
أوباما .. الرجل الخفاش
الزيارات الليلية المفاجئة للرئيس أوباما -الرجل الخفاش (أو بالأحرى خفاش مطار باجرام)- الذي لا يزور أفغانستان إلا في جنح الظلام في زيارات سرية، غير معلنة، وغير معلومة للسلطات الأفغانية، ولا حتى لرئيس الدولة “المنتخب ديموقراطيا” !، تعكس مدى الخوف وانعدام الثقة، وفشل المشروع الإستعماري الأمريكي في هذا البلد الصامد، الذي هو حقاً مقبرة الغزاة على مدى التاريخ. ذلك الفشل ليس أقل من الهزيمة العسكرية في أفغانستان بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات رهيبة على الصناعات العسكرية الأمريكية المعتمدة على التكنولوجيا المتطورة. والأسوأ هو تأثير هذه الهزيمة على سياسة أمريكا الخارجية المرتكزة على قوتها العسكرية في بسط نفوذها الإقتصادي والسياسي حول العالم. فمنذ فترة، بدأ الحديث حول تغيير طبيعة الحروب الأمريكية العدوانية ودخولها مرحلة جديدة أقل إعتماداً على القوات المسلحة خاصة القوات الأرضية. بل اعتمادها سيكون على وسائل أخرى إستخباراتية وإقتصادية وإعلامية، تتمحور بشكل متزايد حول إشعال الحروب بين الدول، والفتن الداخلية بين أبناء الشعب الواحد، وإسقاط الأنظمة بالحروب الأهلية والثورات الملونة.
بشكل ما، يكرر أوباما أخطاء غورباتشوف في أفغانستان. فقد وصل الأخير إلى سدة الحكم في موسكو عام 1985 وكان من الواضح تماماً له ولقيادات الجيش وللسياسيين السوفييت أن هزيمتهم في أفغانستان محققة. ولكن بدلاًمن الإنسحاب، قرر المجازفة بتصعيد الحرب واستخدام المزيد من الأسلحة الحديثة التى كانت قيد التطوير، خاصة في سلاح الطيران، على أمل أن يغير ذلك من مسار الحرب ويحفظ هيبة الجيش والإستخبارات، وبالتالي تبقى الإمبراطورية السوفيتية على قيد الحياة لفترة أطول.
كان تأخير الإنسحاب السوفيتي سببا في إنهيار الإمبراطورية التي دفعت ثمناً أعلى في حرب طاحنة لعدة سنوات إضافية لم تفدها بشئ، بل على العكس، إذ كانت سبباً في مضاعفة آثار الهزيمة. وحتى بعد إنسحاب الجيش الأحمر في فبراير 1989، إعتمد السوفييت على الجيش المحلي المتصدّع الذي أنفقوا عليه المليارات، إلى جانب جهاز الإستخبارات الدموي “واد”، كما احتفظوا بخبراء عسكريين في كابل أداروا بطاريات الصورايخ من طراز سكود، وأداروا مجهوداً جويا بالطائرات الحديثة المنطلقة من قواعد داخل الأراضي السوفيتية. واستمر هؤلاء الخبراء في العمل حتى قبيل تحرير العاصمة كابول.
ويكاد أوباما أن يكرر حرفياً نفس دروس الفشل، فزاد قوات جيشه في أفغانستان بدلاً من سحبها. وهو الآن بعد الإنسحاب المتأخر يرغب في إبقاء “قوات رمزية” تدير حرباً بالوكالة، عمادها الطائرات بدون طيار، وجيش محلي أنفق عليه المليارات رغم وضوح فشله وضعف معنوياته وأدائه العسكري التافه، ناهيك عن تغلغل حركة طالبان داخل مستوياته من أعلاها إلى أسفلها.
سوف يفشل العدو الأمريكي بكل تأكيد، حيث بات واضحا ما ينتظر بلاده من تفكك داخلي وتدهور في مكانتها الدولية، بعد أن تربّعت لعدة سنوات كقوة عالمية وحيدة متجبرة، إلى أن كسر الشعب الأفغاني شوكتها. فبدأت تلاقي نكسات في جميع المجالات حتى خرج المشهد الدولي عن سيطرتها التي كانت مطلقة لسنوات سوداء من تاريخ العالم. وحتى الشعب الأمريكي نفسه بدأ ينفذ صبره على الدور الهدام لحكومته في داخل البلاد وخارجها، فأصبحت فكرة الإنفصال عن الحكومة المركزية في واشنطن أمراً متداولاً في الكثير من الولايات الأمريكية المتطلعة إلى الحرية والإستقلال. فجهزت المئات من تنظيمات الميليشيا المسلحة نفسها لحرب تحرير قاسية مع الحكومة الفدرالية التي تديرها أقلية من كبار المستغلين الذين أذاقوا الشعوب الأمريكية مرارة الإستغلال وهضم الحقوق الدستورية.
إن إبقاء قوات أمريكية، وبقايا من الحلفاء إلى جانبها، في أفغانستان بعد رحيل الجسم الأساسي لتلك القوات، لا يحمل أي منطق مقبول عسكريا أو سياسيا سوى معنى واحد هو إستمرار حالة التخبط في إدارة تلك المعضلة التى أودت بالمكانة الأمريكية بل وثقة تلك الدولة بنفسها، وتوالي الخسائر عليها في ميادين نفوذها الأساسية في العالم، بدءا بالشرق الأوسط وحتى تورطها الأخير في أوكرانيا، الذى أوشك على تفجير العلاقة ليس فقط مع روسيا بل مع أوروبا نفسها، ناهيك عن تبلور علاقة تحالف أوثق بين الصين وروسيا في مواجهة التهور الأمريكي الذي دفع تلك القوة العظمى الخرقاء نحو سياسات مغامرة قد تؤدي إلى أزمات دولية يصعب علاجها.
كانت أوكرانيا هي العنوان الأكبر لذلك التقارب الإستراتيجي الشامل، ولكن أفغانستان ليست بعيدة إطلاقا، حيث لم يعد مقبولا أو محتملا بقاء القوات الأمريكية في ذلك البلد تحت أي دعاوى فارغة مثل محاربة الإرهاب -تلك الحجة المثيرة للإشمئزاز- فدول الإقليم وفي مقدمتها الصين وروسيا يدركون تماما أن التواجد العسكري الأمريكى يحمل تهديداً خطيراً لأمنهم القومي وأمن دول المنطقة كلها، وأن الحل يكمن في أفغانستان الموحدة والمستقرة تحت حكم حركة طالبان، التي تحظى بتأييد شعبي كاسح، اتضح من خلال قيادتها لحركة جهادية ظافرة تحت أقسى الظروف التي مرت على أي شعب على الإطلاق. أفغانستان المحررة تحت حكم حركة إسلامية شعبية مجاهدة، هي خير ضمان لأمن المنطقة والعالم، وازدهار التعاون الإقليمي والدولي، العادل والمتكافئ.
لقد تمرس الشعب الأفغاني المجاهد على التعامل مع تلك القوى الإستعمارية البغيضة، سواء جاءت تحت راية الأسد البريطاني أو الدب الروسي أو الخفاش الأمريكي، حيث يعاملها جميعاً بأسلوب جهادي فعال وناجح. ومهما طال الوقت أو قصر فسوف يسقط المغامرون الجدد من الأمريكان وحلفاؤهم التافهون، قسراً في مزبلة التاريخ كي يلحقوا بإمبراطوريات سابقه دفنت في أفغانستان.
فقد آن الأوان كي تشرق شمس الحرية على أفغانستان وأن تخفق راية الإسلام عالية فوق ربوعها وجبالها، إلى الأبد وبلا إنقطاع.
“ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.