
أهؤلاء الغربيون يريدون بناء وطننا؟
أبو غلام الله
إنّ الناظر في أحوال الشعب الأفغاني المظلوم ليراه شعباً مكروباً مأزوماً، تمزّقه صراعات التنافس وضغائن الإيدولوجيات، وأطماع الصليب، والشيوعية والعلمانية، فأصبح بين فكي كمّاشة.
احتلّ الصليبيون وأذنابهم بلاد الإسلام، وإن ادعوا عمارتها وبسط الديموقراطية ومكافحة جهل أبناء الشعب الأفغاني، فأتى أحفاد الذين تخرّجوا من الكنيسة الغربية التي تاريخها حافلٌ بمآسٍ ومواقف سلبية، وقفت فيها إلى جوار الجهل ضدّ العلم، وإلى جوار الاستبداد ضدّ التحرّر، وإلى جوار الملوك والإقطاعيين ضدّ الشعوب والفئات الضعيفة، وقامت محاكم التفتيش تعذّب كل ذي علمٍ أو فكرٍ جديد، وتحرق العلماء أحياءً وأمواتاً، وتفرض الظلم والظلام على المجتمعات باسم الدين.
أهؤلاء الغربيون يريدون بناء وطننا، على الرغم من أنّ أنباء الصباح والمساء والظهيرة تحمل إلى المسلم الغيور كل يوم عن إخواننا في أفغانستان ما يزلزل قلبه زلزالاً شديداً، وما يعصر قلبه من الألم عصراً، وما يكوي كبده بالأسى والحسرة كي النّار أو ما هو أشدّ إيلاماً.
إنه الثالوث الجهنمي الرهيب – بتعبير أحد الدعاة – يتآمر على أمتنا، وتتداعى علينا قواه كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ثالوث اليهودية والصليبية والشيوعية، الذي اصطلح أهله على حساب وجودنا، وتمّ وفاقهم على أن يقتسموا المغانم، ويكون علينا المغارم، بل على أن يكونوا هم الجزّارين ونحن الضحايا.
وأدهى وأمرّ وأنكى وأضرّ أن محنة الشعب الأفغاني لا تقتصر اليوم بتسلّط المحتلين على بلادنا الحبيبة فحسب، وتنصيب الرؤساء الذين هم من مرتزقة الغرب وعبيده، بل تعدّت ذلك إلى التربية فسُخّرت المناهج الدراسية وكراسي الجامعات والصحف والإذاعات والقنوات والمواقع لمسخ الأفكار والقِيم، حتى غدا صيد المخططات في سرور، يحسب نفسه في انعتاق من أسر القديم، أي قديم كان.
وعلى هذا الغرار يحاول المجرمون الفاسدون أن يفسدوا الشعب الأفغاني والجيل المثقف، فأخذوا يحولون المجتمع الأفغاني إلى فتات غارق في وحل الجنس والفاحشة والفجور، وصارت تلك سياستهم أي (سياسة محاربة المساجد بالمراقص، ومحاربة الزوجات بالمومسات، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر، ومحاربة فنون القوة بفنون اللذة) وحي القلم، ج:2، ص:258.
وهكذا تحول – بهذه التربية- ذلك الصقر الإسلامي إلى مثل طائر الحَجَل في وداعته كما يقول “إقبال”، إنه الأدب “والترويض” الذي استعمله أئمة الضلال، أدبٌ:
يَسْلبُ السَّرْوَ جميلَ الميل ** ويرد الصقر مثل الحَجَلِ
يسخر الركبان باللحن المبين ** ولقاع البحر يهوي بالسفين
نَوَّمَتْ ألحانهُ يقظتنا ** أطفأت أنفاسُه وَقْدَتَنا
إنّ ( بفطرته نَفور من الذل، آبٍ على الحيف، ولكن تحيط بالناس أحوال، وتتوالى عليهم حادثات، فيُراضون على الخضوع حينًا بعد حين، ويسكنون إلى الخنوع حالًا بعد حال، حتى يدربوا عليه، كما يُستأنس السبعُ، ويؤلف الوحش، ولكن يبقى في الناس ذرات من الكرامة، وفي الدماء شذرات من الجمر، فإذا دعا الداعي إلى العزة، وأذن بالحرية، وأيقظ الوجدان النائم، وحرَّك الشعور الهاجد: نبضت الكرامة في النفس، وبَصَّت الجمرة في الرماد، وأفاقت في الإنسان إنسانيته، فأبى وجاهد، ورأى كل ما يلقى أهون من العبودية، وأحسن من هذه البهيمية.
كل ذل يصيب الإنسان من غيره، ويناله من ظاهره: قريب شفاؤه، ويسير إزالته، فإذا نبع الذل من النفس، وانبثق من القلب، فهو الداء الدوي، والموت الخفي.
ولذلك عمد الطغاة المستعبِدون إلى أن يُشْربوا الناسَ الذل، بالتعليم الذليل، والتأديب المهين، وتنشئة الناشئة عليه بوسائل شتى، ليُميتوا الهمة، ويُخمدوا الحمية، وإذا بيدهم العصا والزمام). “الشوارد” لعبد الوهاب عزام ص (318).