مقالات الأعداد السابقة

أوراق من دفتر سجين: كورونا علی عتبات السجون، وكارثة بشرية تهدد المساجين

محمد داود المهاجر (فكّ الله أسره) – مراسل مجلة الصمود من سجن بلتشرخي

 

كتبت نبذة عن الأزمات التي كان السجناء يعانون منها في باغرام وبلتشرخي، ضمن سلسلة حلقات، وفي هذه الحلقة أود لفت أنظاركم نحو كارثة بشرية عامة على عتبات السجون تهدد المساجين بمهلكة كبيرة وخسارة فادحة، إن لم تتخذ الخطوات الجادة الاحترازية الأساسية إزاءها.

الطاعون المسمى بـ”كورونا” الذي انتشر في العالم وطاف القارات القريبة والبعيدة بسرعة البرق، وهزّ المجامع والملل وأعجز البلاد والدول بأسرها من الصين إلى أمريكا، وخلف في حربه مع العالم آلافا من الموتى وأصاب أضعافا آخرين، إنه قدر من الله عز وجل يعذب به من يشاء ويذيقهم به مرارة ما كانوا يفعلون ويظلمون ويعتقدون، ويرحم من يشاء من عباده بقبض أرواحهم ليسير بهم إلى جنات خلد ونعيم.

ولكن كما أننا نعتقد “ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” و أن “ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك”، هكذا أمرنا الله سبحانه بأخذ الأسباب حيث قال: “خذوا حذركم” وأرشد على لسان نبيه صلى ‌الله علیه‌ وسلم: “فر من المجذوم فرارك من الأسد”؛ فعلينا بعد تفويض الأمر إلى الله والتوكل عليه أن نتمسك بأهداب الأسباب التي أعدها الله تعالى لنا كي توصلنا إلى الغاية وتحفظنا من السقوط في المهالك والمضار.

وقد تم في كثير من البلاد الإسلامية إغلاق أبواب المساجد والجامعات وعطل الطواف والعمرة سدا للذرائع كي لا ينتشر الفيروس القاتل والمسرع في الشيوع فيما بين الناس؛ وقد تعطلت الأسواق ومنعت الحفلات والتجمعات وأمر الناس بالمكث في بيوتهم وعدم التردد والاختلاط مع الناس عملا بأصل “خذوا حذركم”؛ ولكن مما صار بعيدا عن التوجه والملاحظات الدقيقة هو أمر السجناء والمحتجزين وأمر المحابس والمآسي الضخمة القديمة فيها -كما أوضحناها ضمن سلسلة الحلقات الماضية- حيث أضيف إليها مأزق جديد وخطير، هدد العالم بأجمعه، وهو ذلك الفيروس كورونا، وخوف انتشاره بين السجناء المستضعفين الذين حرموا من أبسط الحقوق والخدمات الصحية.

تكتظ سجون الحكومة العميلة في كابول بالرجال والنساء والكبار في السن والولدان، وفيهم مرضى ومصابون بأمراض مزمنة، وفيهم من هو مقعد لا يستطيع المشي على قدميه، وفيهم الأعمى والأعرج، وأتذكر أنه قبل سنوات مات سجين أعمى اسمه (القاري عبدالرؤوف الغزنوي) عندما كان يريد أن يأخذ شيئا ولكنه وضع يده على أسلاك الكهرباء وقضى نحبه في وقته.

الازدحام في السجون والغرف التي يعيش فيها المحتجزون قد بلغ حدًا لا يوصف، ولم يبق مكان خال في كل غرفة إلا وهو مضجع أحد من السجناء بل كلهم ينامون جنبا بجنب بلا فاصل. والخدمات الصحية في السجون ضعيفة جدًا وقد ازداد خوف انتشار هذا الفيروس المهلك بين السجناء، ويمكن أن تحدث كارثة بشرية عامة ويهلك فيها خلق كثير.

حتى وقت كتابة هذه الكلمات (٢٧ رجب) لم يصب أحد من السجناء -لله الحمد- أو لم يبلغ مسمعنا شيء حول دخول هذا الفيروس، ونسأل الله دوام العافية.

ولكن عند دخول هذا الكرونا في السجن، فعندئذ ستحدث كارثة إنسانية وداهية عظيمة لا يمكن سدها ومنعها إلا بحول الله وقوته لأن الأسباب وبعض الآلات الصحية بدرجة الصفر، والزحام بينهم بلغ مبلغا لا يمكن تصوره.

إن السجون تعج بآلاف السجناء في أسوء حال وأضيق مكان وأضعف إدارة صحية، لذا فإن النتيجة لهذا الحال معلومة والعاقبة تهددنا بمأساة كبيرة وضخمة، لاحول ولا قوة إلا بالله.

حتى الآن لا يوجد هنا -في سجن بلتشرخي- في كابول أدنى رعاية صحية ولا أبسط مواد طبية من نحو القفازات والكمامات وغيرها.

وخبر آخر قد أقلق المسجونين وأهل النظر حيث أن الحكومة العملية في كابول تريد لنحو ألفين من المحبوسين الذين أخرجتهم حكومة إيران من سجونها وردتهم إلى بلدهم؛ تريد حكومة كابول أن تلقي بهم في سجن بلتشرخي! هذا وإن إيران قد أصبحت مصدرا ثانيا لهذا الفيروس بعد الصين!

وأخيرا لا آخرا، أسأل الله العفو والعافية لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى