لاسترداد لهذه العقارات.
لاشك أن مشكلة غصب العقارات تعد من أعقد القضايا في أفغانستان وحلها يحتاج إلى صبر ودقة، لذلك جعلت اللجنة الصبر والبحث الدقيق نصب عينيها حتى لا يضيع حق ولا يظلم أحد. وهذه المبادرة تعد من أهم إنجازات الإمارة الإسلامية في هذه المدة القصيرة، التي تم من خلالها استعادة عقارات كثير من الناس المظلومين.
♦ وعلى صعيد الأمن الشامل، فقد قامت الإمارة الإسلامية منذ بداية حكمها الجديد وحتى زمن الجهاد والكفاح، بتجميع المواطنين على اختلاف ألسنتهم ومذاهبهم تحت راية واحدة، وقد فعلت ذلك في العامين الماضيين على أكمل وأتم وجه. على عكس الحال زمن الحكومة العميلة التي كانت سياستها قائمة على التفريق والتشتيت، ناظرة إلى الشعب بعين الحقارة والنذالة.
ومن المعلوم أن الهدف من الإمارة الإسلامية منذ البداية كان القضاء على نار التفرق التي اندلعت بين الجماعات المتناحرة على المناصب، والتي سببت حرباً أهلية طاحنة في البلاد، وضاعت فيها جميع التضحيات التي قدمها الشعب أمام الاجتياح السوفييتي. وكان من المتوقع آنذاك تشكيل حكومة تحت راية الإسلام بغض النظر عن اللون والعرق واللسان، ولكنهم مالوا إلى أمريكا وحلفائها ودفعوا بالبلاد إلى احتلال جديد.
كان هذا جزء يسير من الخدمات التي قدمتها الإمارة الإسلامية في مجالات مختلفة طوال العامين الماضيين، فما أنجزته الإمارة الإسلامية في هذه المدة القصيرة؛ حقيقة لا خيال، وواقع لا ينكر، وأمر أوهج أجواء الإيجابية والتفاؤل في أفغانستان وجعل الناس في أرجاء العالم يتحدثون عنها متعجبين مندهشين.
فعلى الشعب الأفغاني أن يقدر هذه الفرصة، وأن ينظر إلى الأمور بعين الإنصاف والقسط، وأن لا يفرط بمصالح البلاد العليا وأمورها العظيمة لأجل مصلحة قومية أو مسألة شخصية؛ فإن البلاد المزدهرة ينتفع منها الجميع على حد سواء، وتذوب فيها القوميات التي استغلها الأعداء دائماً على مر التاريخ.
وليس بعزيز على الله أن يجعل أفغانستان بلدا مزدهرا، يستقطب رجال الأعمال للاستثمار واقتناص الفرص، كما هو شأن كثير من دول العالم. ولعل هذا يبدو غريباً وغير ممكن، ولكني موقن -وكثيرون معي- أن هذا الأمر ممكن جداً؛ لوفرة المقومات اللازمة في البلاد، ووجود الإرادة القوية في نفوس المسؤولين وتضامنهم وتضافرهم وتعاونهم وتحابّهم وتوادّهم.
من المستحيل أن يقوم أجنبي ببناء بيت غيره. وتدخل الأجنبي يعني الخراب والدمار والفوضى. ونحن ذقنا مرارة ذلك مرتين في العقود الأخيرة؛ مرة عند التدخل السوفييتي، وأخرى عند التدخل الغربي، فلا للذلة والتبعية والركون إلى الأجانب. إننا أصحاب البيت، وأصحاب البيت أدرى بما فيه؛ يحترقون لأجله ويذوبون في سبيله. ولن يُدافع عن هذا البيت ساكني القصر الأبيض ولا من يسكن لندن ومسكو وباريس، ولا من يوالي هولاء.