
ألا زالت أمريكا تترقب فرصة نجاحها في أفغانستان؟
بعد هجوم موفق للمجاهدين في القاعدة العسكرية لـ سي آي إيه يوم الأربعاء الماضي في ولاية خوست، صار مسؤولو البنتاجون وجميع الماهرين العسكريين في الناتو في موقف محرج وتصور محير حول مستقبلهم في أفغانستان.
مع أن منذ ثمان سنوات لم تقصر أمريكا والناتو في المساعي العسكرية ومن ثم الإقتصادية والدعائية والثقافية وغيرها… في سبيل إخماد الفعاليات الجهادية للمجاهدين وتسليط إدارة كرزي الفاسدة وتوسعة سيطرتها على أفغانستان؛ لكن من بداية عام 2009 المنصرم وحتى الآن طرأ مزيدا من التطور، والحركة والتأهب والزيادة والابتكار والتجديد في مساعي الأمريكيين ومسانديهم المحتلين.
فعلى سبيل المثال، شرع أوباما مساعيه بروح مبتكرة ونشطة بنسبة إلى بوش المتَعب في إيقاف الفعاليات الجهادية والمقاومة الباسلة في أفغانستان، وبدأ بإعلان استراتيجيات متتالية حول أفغانستان، وأصدر قرارات إرسال آلاف الجنود الإضافيين، وسارع لتحقيق مراميه بتكثيف جهوده الدبلوماسية والدعائية وعين الجنرال الأمهر في الجيش الأمريكي والمنتصر في حرب العراق ـ حسب ادعائهم الأجوف ـ الأحول / مكريستال بصفة القائد العام لجنود قوات التحالف الصليبي في أفغانستان لأجل مزيد من الانسجام والتقدم، وقد شرع الأخير في عمليات واسعة في مناطق كثيرة من أفغانستان بما فيها ولاية هلمند.
بجانب تلك المساعي العسكرية أقام جسراً لتمشيط الجهود الدبلوماسية بين كابل وواشنطن ولندن وبروكسل وغيرها من المدن المعنية، وأشاع شائعة المفاوضات بغية تضعيف الروح الجهادية لدى مجاهدي الإمارة الإسلامية وتجريدهم، وقدم مسرحية مضحكة للعرض تحت مسمى الإنتخابات الرئاسية العامة لأجل اضفاء المشروعية على إدارة كرزي العميلة.
استغرقت هذه المساعي الفاشلة للبيت الأبيض زهاء أحد عشر شهرا كاملا، وقد شخصت أبصار الأمريكيين وجميع أعضاء في دول الحلف الأطلسي الناتو لنتائجها المرجوة.
لكن مع جميع هذه المحاولات، والتطوير، والتحركات والمساعي والجهود المبذولة، جاءت الرياح بما لا يشتهيها الأمريكيون وبحسب اعترافهم تسير الأوضاع في أفغانستان في إتجاه آخر خلافاً لآمالهم وتطلعاتهم.
هؤلاء الأمريكيون وآخرون من المحتلين وظفوا كل هذه المساعي الحثيثة والتدابير اللازمة من أجل نجاح جنودهم في افغانستان والحفاظ على أرواحهم؛ لكنهم عاينوا اليوم بأم أعينهم أن جنودهم إما أسرى أحياء لدى المجاهدين أو انتفخت جثثهم في نهر بالامرغاب، أو صارت أشلائهم وليمة للطيور الجارحة والحيوانات المفترسة في جبال وأودية وميادين هلمند وكنر، ونورستان وخوست وغيرها من ساحات العز في ديار الأفغان.
والقوة الوحيدة التي كانت تتألق بها قلوب الأمريكيين ومتحالفيهم وتتطلع إليها نظرات آمالهم، هي إدارة الإستخبارات المركزية الأمريكية السي آي إيه، والتي كانت موفقة نسبياً بزعمهم في التجسس ومراقبة فعاليات المجاهدين في أفغانستان؛ لكن مع تلك الجهود الجبارة والفعاليات التطويرية للأمريكيين خلال الأشهر الأحد عشر الماضية أضحى مجاهدو الإمارة الإسلامية بفضل من الله العلي القدير ونصرته، أقوياء أكثر من أي وقت مضى، وبحسب اعتراف الأمريكيين أنفسهم أن الهيكل الإداري المدني والعسكري للإمارة الإسلامية فعّال في (33) ولاية من أصل (34) ولاية في أفغانستان، وأن مستوى تفوقهم العسكري وقدراتهم القتالية بلغت إلى درجة بأن إدارة مثل CIA المجهزة بأحدث التقنيات ليست في مأمن من ضرباتهم الموجعة.
نأتي الآن لإعادة طرح السؤال المطروح أصلاً، بالنظر إلى الحقائق الملموسة والثابتة في أفغانستان، ترى ما مدى فرصة نجاح الأمريكيين ومتحالفيهم الجهال في أفغانستان؟
من البديهي لدى الجميع بأن أفغانستان مقبرة للإمبراطوريات؛ لكن قليلاً من الناس يدركون هذه الحقيقة بأن أفغانستان هي مقبرة الآيديالوجيات أيضاً.
فاليوم تُحسب لحظات دفن الإمبراطورية الأمريكية في هذه المقبرة التاريخية للامبراطوريات وفقا لآراء جميع المراقبين العسكريين والسياسيين؛ فلِم يؤدي مفكروا هذه الآيديالوجية الصليبية ورجال دينها وعامة أفرادها بعيون مفتوحة دور المتفرجين لدفنها؟
أليست من حق هذه الآيديالوجية ـ السائرة نحو الدفن ببركة جهاد ومقاومة الأفغانيين الأبطال ـ على شعوبها ومفكريها ومنوريها بأن ينتفضوا من أجل نجاتها ويسدوا الطريق أمام حماقات عدد من هؤلاء لورادات الحرب السياسيين قادة بلادها، وبعملهم هذا يكونوا قد نجوا بأنفسهم وصاروا مانعين لتسعير نيران مشتعلة في العالم.
الإمارة الإسلامية وفقاً لمصيرتها الجهادية تعتبر الوقف في وجه إحتلال المحتلين الحق الشرعي والقانوني لنفسها، ولعقيدتها وبلدها وشعبها وأنْ تسد هجومهم، وتقتل الغزات في خنادق الدفاع، وتضرب أعناقهم وكل البنان، وأن تأسرهم، وتثكل عليهم أمهاتهم.
نعم الإمارة الإسلامية قد فعلت ذلك، وأثبتت هذه الحقيقة بنصرة من الله ومن ثم مساندة شعبها المسلم خلال السنوات الثمان الماضية أمام الجميع، وإنْ كان حكام البيت الأبيض التائهون لا يقبلونها، ولايسلمونها، فليستمدوا إيضاحاتها من تصريحات جنديهم الأسير، أو أن يستفسروا من تلك الجماجم والأشلاء المتناثرة للأجساد بلا أرواح المعيدة إليهم في توابيت من أفغانستان.
عسى أن تحدثهم بلسان الحال والواقع بحديث فيه رسالة واضحة للفوز والإنتصار الحتميين للأفغان المظلومين على جميع المحتلين والغزات الظالمين.
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿105﴾ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿106﴾ الانبیاء