أفغانستان تتطلع للنمو الاقتصادي
سيف الله الهروي
مع انتصار الإمارة الإسلامية، بان زيفُ العديد من التكهنات حول انعدام الاستثمار الأجنبي وعدم الاهتمام من قبل الدول الأجنبية والشركات الكبرى. لقد أثبتت الإمارة الإسلامية، بعد تثبيت الأمن الشامل في أفغانستان، من خلال انتهاج سياسة اقتصادية قائمة على المصالح والقيم الدينية للشعب الأفغاني، ودون الاعتماد على أي من قوى المنطقة والعالم، بأنها تستطيع التغلب على تحديات الماضي وتحويلها إلى فرص.
كان أحد التحديات الرئيسية في العقود الأربعة الماضية هو التركيز على القوى الأجنبية الشرقية أو الغربية، فمن ناحية لم تستطع هذه السياسة أن تخلق مستقبلًا سياسيًا واقتصاديًا مستقرا، ومن ناحية أخرى، تحوّل ذلك إلى مرتبة ثانوية وإلى منافسة غير سليمة، لكن مع قيام الإمارة الإسلامية انطلق فصل جديد من الاكتفاء الذاتي وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة فيما يتعلق باستخراج الموارد الطبيعية الوفيرة في أفغانستان، وانطلق أيضا فصل جديد من التقارب مع دول المنطقة والعالم.
إن بدء العمل في مشاريع كبيرة لنقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا، واستعداد الدول والشركات الكبيرة للاستثمار في الموارد التي لم تمسها يد البشر بعد في أفغانستان، أثار الأمل بالاكتفاء الذاتي والاعتماد على الموارد المحلية، وكذلك ساعد على تحقيق منافع للبلدان المجاورة والمنطقة.
أهمية موقع أفغانستان في المنطقة:
من وجهة النظر الجيوسياسية، تعتبر أفغانستان أقصر نقطة اتصال بين بلدان آسيا الوسطى وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، التي تعتبر أغنى المناطق من حيث ثرائه بالموارد الطبيعية من النفط والغاز، كما أن هذه المناطق لديها الحصة الكبرى في إنتاج وعبور الطاقة إلى العالم، والتي تربط حوالي 3 مليارات شخص بالأسواق الإقليمية والعالمية.
لقد أدركت القوى العظمى، وخاصة الغرب أهمية هذه القضية جيدا، بحيث كان أحد المحاور الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة بعد عام 2012م، هو الاهتمام بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن أهم قضية في هذه الحالة هي مراقبة وإتقان مسار نقل الطاقة من آسيا والشرق الأوسط عبر مالاكا إلى الصين.
فقد أثرت أفغانستان باعتبارها واحدة من مراكز القوة والاقتصاد والحضارة والثقافة، على المناطق المحيطة بها عبر التاريخ. كما تدل هزيمة القوى العظمى الثلاث في العالم على الميزات المهمة لهذه الجغرافيا، ولقد زادت أيضا من أهميتها القواسم المشتركة الدينية والثقافية والعرقية واللغوية مع بلدان آسيا الوسطى من جهة، وبلدان جنوب آسيا من جهة أخرى، بحيث جلبت هذه الروابط الفرص والتحديات.
فرص الاستثمار في الموارد الطبيعية لأفغانستان:
وبالنظر إلى الخلفية التاريخية، فقد نشر أول مبدأ لتشجيع الاستثمار الأجنبي في أفغانستان في الجريدة الرسمية عام 1343 هـ في عهد الملوكية، ومنذ ذلك الحين بدأ المستثمرون الأجانب في القطاعين العام والخاص الاستثمار في الموارد الطبيعية والقطاعات الأخرى في أفغانستان.
حسب إحصائيات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقدر احتياطيات أفغانستان المعدنية بأكثر من تريليون دولار، ولا تزال أفغانستان تمتلك احتياطيات عالمية من الحديد والنحاس والذهب والمعادن الأرضية والأحجار الكريمة والتالك والكروميت.
تشمل احتياطيات التعدين في أفغانستان أكثر من 2.2 مليار طن من الخام الثقيل، و 3.1 مليار طن من الرخام، وحوالي 30 مليون طن من النحاس، و 2700 كيلوجرام من الذهب.
عملية جذب الاستثمار الأجنبيّ إلى أفغانستان:
قدّمت إمارة أفغانستان الإسلامية العديد من التسهيلات لجذب الاستثمار الأجنبي في فترة زمنية قصيرة.
إن تسهيل قوانين وسياسات الاستثمار، وسهولة تنفيذ التأشيرات، وتوفير الفرص والتوجيهات للاستثمار المحلي والأجنبيّ، وخدمات توزيع الأراضي والاهتمام بتوفير المزيد من خدمات الكهرباء للمجمعات الصناعية والصناعيين هي بعض القضايا التي تم تدشينها مع قدوم الإمارة الإسلامية، والتي تهدف إلى جذب الاستثمار.
أهم موضوع في عملية جذب الاستثمار الأجنبي هو توفير الأمن الشامل، والذي كان يعتبر من المشكلات الرئيسية في طريق الاستثمار خلال العشرين سنة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، كان الفساد والمؤسسات الموازية من بين المشكلات التي كان لها تأثير سلبي على الاستثمار في السنوات العشرين الماضية. حاليا بالرغم من وجود بعض التحديات، بما في ذلك تجديد القوانين بسبب عدم مواكبتها للعصر الحالي، لأنّ العديد من مصطلحات علوم الأعمال في هذه القوانين التي تعود إلى عقود سابقة، ما زالت مجهولة وغير محددة؛ ومع ذلك فإن الجهود جارية لإنشاء حل جذري لكل هذه التحديات، فقد تمّ القضاء على المشكلات الرئيسية مثل الفساد مع قيام الإمارة الإسلامية، كما أن الجهود جارية للقضاء على المؤسسات الموازية من أجل تبسيط العمليات، وتقديم العمل الأحسن والخدمات الأفضل.
مصلحة الاستثمار الأجنبي في أفغانستان:
كان يعتقد الكثيرون أنّ عدم اعتراف الدول بالإمارة الإسلامية من شأنه أن يلقي بظلاله على الاستثمار الأجنبي في أفغانستان، وبالتالي سيؤدي إلى تراجع كل شيء، لكن التبادلات الدبلوماسية واهتمام المستثمرين الأجانب أظهر أن الدول والشركات الكبرى ترغب في الاستثمار بقوة في أفغانستان. ويمكن تقييم هذه القضية على النحو التالي:
■ زيارة وزير خارجية الصين لأفغانستان والتأكيد على تعزيز العلاقات التجارية مع أفغانستان والتركيز على استخراج الألغام وبناء الطرق والمستشفيات وزيادة المنتجات الزراعية وتوحيد الصادرات وإصدار التأشيرات لرجال الأعمال الأفغان وتوقيع اتفاقيات التوسع الاستثماري. وكان إنشاء مناطق اقتصادية في الطاقة والمياه والفحم وتدريب المهندسين الأفغان في قطاع الصناعة من أهمّ القضايا التي نوقشت في هذه الرحلة.
■ في نفس الوقت، زيارة ضمير كابولوف الممثل الخاص لروسيا في أفغانستان، إلى كابول والتأكيد على تعزيز العلاقات السياسية، بما في ذلك قبول الممثلين الدبلوماسيين للإمارة الإسلامية من قبل موسكو وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وكان الوعد بإرسال النفط والغاز إلى أفغانستان، من بين القضايا المهمة التي طرحت في هذه الرحلة.
■ الرحلة المتزامنة لممثلين رفيعي المستوى من ألمانيا وهولندا إلى كابول والتعهد بتقديم 600 مليون يورو كمساعدات إنسانية من ألمانيا إلى الشعب الأفغاني.
■ كذلك زيارة كبار ممثلي إيران إلى كابول، وزيارة وزير خارجية أفغانستان إلى إيران، وكذلك كانت رغبة إيران بالاستثمار في قطاع التعدين والزراعة العابرة وتجهيز الأغذية من القضايا المهمة المطروحة في هذه الزيارات.
■ التقى كل من (Hen Ryuman) رئيس شركة البترول الوطنية الصينية (CNPCI) و(محمد مراد أمانوف) المدير التنفيذي لشركة Tapi Gas Pipeline Company في رحلة إلى كابول مع مسؤولين في الإمارة الإسلامية بشأن الاستثمار المرتفع في التعدين الأفغاني، كما ناقشوا تدشين مشروع TAPI.
■ وفي رحلة مهمة أخرى إلى كابول ناقش سردار عمر زاكوف نائب رئيس وزراء أوزبكستان مع كبار المسؤولين في إمارة أفغانستان الإسلامية بدء المشاريع الاقتصادية الكبرى، وإنشاء السكك الحديدية وإنتاج الكهرباء والتجارة والنقل.
■ يعدّ العمل في بناء ثلاثة مشاريع سكك حديدية كبرى مزارشريف – كابول – بيشاور، – مزارشريف – هرات – تشابهار – قندهار- ومشروع سورخان – بول خومري، بقدرة 500 كيلووات، من أولويات الخطط الاقتصادية لأفغانستان مع دولة أوزبكستان المجاورة. تعتبر أفغانستان أحد الشركاء التجاريين والاقتصاديين المهمين لأوزبكستان. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2020 نحو 615 مليون دولار، ويفترض أن يرتفع هذا الرقم إلى مستوى مليار ونصف المليار دولار في السنة. كما تهتم أوزبكستان أن ترتبط من خلال ممر تشابهار – بإيران، وعبر ممر تورخم بأفغانستان وباكستان. فإذا بدأت السكك الحديدية، فستحصل أفغانستان على الكثير من الدخل بسبب موقعها العابر الإقليمي.
الفصل الجديد من الاكتفاء الذاتي
إنها لحقيقة أن شعب أفغانستان يعيش في وضع اقتصادي صعب، وأن التحديث والتنمية اللذين يشكلان البنية التحتية الاقتصادية المستقرة لم يتحركا بالكامل. ومع ذلك بعد، قيام الإمارة الإسلامية والإعلان عن سياسة موجّهة نحو الاقتصاد والقضاء على الفساد، وزيادة تحصيل الضرائب، والتعدين -وإن كان على نطاق صغير- واهتمام المستثمرين الأجانب باستخراج الموارد الطبيعية في أفغانستان، يبشر كل ذلك بنمو اقتصادي.
تأمل إمارة أفغانستان الإسلامية في تحقيق الاكتفاء الذاتي في إطار برامج قصيرة وطويلة المدى، لا سيما في اتجاه استخراج الموارد الطبيعية وإنشاء مرافق استثمارية.
إن الوصول إلى قلاع النجاح يتطلب خوض الصعوبات والصبر على اجتيازها، ويتضح من جهود الإمارة الإسلامية وخططها في اتجاه ضمان الأمن الشامل والقضاء على الفساد وخلق التسهيلات لجذب الاستثمار بأنها ماضية نحو تحسين النمو الاقتصادي وتحسين حياة الشعب.