مقالات

أفغانستان والحاجة إلى الكهرباء

إدريس رحمتي

 

كلما أصبحت المدن والبلاد أكثر تقدما وتميزا، ازدادتْ حاجتها إلى قطاعات أكثر. ومن أهم القطاعات في حياة الناس لتحقيق تقدمها وازدهارها؛ القطاع الكهربائي. فالكهرباء تلعب في حياة الناس دورا هاما جدا، ولا يستغني أحد عن وجودها، فهي شريان الحياة والعصب الرئيسي فيها، والشمس التي تنير ظلام المدن والأرياف وتحولها إلى مناطق تعج بالحياة والنشاط، وبدونها تكون البيوت مظلمة، والشوارع قاتمة، والشركات معطلة.

 

لقد أحدث القطاع الكهربائي ثورة هائلة في جميع جوانب حياة البشر؛ كيف لا وهو يساهم بشكلٍ كبير في زيادة النمو والتقدم والازدهار، ويزيد جمال المدن والقرى، ويمنحها بهجة وبهاء، ويوفر الوقت والجهد، ويزيد رفاهية الإنسان، ويسهّل عليه استغلال الوقت في الليل؛ فيوفر بيئة ملائمة لأعماله وأشغاله، ويسرع إنجاز الأعمال الكثيرة.

ومنذ دخول الكهرباء في جميع مفاصل الحياة، بدءًا من المنزل الصغير في بادية بعيدة ووصولا إلى ناطحة السحاب المنتصبة وسط أعظم المدن، ومن أصغر محل تجاري إلى الشركات العملاقة الضخمة؛ استطاعت الكهرباء أن تحول الليالي المظلمة إلى نهارات مشرقة، ولم يعد الظلام يهزمُ الإنسان كما كان سابقًا.

أنارَ الناس بيوتهم باستخدام الكهرباء، واستطاعوا أن يؤمنوا لأنفسهم وقتًا أطول لقضاء المزيد من النشاطات المنزلية والاجتماعية، وتوفرت لهم بذلك طمأنينة كبيرة. كما ساعدت الكهرباء في توفير الكثير من سبل الراحة في المنازل من خلال الأدوات الكهربائية الكثيرة التي لم تكن موجودة لولا وجود الكهرباء، مثل: الأفران الكهربائية والمايكرويف والغسالات والمكانس الكهربائية والثلاجات وأدوات المطبخ والتلفزيونات وغيرها كثير.

أمَّا خارج المنزل فلا يمكن حصر الخدمات التي قدمتها الكهرباء والتي تتزايد باستمرار من خلال اختراع أدوات حديثة كل يوم، وتقنيات جديدة تعمل جميعها أساسًا على الكهرباء، فقد أضاءت الكهرباء الشوارع، وأسهمت في تنظيم المواصلات والسير والحركة الجوية، إضافة إلى أنَّ وسائل التواصل جميعها لا تعمل دون كهرباء مثل الهواتف النقالة والأجهزة اللوحية والحواسيب والإنترنت والخدمات المصرفية وغير ذلك.

أمَّا بالنسبة للمجالات الأخرى الصناعية، فإنَّ الكهرباء اليوم هي الشريان الأساسي لها ولمختلف قطاعات الصناعة ومستوياتها، فقد وفَّرت في المصانع والمعامل الكثير من التعب والوقت، من خلال الآلات الكهربائية التي حلَّت مكان أيدي عاملة كثيرة، فأصبحت الصناعات أسهل وأسرع وأكثر جودة بسبب الدقة الهائلة التي توفرها الآلات.

وكذلك الزراعة؛ أسهمت الكهرباء في تطورها من خلال المضخات الكهربائية التي أصبح استخدامها أسرع وأسهل بكثير.

وفي القطاعات الإنشائية مثلًا، وفرت الجهد والوقت في عملية خلط الإسمنت ونقل المواد وغير ذلك.

 

وفي بلدنا أفغانستان، تمس الحاجة إلى توفير الكهرباء لتفعيل الشركات، وتشغيل المصانع، وإنارة البيوت والشوارع، وتوفير الأجهزة الكهربائية في البيوت، وتشغيل المعدات الطيبة في المستشفيات.

ولكن أفغانستان، منذ سنوات تعاني أزمة كهرباء معقدة نتيجة عدة عوامل سياسية واقتصادية وتقنية. من أبرزها:

١. الاعتماد الكبير على استيراد الكهرباء من الدول المجاورة، حيث تستورد البلاد 80% من احتياجاتها من الطاقة، مما يجعلها عرضة لأي تقلبات سياسية أو اقتصادية تؤثر على إمدادات الطاقة.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة برشنا؛ عبد الباري عمر حول حاجة أفغانستان إلى الكهرباء: “وفقًا للمسوحات التي أُجريت، فإن أفغانستان تحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف ميغاواط من الكهرباء. وإذا تم احتساب الحاجة وفقًا للمعايير الفنية، مع إيصال الكهرباء النظيفة والمطابقة للمواصفات إلى جميع المناطق والقرى في البلاد، فإن الحاجة الفعلية سترتفع إلى ما بين ثمانية وتسعة آلاف ميغاواط”.

 

يُضيف عمر قائلا: “يوجد حاليًا 960 ميغاواط من الكهرباء في البلاد، منها ما بين 350 إلى 400 ميغاواط يتم توليدها من المصادر الداخلية”.

منوهاً على أنه “سيتم قريبًا افتتاح مشاريع ستولد ما يصل إلى ٥٥٠ ميغاواط من الكهرباء، وستكون هذه المشاريع في ولايات مختلفة من البلاد، وستُربط بشبكة الكهرباء”.

ووفقًا لإحصائيات وزارة المياه والطاقة، يتم استيراد 80٪ من احتياجات أفغانستان من الكهرباء من الخارج. كما يقول المسؤولون في شركة الكهرباء الأفغانية (برشنا) إن جزءًا كبيرًا من الكهرباء التي تحتاجها البلاد تُشترى من تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وإيران.

يقول حكمة الله ميوندي، المتحدث باسم شركة برشنا: “نحن نوفر فقط 20٪ من احتياجاتنا من الكهرباء من مصادرنا المحلية، أما الباقي فنستورده من الدول الأربع المجاورة، وأغلبه من إيران وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان”.

 

٢. العقوبات الدولية المفروضة على حكومة الإمارة الإسلامية سببت صعوبات كبيرة في تحويل الأموال إلى الدول الموردة للكهرباء، مما أدى إلى تأخير سداد المستحقات وانقطاع الإمدادات والمساعدات.

وهذه المشكلة لم تعرقل فقط القطاع الكهربائي بل تجاوزته إلى جميع جوانب حياة المواطنين الأفغان، وأثرت في القطاعات المختلفة والمشاريع الكبرى التي تخطط إمارة أفغانستان الإسلامية بدءَ العمل فيها.

 

٣. مع تجميد الأصول الأفغانية في الخارج، باتت الحكومة غير قادرة على تمويل مشاريع البنية التحتية أو تطوير قطاع الطاقة؛ الأمر الذي جعل الإمارة الإسلامية تبحث في إيجاد حلول بديلة تُنهي معاناة الشعب الأفغاني، فناقشوا الحلول المحتملة مع شركات مختلفة ووقعوا اتفاقيات عديدة.

 

يعلم الجميع أن بلدا أنهكته الحروب لن ينهض في يوم أو يومين. والمسؤولون في الإمارة الإسلامية أكدوا أنّ تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الطاقة يتطلب الوقت والاستثمار، وأنهم يسعون إلى زيادة إنتاج الطاقة من خلال الاستفادة من المصادر الطبيعية: طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وطاقة الأرض الحرارية، والطاقة المائية.

تخطو أفغانستان اليوم خطوات راسخة ومتينة في مشاريع توليد الكهرباء محلياً؛ وهاهو مشروع توليد الكهرباء في ولاية هرات انطلق، وهو بادرة مبشرة، إذ ستصل الكهرباء عن قريب إلى محافظات أخرى إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى