أفغانستان وتحولٌ في السياسات والمواقف
أبو سلمان الخاشرودي
ليس هناك من ينكر أنّ أفغانستان منذ عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم، شهدت تغيرًا أساسيًا في الحكم والإدارة، وتحولا جذريًا في السياسات والمواقف، ما حوّل معه وجه البلاد على مستوى المنطقة والعالم، وصار يُشار إليها بالبنان من قبل الأصدقاء المقربين بالإشادة والثناء، ومن قبل الأعداء الألداء بالتعجب والإنزعاج.
فهناك جهود صادقة، ومساعي واسعة، تجري في أفغانستان في أنحائها وأرجائها، وتأتي كل هذه الجهود مخطّطة منظّمة، دون قصور وفتور، ودون دعاية وضوضاء، هادئةً مطمئنةً، من قبل أفراد مخلصين وجادين، لا يسعون للدعاية ولا للمراء، همّهم العمل والعمل ثم العمل.
ونحن اليوم نشاهد هذا التحوّل والتغير، بشكل أفضل وملموس، في وجه البلاد، في مختلف القطاعات، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والاستقلال، وقد تمّ إصلاح كثير من المبادئ والقيم التي اختفت تحت تراب الظلم والجهل، وضربات الأعداء، وهجمات مدعي حب الوطن.
الإمارة الإسلامية منذ اضطلعت بأعباء الحكم في البلاد، سعت إلى إعمال قدراتها في إعمار الوطن، وتطوير التجارة، وتسهيل الأمور، وتذليل السبل المؤدية إلى التطور والتقدم.
ونشير -فيما يلي- إلى بعض المواقف والإجراءات التي اتخذتها الإمارة الإسلامية، على سبيل المثال لا الحصر، للتدليل على أنّ أفغانستان اليوم ليست هي أفغانستان الأمس. تلك المواقف والسياسات التي افتقدناها في أفغانستان منذ نصف قرن على الأقل، واندثرت تحت مواقف الضعف والسياسات الفاشلة للحكومات الماضية.
▐منع ريتشارد بينيت من دخول البلاد
قبل أشهر منعت الإمارة الإسلامية ريتشارد بينيت، المقرر الرسمي من قبل الأمم المتحدة في أفغانستان، من الدخول إلى أفغانستان، بعد أن سمحت له بدخول البلاد من عام ٢٠٢٢، لبثّه ادعاءات كاذبة وتقارير مضللة ومعلومات غير حقيقية حول الأوضاع في البلاد، بقصدرتشويش الأذهان، وخلق أفكار مغلوطة عن حكومة وشعب أفغانستان.
هذا القرار، إن دلّ على شيء، فإنما يدل على استقلال إمارة أفغانستان الإسلامية في اتخاذ المواقف السياسية. الأمر الذي كان يفتقده الشعب الأفغاني طيلة تاريخه القريب على الأقل، فإنه لا يتذكر في العقود الأخيرة موقفًا مماثلا، والذي اتخذ من سلطة عليا مستقلة في مواقفها. نعم نتذكر بعض المواقف في الماضي، ولكنها كانت تحت الضغط وبتخطيط من قوة أخرى، لا من استقلال بالذات.
▐اتخاذ السياسة المتوازنة البعيدة عن القطب الواحد
جاء اتخاذ هذه السياسة في حين أن أفغانستان كانت تعاني من هذه المشكلة، وأن سياستها في القرن الأخير لم تكن متوازنة، لأنها إما كانت معتمدة على الشرق والاتحاد السوفييتي، أو معتمدة على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وكلتا السياستين ضربت أفغانستان بدورها ضربة قاضية، وألجأتها للاحتلال والخنوع أمام الجهتين، وبالتالي أُخرجتها من قائمة الدول النامية. وقد أشار وزير الخارجية الأفغاني الشيخ أميرخان متقي في مقابلتة مع بي بي سي بأن سياسة أفغانستان معتدلة متوازنة متمركزة على الاقتصاد، وأن أفغانستان لن تعود إلى الوراء، ولن تعتمد على جهة معينة من الشرق أو الغرب، وأنها مستعدة للتعاون والتفاعل مع جميع الجهات.
هذه السياسة هي السياسة التي تحتاج إليها البلاد منذ أمد بعيد، وتتطلع إليها منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني.
▐تسديد الديون
من الإجراءات التي سعت إليها الإمارة الإسلامية؛ تسديد الديون الموروثة من الحكومة السابقة والتي كانت غارقة في الفساد، حيث لم تتمكن من تسديدها آنذاك، فبقيت لتسددها الإمارة الإسلامية بعد توليها الحكم.
وفي هذا السياق، تقول وزارة المالية لإمارة أفغانستان الإسلامية، إنها قامت بتسديد 2.7 مليار أفغاني من القروض المستحقة لعدد من المؤسسات الأجنبية من الإدارة السابقة، وتمت إعادة حوالي 910 ملايين أفغاني إلى البنك الدولي و1.9 مليار أفغاني إلى بنك التنمية الآسيوي.
وبحسب مسؤولين في شركة الكهرباء “برشنا” الأفغانية، إنه للمرة الأولى، تحررت أفغانستان بالكامل من ديون الدول الأربع المجاورة، أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وإيران.
لا شك أن إمارة أفغانستان الإسلامية، بعد الانتصار، واجهت معضلة الديون في مجال الطاقة للدول المجاورة، والتي ورثتها من الحكومة السابقة (الجمهورية)، ثم كانت هناك قيود على البنوك؛ ولكنها في النهاية تمكنت بمعية الله -عز وجل- من تأدية الديون لهذه الدول المجاورة بشكل كامل والتي بلغت حوالي 627 مليون دولار أمريكي.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي تقوم فيها أفغانستان بسداد دفعات مقدمة من تكاليف الكهرباء، بالاضافة إلى سداد الديون بالكامل للدول المجاورة.
وأفادت الوزارة، بأن إمارة أفغانستان الإسلامية لم تقترض من أي بلد أو مؤسسة أجنبية خلال السنوات الثلاث الماضية، وإنها تحاول سداد الديون المتبقية حتى لا تكون أفغانستان مديونة لأي بلد أو مؤسسة أجنبية.
من المعلوم أن السياسات الدقيقة والمواقف الصلبة المستقلة، إلى جانب النضال والجهاد، هي ما ألجأ الجهات والأطراف المختلفة إلى القعود على طاولة المفاوضات، وأجبرهم على اتخاذ سياسات معتدلة.
خلافاً لتوقعات البعض؛ نجحت الإمارة الإسلامية باتخاذ مواقف صامدة، وسياسات قيمة، وأعمال عظيمة، إلى جانب ما حقّقته في جانب البناء والإعمار، وتنفيذ المشاريع التنموية الكبيرة في أنحاء البلاد.
وبهذه المواقف الصامدة والسياسات الدقيقة، أظهرت الإمارة للعالم بأنها على معرفة كاملة بما يجري في العالم، وأنها تتحرك نحو الأمام بدقة وحساب، متخذة كل تجاربها في جانب السياسة، في مجال التقدم والازدهار، والوصول إلى قمة السعادة في الدنيا والآخرة.
ما ذكرناه آنفاً كان غيضٌ من فيضٍ، ولا يخفى أن ما حقّقته الإمارة الإسلامية في هذه السنوات الثلاث، من الإنحازات في مختلف القطاعات، لا يحتويه مقال ولا مقالان ولا مقالات، إنما هو أمر يحتاج إلى تفصيل وتوضيح وتحليل.