
أنقذوا بقايا مضايا
إن ما یجري في بلدة مضايا السورية من حصار خانق لسكانها لسبعة أشهر، وتجويع غير مسبوق للأبرياء المدنيين الذين لا ناقة لهم في القضايا ولا جمل إلى حد أن يلجأوا إلى أكل أوراق الأشجار والحشائش، وما تحكيه الصور المروعة التي تبث في مواقع التواصل الاجتماعي عن أوضاع سكان هذه البلدة المأساوية، شيء يستفز كل إنسان حي الضمير، ويبكي حتى الشجر والحجر. وإن دل على شيء فإنما يدل على موت الضمير الإنساني في الدول الإسلامية والعربية، دعنا عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي لن يحرك ساكناً تجاه هذه المجازر والمآسي بعلل واهية وحجج غير منصفة.
إن كل ما يجري في سوريا وبالأخص في هذه البلدة، وبلدات أخرى سورية، يقع تحت مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والدول الإسلامية، وقد ترتفع صيحات المنكوبين آملة أن تجد كلمة مسموعة أو إغاثة من طرف دولي أو إسلامي، ولكن الصيحات والنداءات تذهب سدى!.
إن هذا الإهمال وهذا الصمت يعرّي الضمير العالمي الذي يتقلب في ألوان النعيم بينما يموت أهالي بلدة مضايا جوعاً، وإن هذه جريمة في حق البشرية لا تغتفر، وأمر لا ينبغي السكوت عليه.
والعجب أن العالم المعاصر استنفد طاقته في رعاية الحيوانات والتفاني في الحفاظ عليها، بينما يتجاهل آلافاً من البشر يموتون بأبشع صورة دون مبرر، ودون أن تكون هناك مبادرة لإنقاذهم أو دفع العدوان عنهم.
دعنا من ما ذاقه الشعب السوري من صنوف العذاب والإذلال والإهانة، ودعنا من ما عاناه من تهميش وإقصاء، ودعنا من ما غصّت به السجون السورية من الأجساد التي فتكت بها أساليب التعذيب، ودعنا من قتل الشعب السوري بالكيماوي وغاز الكلور والبراميل المتفجرة، دعنا عن كل ذلك؛ فإن ما يجري في بعض البلدات السورية كمضايا والزبداني ومخيم اليرموك وغيرها هو إبادة جماعية بكل معنى الكلمة، ومأساة يقل نظيرها في التاريخ البشري المليء بالحوادث المريعة، ووصمة عار في جبين الذين يتقلبون في النعم والرفاهية وبإمكانهم إنقاذ المصابين لكنهم لا يحركون ساكناً لأجل مصالحهم ولأجل الجبن الذي في داخلهم.
لن يكون للمجتمع الدولي دور في إنقاذ الشعب السوري من هذه المأساة التي يعيشها، وقد ثبت أنه -وإن كان يظهر التعاطف- يخطط وراء الكواليس لإطالة أمد الصراع وقتل أكبر عدد ممكن من الشعب.
وهنا تتوجه المسؤولية إلى العقلاء من قادة العالم الإسلامي الذين بقي فيهم مسكة من العقل ومن الغيرة الإسلامية في أن يبادروا إلى إنقاذ المجوَّعين، والخروج بالشعب السوري من هذه الأزمة التي أحرقت الأخضر واليابس، وليتذكروا أن “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثل الجسد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”.
فمن لبقايا مضايا الذين أحاط بهم الموت إحاطة السوار بالمعصم، ومن ينقذ الشعب الذي قارب على الموت وفقد الأمل بمقومات الحياة، وبدأ يئن ويحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة، فهل من مسلم فيه أدنى غيرة يشاركهم في دعواته، وهل من قائد ذو ضمير إنساني يفكر في إنهاء الأزمة وينهي أمد الصراع بعبقريته وحنكته؟ّ