أهؤلاء هم الطالبان الذین سمعنا بأنهم السفاكون و…؟!!!
ما أحلی أن ینال المرء بغیته وأمله التي كان بإنتظارها منذ أمد بعید، فتساعد الظروف الآن وتتهیأ كي یصل المرء إلی شيء بسیط من آماله التي كان انتظارها أمرّ وأنكی من الموت.
نعم؛ في 12 خلون من شهر شعبان المعظم 1434هـ.ق، قد نلت بدایة آمالي لا كلها كما كان یقول لي أخ: قد نلت بأمانیك؛ لأن الوصول إلی معسكر التدریب والتدریب فیه لایكون بمثابة نیل المجاهد بجمیع آماله.
فالذكریات من الأیام التي قضیتها في أرض الجهاد تملأ الذاكرة وصورها تزخم الخیال حیث لو كانت في مخیّلة كاتب نطاسي عبقري لألّف مجلدات ضخمة، فكل لحظة في الجهاد، وكل دقیقة ذكري خالدة، ومذاكرتها عندي أغلی وأحلی من جمیع ملذات الدنیا.
ذكریات طالما تهیجني، وتلهب نار الغرام في كیاني، وتحرضني كي أسرع السیر والرجوع مرّة أخری إلی تلك المیادین المباركة العطرة، وخنادق الحق العبقة، و أصنع من دمي فخّاً لطائرة الشهادة، و أصیدها دون تردد.
ذكریات تعسّر لي الركون ههنا، وتصعب لي المكوث عند أسرتي إلی لقاء آخر یسنح لي فیه الفرصة للذهاب إلی تلك الساحات النضالیة.
أجل؛ قضیت شهراً وبضع أیام في التدریب والرباط في سبیل الله أرجوالله أن یتقبلها مني ثم رجعت إلی بیتي، فحدثت لي في وسط الطریق حادثة عجیبة مع الرجل الذي لم أكن أتوقع منه هذا الموقف العجیب.
وطبعاً عندما كنت أرجع من میادین الجهاد كنت علی زي الأفراد العادیین ولم یكن معنا السلاح، فكان هذا الرجل لایعرف بأننا من الطالبان، وكان ترف علیه النسمة الثلاثین من ربیع حیاته، وكان من قبیلة أوزبك، تلك القبیلة التي صارت الآن مثلاً بالمخالفة والتمرد للإمارة الإسلامیةوأفرادها، فسمعته یقول: سمعت من أقربائي بأنك لوذهبت إلی بلاد الجوار للعمل فیلزم علیك أن تذهب إلی ولایة نیمروز، فإذا وصلت هنالك فلابد علیك أن تذهب من نیمروز إلی الصحاري والقفار الواسعة الرملیة، وتتواجد هنالك حواجز طالبان في وسط الرمال الكثیفة، فهم یظلمون الناس ویعذبونهم أشدّ العذاب، كما أنهم لایبخلون من أي جهدٍ لإیذاء المسافرین و….
فلما سمعت هذه الأقاویل هرعت في نفسي وخفت علی حدٍ لا یوصف …
ولكن لما وصلنا إلی الحاجز لم نری ضرباً ولا ظلماً ولا إهانة ولا أي إیذاء، ولما وقفت سیارتنا لدی الحاجز أمام الطالب الملثم، حیّانا بأحسن التحیة، فخجلت جداً لماذا لم نقدّم نحن أولاً بالسلام إلیه. فبمجرد تحیته المباركة زالت عني جمیع المخاوف التي التفتني من قبل، فقلت معي: أهؤلاء هم الطالبان الذین كنا نسمع عنهم من قبل كیت وذیت…!
ثمّ فتشونا تفتیشاً لم أری مثله قبل ذلك! كانوا لایفتشون الشیوخ، وإذا كانت في السیارة امرأة لایقتربون منها أصلاً … فبعد هذا المنظر ارتسمت علی شفتي ابتســــــامة
عریضة، فسألني المفتش: مابالك تبتسم؟
فقلت: سمعت عنكم كذا وكذا ولكني أراكم عكس ذلك تماماً.
كان طریقنا طویلاً وشاقاً مریراً، وكانت الأیام أیام رمضان فلم نقدر الصوم، فخفنا بأن لایحس الطالبان عنا بأننا لسنا صائمین كي لایضربونا .. إذ فوجئنا بنداء واحد منهم ینادي بأعلی صوت: أیها المسافرون أمامكم طریق طویل فإنكم معذورون ولابأس علیكم بإفطار الصوم .
فألقیت نظراً مترامي الأطراف یمینا وشمالاً وجنوباً فلم أری سوی أكمام الرمال الحارة، والحرّ كان لاذعاً جداً، فقلت معي: یا الله كیف منحت هؤلاء الصبر .. نحن عندما كنا في الطریق شربنا من نیمروز إلی ههنا عشرات العلبة من المیاه الباردة وأما هؤلاء في هذه الصحاري وسط الرمال الحارة یؤدون مهمتهم كي تصون وتحفظ أعراض المسلمین وأموالهم.
(ولا ینسی بأنّ هذه المنطقة كانت قبل مجيء الطالبان إلی ههنا، ملیئا من قطاع الطرق الذین كانوا یقتلون المسافرین ویسلبون منهم كل الغالي والنفیس، ولوكانت معهم امرأة یتوغلون في عرضها و…، فسمع أبطال الإمارة الإسلامیة عن هذه الكوارث، فجاؤوا إلی هذه المنطقة رغم الحر الشدید في الصیف، والقرّ اللاذع في الشتاء؛ لأنّ المنطقة كلها رملیة ولایوجد هناك أي ظل، ولایستطیع المجاهدون أن یبنوا هناك أي بناء من أجل الأمور الاحتیاطیة وإجراء الأمنیات كي لایجيء قصف العدوّ، ولكنهم طوال السنة یقضون هنالك أیامهم كي تصون دماء المسلمین وأموالهم وأعراضهم من قطاع الطرق، فلله درهم وعلی الله أجرهم)
ویقول هذا المسافر: لم یكن هناك بئر كي یستفید منه المجاهدون؛ بل كان السائقون یأتون لهم بالمیاه من نیمروز وأما للصلاة فهم كانوا یتممون، ویعلم الناس جمیعاً لولم یكن الطالبان علی تلك الرمال الحارة لنهب قطاع الطرق كل أموالهم .
وأسرد متعجباً: قد كان لي صدیق في السیارة، فرأیت طالباً أخذ بیده وذهب به إلی أبعد منا، فتكلم معه شیئاً ثم خلّی سبیله.
فلما جاء صدیقي سألته لماذا ذهب بك، وماذا قال لك؟
فأجابني بأن جوالي كان ملیئاً من الأفلام الماجنة والخلیعة، فنحاني إلی زاویة كي لایفشی سري، وقال لي: یا أخي نحن كمسلمین لا یجوز لنا بل ومحرم علینا مشاهدة هذه الأفلام الماجنة.. إذن یجب علیك أن تمسحها من جوالك.
فقلت یا سلام! من هؤلاء … یحتاطون إلی حدٍّ كي لا یفشوا سرّ العاصي والمذنب …
أهؤلاء هم الطالبان الذین سمعنا بأنهم السفاكون و…. فو الله انجذبت إلیهم وتأثرت علی حدّ ما أردت أن آخذ السلاح وأقف معهم!