أفغانستان والأحزاب السياسية (۲)
زین الدین البلوشي
لقد ألقينا الضوء في الحلقة الأولى على تاريخ الأحزاب السياسية في أفغانستان إجمالاً، وكيف تسلل الحزب الشيوعي في الحكومة. والآن نحن بصدد أن نتطرق إلى كيفية تلقي هذا الحزب الأوامر من الاتحاد السوفييتي، وما المشاكل التي جرّها الحزب الشيوعي على أفغانستان.
إنّ ممّا لا شك فيه أنّ حزبًا واحدًا لن يتمكن أبدًا في الإطاحة بحكومة، مهما كانت قدرته ونفوذه، إذا لم يُزوّد فكريًا وعمليًا وسياسيًا من قوة كبرى. فالحزب الشيوعي الأفغاني لم يكن وحيدًا في التغلب على حكومة محمد داود خان ولم يكن وحيدًا في الوصول إلى رأس الحكم، بل كان للاتحاد السوفيتي تدخل مباشر وفعلي في ثورة (نيسان) أبريل 1978م.
مساعدة الحزب قبل الثورة
كما أشرنا، أنه قبل سنوات من الثورة، قام الاتحاد السوفييتي بدعم كوادر الحزب الشيوعي داخل مرافق الدولة المختلفة، خصوصًا القوات المسلحة، وجعل لهم خلايا منظمة جاهزة للانقضاض على السلطة، وهذه الخلايا حققت نجاحًا كبيرًا في استقطاب ضباط الجيش إليها، حيث كان عدد الشيوعيين قليلا في السبعينات ولم يتعدَ المائة، لكن يوم الانقلاب كان عددهم وصل إلى الآلاف ما بين ضباط وجنود، إضافة إلى أن أغلب المناصب القيادية وكلت إليهم خلال هذه المدة.
وبحسب بعض المصادر، أنّ قصف القصر الملكي، نُفّذ بواسطة طائرات طراز (ميج ـ21). وكان الطيارون الأفغان لم يدربوا جيدًا على مثل هذه الطائرات، وهذا يثير الشك، إضافة إلى وجود أكثر من 20 طيارًا روسيًا يعملون كخبراء في سلاح الطيران، الأمر الذي يوحي بأن قصف القصر تم بواسطة طيارين روس. ويُقال أيضًا: إن طائرات روسية قادمة من طشقند شنت غارات جوية على قصر محمد داود، الأمر الذي يؤكد تورط الاتحاد السوفيتي في الانقلاب.
دعم الحزب بعد الثورة
إن الانقلابيين حينما ثاروا على حكومة محمد داود، اتخذوا مبنى السفارة الروسية في كابل ـ لما تتمتع به من حصانة دبلوماسية ـ مقراً لهم لإدارة العملية الانقلابية، وأن قسمًا كبيرًا من التعليمات، كان يصدر من مبنى السفارة، مثل خطة الانقلاب التي نُقلت بواسطة أحد الضباط الشيوعيين، إلى حفيظ الله أمين.
وفي 5 (أيلول) سبتمبر 1978م، قام الحزب الشيوعي الحاكم بتوقيع معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، تم بموجبها الاستعانة بالجيش السوفيتي لحمايته في مواجهة خصومه، وبهذه المعاهدة دخلت أفغانستان في دائرة نفوذ الاتحاد السوفيتي.
وهكذا طبيعة كل حزب، وكل حكومة غيرشعبية، كلما حاولوا السيطرة على بلد لم يكن في وسعهم الحفاظ عليه؛ سارعوا إلى إبرام معاهدة مع دولة تدعمهم ويستعينون بها وقت الحاجة.
وهكذا حينما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان والعراق واحتلتهما، تم توقيع اتفاقية مع هاتين الحكومتين للدعم والحماية. ورفضت الإمارة الإسلامية توقيع هذه الاتفاقية وما يشابهها حين وقعت اتفاقية السلام.
وتُعد ثورة (نيسان) أبريل 1978م، واستيلاء الشيوعيين على الحكم، الخطوة الرئيسية لغزو أفغانستان عسكريًا، فما سبق كان تمهيدًا سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا للغزو. أما المرحلة التنفيذية، فقد بدأت مع بداية الثورة. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي أحكم قبضته على أفغانستان، إلاّ أنه لم يقتنع بذلك؛ وتصّور أن احتلاله العسكري لأفغانستان لن يقابل بمعارضة، أو مواجهة، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي. ومع تداعيات الأحداث، وفداحة الأخطاء التي يقوم بها حزب الشعب الديموقراطي الموالي له، والخلافات المستمرة بين جناحي خلق وبرجم، إضافة إلى المحاولات العديدة للقضاء على المقاومة الإسلامية، كل ذلك هيأ الظروف للغزو العسكري.
على كل حال، لم تكن الحرب السوفيتية في أفغانستان إلا حرب إبادة وتدمير جماعي، فوفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة يعود لعام 1986م، قُتِل 33 ألف مدني أفغاني بين كانون الثاني وأيلول عام 1985م، وكانت الأغلبية الساحقة من هذا العدد قد سقطت على يد الجيش السوفيتي وحلفائه الشيوعيين. وأدى الاحتلال الذي دام عشر سنوات إلى استشهاد 2 مليون أفغاني. مما تسبب بوقوع المجتمع الأفغاني تحت وطأة الرضوض النفسية الناتجة عن فظاعات هذه الحرب.
كانت الحوامات السوفيتية تدمر قرى بأكملها، وتدمر قنوات الري ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وألحقت دمارًا كبيرًا بآلاف الأفغان. هذه الحوامات لم يكن بالإمكان هزيمتها من خلال الاحتجاجات السلمية أو الحراك السياسي الخالص.
كتب الجنرال أوليغ كالوغين الذي عمل أكثر من ثلاثين سنة بصفوف المخابرات السوفييتية المعروفة اختصارًا بـ(كيه جي بي) مقالاً في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، كشف فيه عن استراتيجية غزو أفغانستان، وعما خططته المخابرات السوفييتية للحفاظ على الحكومة الموالية لها فيقول:
في هذا السياق، قمنا بتزويد الأفغان بكاميرات وأجهزة تنصت إلكترونية ووعدناهم بتقديم كل عون ممكن في مواجهة الأمريكيين، ورغم أن المعارضة كانت تتصاعد فإن الوضع كان تحت السيطرة.
وبناء على أوامر رئيس (كيه جي بي) وخطة واستراتيجية عامة لأفغانستان، ركزنا على النقاط التالية:
١- على الأفغان (الشيوعيين طبعًا) جمع الأدلة حول تدريب باكستان لمجموعات حرب العصابات الإسلامية، ومن ثم اتهام إسلام اباد بشن عدوان على الشعب الأفغاني.
۲- على القيادة الأفغانية إرسال رسالة تأييد للثورة الإيرانية معبرة عن الأمل بتعاون الحكومتين معاً عن كثب.
۳- يجب الإعلان عن الثوار بمنطقة هرات بأنهم من أعوان الاستعمار الأميركي وأنصار الصهيونية العالمية، وأنهم من فلول الملكية الإيرانية البائدة.
٤- يجب طرد كل المواطنين المشتبه بتعاونهم مع وكالة المخابرات المركزية من أفغانستان.
٥- على رجال الدين المؤيدين للحكومة التحدث إلى الشعب والتجمعات الشبابية من العمال والفلاحين دعما للحكومة.
٦- تأسيس لجان ومليشيات شعبية مسلحة دفاعا عن الثورة.
٧- شن هجمات على قواعد الثوار المتأخرة؛ لتدمير محطات الإذاعة التابعة لهم وعلى قواعدهم ومخازنهم وذخيرتهم.
٨- إقامة المزيد من محطات الإذاعة الموالية لنظام (تراقي) من داخل كل من أفغانستان والاتحاد السوفياتي.
٩- إرسال مستشارين سوفييت، والقيام بمزيد من رحلات الاستطلاع فوق أفغانستان، مع تعزيز القوات السوفيتية على الحدود الأفغانية ووضعها في حالة تأهب قتالية.
وحين شعر الجيش الأحمر بأن المقاومة ضد حكومته الموالية له تتصاعد يوما بعد يوم، وتعجز الحكومة عن الوقوف ضدها، والإصلاحات التي قام بها لم تصب في مصلحته؛ تدخّل عسكريا في أفغانستان لإلحاق أفغانستان كجمهورية بالاتحاد السوفييتي.
هذا وأكثر من هذا، من المشاكل العديدة التي لحقت بأفغانستان جراء الأحزاب والتحزبات. فهذا الحزب الشيوعي نبت شيئًا فشيئًا، وثبّت جذوره داخل الحكومة والمجتمع الأفغاني، وبالتالي أتى بهذه الداهية الكبرى، وهذه الجرائم المشينة التي يشيب لها الولدان، فتوالت المصائب وتناوبت المصاعب على أفغانستان وشعبها المكلوم.
هذا حزب واحد لم يكن له شعبية بين الناس، ولم يجد له مكاناً بينهم لا سياسياً ولا فكرياً، ولا يجمعه بهم لا عقيدة ولا فكر؛ استطاع السيطرة على أفغانستان وأحكم قبضته عليها لعشرين عاما؛ فماذا ستكون الحال إذا كانت هناك أحزاب وأفكار، كل واحد يريد الاستئثار بالحكم دون غيره؟!