مقالات الأعداد السابقة

أفغانستان والأحزاب السياسية (الحلقة ٥)

تواطؤ الأحزاب ضد الإمارة الإسلامية رغم الانقسام الموجود فيما بينها، والترحيب بالاحتلال الأمريكي

زين الدين البلوشي

 

كما قلنا في الحلقة السابقة أن الجهود التي بذلتها الإمارة الإسلامية بخصوص توحيد الأحزاب، وجمعها على كلمة واحدة وعلى المصالح العُليا المشتركة، وتحذيرها من تواصل الجرائم بحق الشعب الأفغاني، لم تعد بالنفع على تلك الأحزاب، بل أثارت الجرأة بين أصحابها، وجعلتهم يقفون ضد الإمارة الإسلامية ويقومون بنشر الأكاذيب والأراجيف حيال الإمارة الإسلامية ورجالها، وبالفعل تمكنوا من إقناع الدول في المنطقة والعالم بأن الإمارة الإسلامية هي دولة أنشأتها مخابرات بعض الدول، وأنها كذا وكذا؛ تهم تلو تهم وأكاذيب خلف أكاذيب، وكان الإعلام الغربي والأمريكي، الذي دائمًا يبحث عن الفراغ في الدول المختلفة، يدعمهم ويأتي بهم على رأس جداول الأخبار، ويصنع منهم رجالًا مهرة محنكين؛ أصحاب أحزاب سياسية يتمكنون من إدارة البلاد على نهجها الغربي والأمريكي، وكان الإعلام لدى الإمارة الإسلامية على أضعف ما يمكن، فلم يتمكّن من العرض والدفاع بشكل جيد ما ساهم كثيراً في تمكين أصحاب الأحزاب من تزييف الوجه الحقيقي للإمارة الإسلامية، وتحريف الرأي العام بين الأوساط الأفغانية والعالمية.

من المؤسف أن نقول أن قضية الأحزاب في أفغانستان تختلف عن قضية الأحزاب في الدول الأخرى، من حيث المبادئ والمباني ومن حيث المقاصد والغايات، حيث تمركزت قضية الأحزاب وأصحابها في أفغانستان على منافع شخصية ومصالح فردية، ولا تجد لها أي مبادئ ومباني إنسانية وحتى قومية وعرقية، خلاف ما يتصور البعض، ومسار الأحداث تلك المدة يؤيد ما قلنا، حيث قام أصحاب الأحزاب بتحقيق مصالحهم الشخصية، وادخروا الأموال المتدفقة باسم الحزب أو التيار في البنوك الخارجية، أو بنوا مباني فاخرة في مختلف مناطق البلاد أو أنفقوها في مجال اقتناء الأسلحة، والتمركز على إقطاع منطقة معينة لتكون مركز ثقل لهم.

وحينما رأى أصحاب الأحزاب أن مصالحهم الشخصية في حالة خطر حقيقي، وتكاد أن تذهب الإمارة بها أدراج الرياح فتصبح هباءً منثورًا؛ استجلبوا الأجانب من الغرب وأمريكا، دون أن يفكروا في عواقب الأمر وخطره على وطنهم ودينهم وعرضهم، وأن المحتل يبقى محتلاً سواءً كان شرقيًا أم غربيًا، وأن من يستمدون منهم العون لا يفكرون إلا في مصالحهم ومطامعهم، وتناسوا احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان طرفة عين، وصوّروا أن الغرب وأمريكا سيضعان أفغانستان على جادة التقدم والتنمية، وأن تقدم واستقرار أفغانستان منعقد بتواجد الولايات المتحدة وحلفائها! الأمر الذي لم يكن أحد ينتظره منهم لأنهم يحملون فخرًا واعتزازًا بهزيمة أكبر قوة عسكرية وفكرية، ولأنهم أنقذوا البلاد من مخالب الاتحاد السوفييتي، وكانوا يحملون أوسمة الجهاد ولقب المجاهدين، فكان يبدو محالًا أن يجعلوا بلادهم مرة أخرى عرضة للاحتلال والخراب والدمار، وأن يُلدغوا من جحر واحد مرتين.

ومن العجب العجاب أن الاحتلال السوفييتي حدث نتيجة تورط حزب واحد معارض لكل ما يعتقده الشعب الأفغاني، وكان على الفكر الشيوعي المنافي للإسلام ومعتقدات الشعب الأفغاني، بينما الاحتلال الأمريكي جاء نتيجة تواطؤ أحزاب إسلامية على حكومة إسلامية وعلى إخوة مسلمين، فقط بحجة أنهم لا يفكرون مثلهم في السياسة أو أنهم كذا وكذا.

ومما يدهش، أن الأحزاب السياسية اللاعبة في أحداث أفغانستان قبل مجيء الإمارة الإسلامية كانت متقاتلة فيما بينها، وكانت هي السبب الأكبر في اندلاع الحرب الأهلية في البلاد والأحداث المريرة الأخرى، ولكنها في مدة قصيرة اتحدت وتمركزت في بعض الولايات الشمالية، وقامت ضد الإمارة ووقفت ضدها بكل وسيلة ممكنة، كانت مبادئ هذه الأحزاب مادية وشخصية، وإلا كيف يمكن أن تتبدل من أحزاب متقاتلة متناحرة إلى أحزاب متحدة متعاضدة في مدة قصيرة؟!

في 4 أبريل 2001، زار رئيس حزب من هذه الأحزاب أوروبا (وكان قياديًا معروفًا في الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي)، وشارك علانية في اجتماعات مختلفة، وعقد اجتماعات سرية مع الاستخبارات الأمريكية والأوروبية، وقدم العديد من التعهدات، وبالتالي تم تشكيل قوة تحالف فعّالة تضم ميليشيات معارضة وقادة سابقين ضد الإمارة الإسلامية، وكانت هذه من أكبر مظاهر ترحيب أصحاب الأحزاب باحتلال البلاد من جديد، حيث اجتمعوا  مع رؤساء دول كافرة وتواطؤوا على حكومة مسلمة وعلى وطنهم. وهكذا باعوا البلاد وقاموا بصفقة خاسرة مقابل دعم مالي وعسكري، إضافة إلى دعم ميداني من القوات الخاصة والطائرات الأمريكية، ليحظوا بحفنة من متاع الدنيا.

ومما أثار الدهشة، أنه في قمة (بون)، التي انعقدت بعد الإطاحة بحكومة الإمارة الإسلامية (طالبان)، سارعت الأحزاب إلى الإسهام في الحكومة الجديدة، وقدم كل حزب أسماء مرشحين منه للانضمام فيها دون أن يُفكّروا في مستقبل الشعب الأفغاني، فكان المهم أن يرضى كل حزب، ولم يُقرر في الحكومة مستقبل أفغانستان وعمرانها، وهذا ليس عجيبًا لأن المسلمين كلما اتكلوا على الكفرة وعلى الأجانب بشكل عام، باءت آمالهم بالفشل وخسروا الدنيا والآخرة.

وهناك كثير من الناس يظنون أن سبب الاحتلال الأمريكي هو امتناع الإمارة الإسلامية (طالبان ) عن تسليم أسامة بن لادن ﵀ إلى أمريكا، ولكنهم في نفس الوقت يجهلون أو يتجاهلون الدور المصيري والكبير لأصحاب الأحزاب الذين لولاهم ولولا إعطائهم الضوء الأخضر للمحتل، لما كان الاحتلال ولما كانت الفوضى.

وهكذا صارت الأحزاب وأصحابها عملاء؛ مهّدوا الطريق للاحتلال مرة أخرى ورحّبوا بالمحتل المعتدي بكل حفاوة ورحابة، وصاروا معه جنبًا إلى جنب، وفتحوا بكل ما في وسعهم الباب على مصراعيه ليدخل منه العدو فيقصف البلاد ويدمر المساكن ويقتل المدنيين ويدوس الحرمات، وبذلك أحيى أصحاب الأحزاب ذكرى الحزب الشيوعي العميل للاتحاد السوفييتي، واقتفوا آثاره وحذوا حذوه، وفرّقوا -بزعمهم- بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي! وحاشا أن يكون هناك فرق بينهما، فالكفر ملة واحدة والمحتل من شأنه أن يحتل ويسرق وينهب ويدمر.

وعند النظر إلى الواقع، فالحقيقة المشتركة بين مخالفي الإمارة وموافقيها، ولا مجال لإنكارها، أنها حققت أمناً منقطع النظير على مستوى البلد، في حكمها الأول والثاني، بشكل شامل وعلى أكمل وجه، بيد أن الكفر العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لم يتحمّل قيام دولة تؤمن بالإسلام الواقعي وتحكم بما أنزل الله، ولن يسمح لدولة إسلامية من شأنها أن تربي في ظلها رجالاً يغيّرون مجرى التاريخ ويستعيدون المجد الإسلامي الفائت بل ويبنون التاريخ مجدداً، فشنّ عالم الكفر، بقيادة أمريكا، هجومًا شرسًا واسع النطاق ضد الإمارة الإسلامية بحجج تافهة كاذبة، مثل أنها تدعم وتستقطب وتدرب الإرهابيين في البلاد، وساعدها في ذلك أصحاب الأحزاب جنبًا إلى جنب بكل ما في وسعهم، ورقصوا على جثث المجاهدين غرورًا وتفاخرًا وتطاولًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى