مقالات الأعداد السابقة

أمريكا ومصير الأفغان المتعاونين معها

د. أحمد موفق زيدان

 

كشفت التحقيقات الصحفية الأمريكية الأخيرة عن زاوية مهملة جديدة من زوايا إفرازات الحرب الأفغانية التي استمرت لعقدين من الزمن، إذ إنه بعد أن خال المتعاونون مع القوات الأمريكية طوال هذه الفترة أنه بوصولهم إلى أمريكا قد حُلت جميع مشاكلهم، وقد فتحت لهم آفاق حياة جديدة، يفاجأ اليوم غالبية 85 ألف أفغاني الذين وصلوا إلى الأراضي الأمريكية بحياة صعبة وقاسية، إن كان بتأمين المسكن أو بتأمين العلاج الطبي، وحتى بتأمين لقمة العيش، وغيرها من ضرورات الحياة، فضلاً عن صعوبة البعض في الحصول على الإقامات والتحرك العادي، وهم الذي يرون بأنهم دفعوا وسيدفعون أثماناً باهظة نتيجة وقوفهم طوال تلك الفترة مع الوجود الأمريكي في أفغانستان.

يقف على رأس هؤلاء ما تسمى بقوات وحدات الصفر المعروفة بشراستها في المعارك، وحسن تنظيمها، وأدائها ضد قوات طالبان طوال فترة الوجود الأمريكي في أفغانستان، وقد فقد الكثير ممن وصلوا إلى الأراضي الأمريكية أطرافهم بسبب الحرب، والدفاع المباشر عن عناصر القوات الأمريكية، وقد أشار كثير من الضباط الأمريكيين إلى عظم دورها طوال فترة الاحتلال الأمريكي، لكنها اليوم تجد نفسها هذه القوات مخذولة ممن دعمته ووقفت إلى جانبه طوال تلك السنوات الصعبة، وقد تخلت عنها الدول التي وقفت إلى جانبها، في الوقت الذي ينظر إليها شعبها، فضلاً عن الحكومة الأفغانية الجديدة على أنهم عملاء ينبغي التعاطي معهم على هذا الأساس، وهو الأمر الذي لن يمس الأفراد، وإنما سيلحق العار إلى أبنائهم وأحفادهم في مجتمع قبلي تقليدي، أساس علاقاته العزة والكرامة، والعلاقات الاجتماعية.

حالة الإحباط هذه انعكست على البعض حين تحدثوا لصحيفة الواشنطن بوست أن بعضهم بدأت تراوده فكرة الانتحار، بعد أن بات يشعر بمرض الغربة والبقاء بعيداً عن الوطن والأهل، ووصل الأمر ببعضهم إلى التفكير بالعودة إلى أفغانستان ودفع الثمن الباهظ الذي ينتظره، وكذلك التوجه إلى إيران نتيجة حاجز اللغة الذي يواجهونه، وذلك بعد أن تعذر اندماجهم مع المجتمع الأمريكي، وعلى رأس عملية الاندماج هذه الانتظار طويلاً دون تسوية مشكلة الأوراق الرسمية التي يواجهونها منذ أكثر من سنة.

حالة الأفغان هذه ليست بأقل من حالة الأفغان الآخرين الذين استقبلتهم دول أوروبية عدة بعد الهروب الكبير من أفغانستان، والتي دفعت البعض إلى التعلق بأذيال الطائرات الهاربة، وهو الأمر الذي بات يضع حالة المتعاونين مع الاحتلالات على الطاولة الدولية والمحلية وبشكل قوي، وقد رأى الكثيرون حال عملاء أنطوان لحد في جنوب لبنان بعد انسحاب القوات الصهيونية من جنوب لبنان، وكيف تمت معاملتهم، وكيف اشتكوا من حالة التمييز فضلاً عن التعامل الاحتقاري الذي ظهر من قبل الكيان الصهيوني بحق كل من هرب وفر من جنوب لبنان، ولجأ إلى أسياده الذين تعاملوا وتعاونوا معهم طوال فترة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، الأمر الذي انعكس برأي الكثيرين على واقع اللبنانيين في الحذر من التعامل مستقبلاً مع هذا الكيان.

مثل هذا الواقع لن تكون تداعياته على أمريكا أو على الغرب، ولا حتى على الكيان الصهيوني وإنما ستكون تداعياته أبعد من ذلك بكثير، بحيث سيفكر العملاء كثيراً قبل أن يتعاونوا مع أسيادهم المحتلين ضد شعوبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى