مقالات الأعداد السابقة

ألا زالوا مجاهدین و إن وقفوا تحت رایة الصلیب؟

إنّ تسمیة المجاهد لیست اسماً خاصاً إذا تسمّی به إنسان لا ینفصل عنه أبداً كالاسم الذي یسمیه به أبواه، بل هو وصف لمن یجاهد في سبیل الله تعالی، فمن كان یجاهد في سبیل الله لإعلاء كلمته فهو مجاهد، ومن ترك الجهاد فهو قاعد، ومن تثاقل عنه في منتصف الطریق فهو متخاذل، ومن لحق من صف الجهاد بصف الكفار مختاراً غیر مكره فهو مرتد وزندیق، ومن قاتل المسلمین تحت رایة الكفار فهو منهم وإن ادّعی الإسلام .
إلاّ أنّ الوضع یختلف عن هذا في أفغانستان، حیث إذا جاهد المرء مرّة في سبیل الله یلتصق به هذا الاسم وإن ترك الجهاد فیما بعد، أو حارب الإسلام والمجاهدین، أو رضي بالديمقراطية الغربية، أو دخل في تحالف مع الكفار المحاربین، أو اشترك في حكومة الاحتلال، أو قاتل المسلمین المجاهدین تحت رایة الصلیب، أو رضي بالقوانین الكفریة، أو وقّع علی اتفاقیات العمالة والذلّ مع الدول الصلیبیة المحتلة، أو مهّد لنشر الفجور والخلاعة والمجون في البلد.
فإنّه علی الرغم من كلِّ ذلك یعتبر نفسه مجاهداً وإن ارتكب جمیع هذه الموبقات.
وهذا ما حدث بالفعل لمن كانوا یُسمَّون بالأمس قادة المنظّمات الجهادیة الأفغانیة .
إنّ الجهاد الأفغاني بالأمس ضدّ الروس والذي كان یقوده هؤلاء القادة النفعیون الذین أتّخذوه مطیة للوصول إلی المكاسب السیاسیة، والفوز بالمناصب الحكومیة التي كانوا لها في سباق خطیر ناسین مقاصد الجهاد الحقیقیة، ولم یمتنعوا في سبیل الحصول علیها عن التحالفات مع الشیوعيین والعلمانیین، والقومیین، والفرق الضالة الأخرى.
كان مأمول الشعب الأفغاني من هؤلاء القادة أن یقودوا جهاده نحو العزّ، والحرّیة، ونحو إقامة الحكومة الإسلامیة وتطبیق شرع الله فیها، ولكنهم خانوا العهد، وحوّلوا المنظّمات الجهادیة إلی الشركات الاقتصادیة والاستثماریة الخاصة بهم وبعائلاتهم، واعتبروا أموال الجهاد ثروة شخصیة لهم، وألقوا جهاد الشعب المسلم في حضن التحالف الصلیبي الغربي، ورضوا بأن یكونوا
وزراء وعملاء ونوّاب، وقادة الملیشیات في حكومة الاحتلال الأمریكي لأفغانستان.
ولكنهم علی الرغم من كل ذلك یعتبرون أنفسهم (مجاهدین) ویتمسّكون بهذه التسمیة وكأنّها وصف أبدي لهم لن ینفصل عنهم وإن ارتكبوا كل الجرائم.
إنّ الجرائم العظیمة التي ارتكبها قادة هذه المنظمات في حق العشب الأفغاني هي حوّلتهم من كونهم مجاهدین إلی المفسدین في الأرض، وإلی قادة منظمات (المافیا)، وصارت تبیح لنفسها كلّ شيء للوصول إلی بغیتها وإن كان ذلك علی حساب العقیدة والشریعة والثوابت الإسلامیة.
إنّ سجلّ جرائم هؤلاء المنحرفین الأسود طویل، وسنذكر للقراء بعض أهمّ النقاط منها لیتّضح منها هل هم(مجاهدون) یستحقون التقدیر والاحترام؟ أم هم مجرمون وخونة یجب أن یُحاسَبوا محاسبة في الدنیا قبل الآخرة ومن جرائمهم مایلی:
1 – التناحر والاقتتال الداخلي وتفریق كلمة الشعب الأفغاني خلال سنوات الجهاد حیث أضاعوا ثمرة الجهاد، وحرموا المسلمین في هذا البلد من قیام الحكومة الإسلامیة بعد سقوط الشیوعیة علی الرغم من تقدیم هذا العشب المسلم ملایین الشهداء في سبیل إقامة حكم الله تعالی .
2 – التحالف مع بقایا الشیوعیة في أفغانستان وتمكین الجنرالات الشیوعيین ودعاة القومیة النتنة من المناصب والصلاحیات في منظماتهم، وكانت النتیجة لهذا العمل الخیاني والإجرامي أن تحوّلت منظماتهم الجهادیة إلی المنظمات السیاسیة العلمانیة والقومیة التي انحرفت عن أهداف الجهاد وصارت تستحلِّ كل خیانة وجریمة في سبیل الوصول إلی الحكم.
وبعض هذه المنظمات لم تقف في هذا الحدّ، بل تجاوزته إلی بناء العلاقات مع (روسیا) التي كانوا یقاتلونها إلی الأمس.
3 – محاربة الحكومة الإسلامیة التي أقامتها حركة (الطالبان) الإسلامیة.
إنّ الشعب الأفغاني كان قد وقف في سنوات الجهاد مع هذه المنظمات، وأیدتها بالنفس والمال، وصبر معها علی المشقّات في الهجرة والجهاد، وتحمّل أذاها في الحرب الداخلیة التي أشعلها زعماء هذه المنظمات علی أمل أن تعود یوماً إلی رشدها وتتصالح فیما بینها لتُقیم الحكومة الإسلامیة، ولكنها آثرت المصالح الحزبیة والقومیة والمادّیة علی إقامة حكم الله تعالی في هذا البلد، فما كان من الشعب إلاّ أن انتفض في شكل حركة (الطالبان) ضدّ هذه المنظمات التي كانت قد تحوّلت إلی عصابات الشر والفساد، فبدل أن تستسلم هذه المنظمات إلی حكم الله تعالی وتضع یدها في ید حركة (الطالبان) الإسلامیة بدأت تطلب المساعدات المالیة والعسكریة، والسیاسیة من الدول الكافرة لمحاربة حكومة (طالبان) الإسلامیة، وطرقت أبواب (روسیا) و(أمریكا) و(الإتحاد الأوروبي) و(مجلس الأمن) و(هیئة الأمم المتحدة) لتؤیّدها في محاربة من أقاموا حكم الله تعالی في هذا البلد.
وهكذا مهّدت هذه المنظمات طریق التدخل للغرب في شؤون أفغانستان والتي أدّی في النهایة إلی احتلالها عسكریاً وسیاسیاً من قِبَل الغرب.
4 – وبعد أن احتلّ التحالف الصلیبي أفغانستان بقیادة أمریكا اشتركه جمیع تلك المنظمات سوی بعض الأفراد القلائل منها في حكومة الاحتلال، وجلس زعماؤها جنباً إلی جنب في الحكومة مع المحتلّین والعلمانیین، والشیوعیین، والقومیین، والفرق الضالة، ومن جاء بهم الغربيون من أبناء الديمقراطية الفاجرة من الأفغان المغتریبن، وجنّدت تلك المنظمات أتباعها وأوباشها، كجنود وملیشیات إلی جانب المحتلین لمحاربة المجاهدین الذین یقاتلون الصلیبیین. ولكنهم علی الرغم من كلّ ذلك یعتبرون أنفسهم (مجاهدین).
إنّ هؤلاء الذین لازالوا یعتبرون أنفسهم مجاهدین رضوا بالاحتلال الغربي للبلد، وقبلوا بالدستور العلماني الذي وضعه المحتلّون لهذا البلد، وساعدوا المحتلّین في إرساء دعائم التغریب والقضاء علی الهویة الإسلامیة لسكان هذا البلد المسلم عن طریق عاصفة من وسائل الإعلام المرئیة، والمسموعة، والمطبوعة، وفتحوا أبواب البلد بمصراعیها أمام جمیع الأفكار والنظریات الكافرة والفاجرة، بل ووقفوا إلی جانب المنصّرین ومكنوهم من دعوة التنصیر في هذا البلد.
ولكنهم علی الرغم من كل ذلك لا زالوا یعتبرون أنفسهم (مجاهدین) دون أدنی استحیاء من الله ومن عباده المؤمنین.
لم یكتف هؤلاء (المجاهدون؟!!!) بالعمالة للمحتلّین، بل وقّعوا علی الاتفاقیات الإستراتیجیة والأمنیة مع الدول الغربیة، والتي تحكم ببقاء القوّات الغربیة إلی أمد بعید لحمایة هولاء (المجاهدین؟!!) من بطش الشعب الأفغاني المسلم ومن محاسبة (الطالبان) لهم.
ومن العجب في أمر هؤلاء (المفسدین) أنّ معظمهم ینتسبون إلی العلم الشرعي أو الروحانیة.
ولكنّ علمهم أو انتسابهم إلی الإرشاد والإصلاح لم یمنعهم من الوقوف إلی جانب الكفار.
والأغرب من ذلك هو أنّ المحتلّین یسعون الآن لإجراء المحادثات مع حركة طالبان الإسلامیة التي تحارب المحتّلین ویسعون لإقامة الحكومة الإسلامیة، ولكنّ هؤلاء المجرمین مثل (سیاف) و(اسمعیل خان) یصرّون علی الحرب، وینادون بصلب، جثث شهداء المجاهدین علی أبواب (كابل).
وبدأوا یطلبون من الغربیین تسلیح أحزابهم وملیشیاتهم لمواصلة الحرب ضدّ طالبان بعد عام2014 م أي بعد خروج القوّات الغربیة المحاربة من أفغانستان.
وآخر ما توّصلت إلیه هذه المنظمات والأحزاب العمیلة هي أنّها طمأنت الدول الغربیة المحتلّة بأنّها سوف تقاتل للحفاظ علی مكتسبات المحتلّین العسكریة والسیاسیة والفكریة والتعلیمیة في أفغانستان، وأنّها لن تترك جهود المحتلّین لتذهب سدیً، ولذلك یحاول الغربيون أن یجمعوا شتات هؤلاء المفسدین إلی جانب بعض طمّاعي السلطة الآخرین لیسلّموهم الحكم في هذا البلد بعد رحیل القوّات المحتلّة بشرط أن یقبل هؤلاء المجرمون وصایة الغرب علی مستقبل أفغانستان.
ولا یُستبعد أن یُسلّموا الرئاسة في هذه المرّة إلی شخصیة (جهادیة؟!!) جدیدة تتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة التي سیترك فیها الغرب الحرب بین (المجاهدین) الذین یحاربون تحت رایة الصلیب، وبین المجاهدین الذین یقاتلون في سبیل الله تعالی لتكون كلمة الله هي العلیا، ویمكرون ویمكر الله والله خیر الماكرین.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى