مقالات الأعداد السابقة

أمير المؤمنين الذي أعرفه (2)

المهاجر الفراهي

 

إن انسجام قوات متفرقة واجتماعها مرة أخرى تحت راية واحدة من بولدك إلى حيرتان، ومن طورخم إلى شيرخان، ومن شرق البلاد إلى غربها، ومن الجنوب إلى الشمال أمر عظيم جلل حقا، فقد استجمعت الإمارة الإسلامية قواها مجددا كما أن تغيير المسؤولين وتنفيذ القرارات في مثل تلك الحالة كان أمرًا خارقًا للعادة وخلافا لكل التوقعات.

كانت مرحلة حرجة للغاية إذ القيادة تتعرض لرقابة شديدة وكان التواصل بالمسؤولين محدودًا، وفي كل لحظة يُتوقع أن يكشف العدو مكان تواجد الأمير.

توجيهات أمير المؤمنين كانت تدور حول اللطف بالناس والرفق بهم واللين معهم، ذات مرة قال لنا: تلطفوا مع الناس ولا ترتادوا بيوتهم أثناء الليل، ولا تؤذوهم أو تزعجوهم أمام أطفالهم وذويهم. وأردف قائلا: المشهد الأكثر حزنا بالنسبة لي، أثناء فترة الحجر والإغلاق بسبب جائحة كورونا، أنني كنتُ أفكر ماذا لو حاصرنا العدو واشتبكنا معهم داخل البيت، وقُتلت أمام الأطفال، ستبقى هذه الصورة في أذناهم لفترة طويلة.

حين توالت سلسلة الفتوحات في أفغانستان، كان الجميع يترقب أن تعم الفوضى أرجاءَ البلادِ وتُنهَب ثرواتُ الدولةِ والسفارات والمنظمات الدولية ويستولي الناهبون على ممتلكات الشركات والأسواق والبنوك والبورصات ومحال الصرافة، وانتزع منا الخوفُ السائدُ بشأن حدوث كارثة داخل المدن فرحة الانتصار والفتح وهزيمةِ العدو؛ لأننا شهدنا العديد من الانقلابات والثورات وسقوط الأنظمة خلال العقود الثلاثة المنصرمة؛ حيث عمّت أنحاء البلاد الفوضى والاضطرابات وأعمال النهب والسرقةِ والدمار. إلا أنه لم يحدث أي شيء من هذا القبيل في تحرير أفغانستان، بل تمكّنت الإمارة -وله الحمد- من تولّي زمام الأمور في البلاد دون حدوث حالة فوضى.

كما أننا قلما نجد نظيراً لذلك العفو العام الذي أعلنت عنه الإمارة الإسلامية وشمِل الجميع، وتمت إدارة هذه القضية على أحسن وأكمل وجه بفضل الله ثم بالإدارة الحكيمة لقيادة الإمارة الإسلامية.

هل فكرتم كيف دخل الفاتحون المنتصرون المدن والقرى الأفغانية خلال أيام التحرير؟!

هؤلاء الذين قُتل وجُرح وأسر منهم الآلاف والآلاف خلال عشرين عاما بكل وحشية من قِبل أولئك الذين شملهم العفو، وأولئك الذين حملوا السلاح الأمريكي، وخططوا مع المحتلين لقتل وإبادة هؤلاء الفاتحين!!

وبدل أن ينتقم الفاتحون من هؤلاء ويبيدوهم عن بكرة أبيهم ويريقوا دماءهم، وخلافا لكل التوقعات، أصدر زعيم الإمارة الإسلامية الشيخ هبة الله آخوندزاده عفوًا عامًا لكل من يضع السلاح ويكف عن قتال المجاهدين؛ فالتزم القطاع العسكري التابع للإمارة الإسلامية بهذا القرار. وكم يصعب تحمّل هذا المشهد أن ترى قاتل أخيك والسلاح بيدك، وليس هناك ثمة مانع، إلا أنك تلتزم بأمر الأمير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى