
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
إكرام “ميوندي”
من غرائب العصر أن عدو المسلمين اللدود – الذي يهددهم بالقتل والضرب، ويصر على احتلال بلادهم، وهتك أعراضهم، وسفك دمائهم، ويناطح صرح الإسلام الرفيع، ويبذل قصارى جهده منذ ظهوره على ساحة السياسة الأمريكية في استئصال أهل الإيمان، والقضاء على الجهاد، واستخفاف شعائر الدين – يُستقبل في قلب البلاد الإسلامية بالحفاوة والتكريم أيما تكريم!! ثم يقوم هذا الكافر المريد قاتل الأبرياء على منبر من منابر الإسلام يتظاهر بالنصح للمسلمين: يأمرهم وينهاهم، ويعدهم ويوعدهم، ويمدح من يشاء ويذم الآخرين من المؤمنين!!.
والذي يؤلمنا شديدا هو أن بعضا من المسلمين الغفلة أو السذج يرجون من هذا الكافر العنيد أن ينفعهم ويعمر بلادهم، أو يحسن إليهم في المعاملة والسلوك، ويتطلعون من وراء وعوده الكاذبة إلى تحسن الأوضاع الراهنة، أو تقلص حدة التوتر في البلاد الإسلامية المنكوبة!!.
والذي يندهش منه أولو الألباب والنهى ويتحير منه العقول هو صنيع الحكومات الإسلامية حيث تقوم باستخفاف شعائر الإسلام، واستعظام أئمة الكفر ورأس الفساد دون خوف من الله العزيز المنتقم، ودون الشعور بالإثم والملامة أمام المجتمعات الإسلامية.
وما يؤذي القلوب المؤمنة إيذاء بالغا هو تعاطي الحكام المنكرات الشنيعة، ومخالفتهم المحكمات من النصوص الشرعية أمام علماء المسلمين، بل وعلى الملأ ورؤوس الأشهاد، وهم عنها ساكتون، والساكت عن الحق ملوم شرعا وعرفا وعقلا.
هجروا كتاب الله:
إن كتاب الله تبارك تعالى بين أيدينا يهدي للدين القويم والصراط المستقيم، وهو يبين كل شيء مما يحتاج إليه المؤمن في أمور دينه ودنياه، وهذا الكتاب العظيم أوضح لنا – معشر المسلمين- حال الكافر وما يحمله بين جنبيه من الحقد والضغينة والشماتة إيضاحا لا مجال معه للريب والارتياب.
وقد حذر الكتاب عن موالاة الكافر ومحبته والقرب إليه، وأخذ يشرح لنا شخصية الكافر شرحا كافيا، فيذكر الآيات المحكمات بهذا الشأن، ويعود إلى البحث عنه مرة بعد أخرى، فيتطرق إلى عقل الكافر وفكره وقلبه وصدره ولسانه وفمه ويده وبصره وأذنه وماله وسلطانه وما إلى ذلك، وكذا يعدد صفات الكافر الذميمة من حرمانه الفقاهة والعلم، وكتمانه البغضاء والشحناء، واختياره النفاق والكذب والشقاق، واجترائه على الظلم والأذى لو سنحت له الفرصة، وابتلائه بالعمى والصمم عن الحق، وإصابته بالشح والبخل، وإنفاقه المال في الصد عن الإسلام وغير ذلك من الخصال السيئة.
فعلى سبيل المثال نقرأ قول الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } (آل عمران-118) وقوله عز وجل: { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } (التوبة-8).
ورغم تأكيد القرآن العظيم على أن الله تعالى يعلم أعدائكم، وأن الكافر لا يرضى أن يؤتي الله تعالى المؤمن خيرا ونعمة قط، وأنه لا يألو جهده في سبيل أذى أهل الإيمان قطعا، وأنه لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة – ورغم هذا أكرموا الكافر المحارب الذي يهريق يوميا دماء المسلمين، ويئد بناتهم ويذبح أبنائهم، وقابلوه بالقبلات واستقبلوه بالابتسامات، وقدموا له الهدايا، وبادلوه كلمات طيبة.
ومن سوء الحظ أنه لم ير هذا اللئيم القاتل في وجه مستقبليه جهما ولا عبوسا، ولم يجد في ناصيتهم غضبا ولا عقدا من أجل ما يرتكبه من المجازر الإنسانية والفعال الشنيعة في بلادنا الإسلامية؛ فلذا عاد إلى التهديد والتحذير وإنذار المسلمين أمام هؤلاء وفي مراسم الاستقبال باستمرار الحرب الضروس، وفي الوقت نفسه كانت تقصف مقاتلاته قرى الأفغان المسلمين قصفا عشوائيا، وتدمر مدنهم، وتهدم بيوتهم، وتنهال قنابلهم الحارقة على رؤوسهم، وتقتل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم. فإلى الله المشتكى.
أليس هذا هِجران القرآن وترك أحكامه وإهمال نصوصه؟.
بلى، والله العظيم إنهم قد هجروا كتاب الله تعالى متهاونين (والعياذ بالله) بأوامره ونواهيه وأحكامه السديدة، وهم يعلمون علم اليقين أنهم سيقفون يوما أمام الله سبحانه وتعالى في موقف عظيم، يشتكي فيه الرسول صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم عن علما السوء والحكام الفجرة قائلا: {.. يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } (الفرقان-30) ويستمع إليه ويستجيب له الملك الواحد القهار، وهو أعلم بعباده الذين فرطوا في جنب الله، وقصروا في طاعته بهِجران كتابه، وخِذلان أوليائه المجاهدين، وموالاة أعدائه الأمريكيين.
بلى، إن هؤلاء الذين استقبلوا الرئيس الأمريكي “أوباما” بالحفاوة والتكريم هجروا القرآن المجيد؛ وعطلوا أحكامه، وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى: هَجْرُ القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه وترك الإيمان به والإعراض عن الإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به وعدم الوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه وهجر التحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين… والرابع: هجر تدبره وتفهمه وترك السعي في معرفة ما أراد المتكلم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به …” (الفوائد ص 109/110).
فالقرآن الكريم يؤكد على أن المؤمنين إخوة، ويأمرهم بالاعتصام بحبل الله، والتعاون على البر والتقوى، وينهاهم عن موالاة الكفار خاصة المحاربين منهم، حيث يقول: { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة-9).
والرسول المعظم صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى التعاطف والوحدة حيث قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه. متفق عليه. وقال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه. وقال: (المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يكذبه و لا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه و ماله و دمه التقوى ههنا – و أشار إلى صدره – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
فبملاحظة آيات الذكر الحكيم وبالنظر إلى أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم نقول: إن إكرام الكافر المحارب الذي هدد وحذر وأكد في خطابه على استدامة القتال ضد أهل الإسلام، وإقامته على منبر الوعظ والشرف، وإحضار الوجهاء والعلماء والأمراء لمحاضرته، والتصفيق على أقواله الضئيلة، والترحيب بكلماته السخيفة إثم كبير وذنب عظيم عند الله الكبير المتعال، وهو هجر لكتاب الله العظيم، وهجر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ظلم عظيم في حق المؤمنين الذين يجاهدون في سبيل الله، ويدافعون عن بيضة الإسلام، ولا يخافون في الله لومة لائم.
اوباما يتظاهر بالنصح:
إن الرئيس الأمريكي”أوباما” وقف على منبر الوعظ وألقى خطابه من القاعة الكبرى بجامعة القاهرة بدولة مصر العربية، وذلك يوم الخميس (11-جمادى الآخرة-1430هـ الموافق/04-06-2009م) وقف ناصحا للمسلمين في تهديد وإرهاب، فبدأ يشكر المستقبلين له، ثم تطرق إلى العلاقات بين أمريكا والغرب وبين المسلمين سابقا ولاحقا، حسنا وسوء، وأشار إلى أسباب التوتر بين الطرفين، ثم بدأ يمهد لجواز تهديد المسلمين وقتلهم وإيذائهم قائلا:
“لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات…، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 واستمر هؤلاء المتطرفون في مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين، الأمر الذي حدا بالبعض في بلدي إلى اعتبار الإسلام معاديا لا محالة، ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية وإنما أيضا لحقوق الإنسان، ونتج عن كل ذلك مزيدا من الخوف وعدم الثقة… “
ثم عاد إلى الكلمات والثرثرة فصعد وهبط، وألقى الضوء على حياته وتجاربه، وأنه جاء ليغير ويحسن ويجدد، إلا أنه لم يرض إلا بالعود إلى تهديد العالم الإسلامي ثانية، فقال:
“واسمحوا لي … أن أتطرق بمنتهى الصراحة وأكبر قدر ممكن من البساطة إلى بعض الأمور المحددة التي أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها في نهاية المطاف بجهد مشترك.
إن المسألة الأولى التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله.
… وعلى أية حال لن نتوانى في التصدي لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا… كما أنه واجبي الأول كرئيس أن أتولى حماية الشعب الأمريكي.”
ثم انجر كلامه إلى أفغانستان وأعرب عن سبب الوجود
الأمريكي هناك، وسعى في تبرير جانبه عما يحدث فيها من المجازر الإنسانية، فقال:
“يبين الوضع في أفغانستان أهداف أمريكا … وقبل أكثر من سبع سنوات قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم القاعدة ونظام طالبان بدعم دولي واسع النطاق، لم نذهب إلى هناك باختيارنا وإنما بسبب الضرورة…”
ثم أوجب على مستقبليه المماشات معه لا محالة وعدم مخالفته في المنشط والمكره، وأن آرائه ليست قابلة للنقاش، بل هي حقائق يجب أخذها بالاعتبار، وأنه لا يجوز لأحد التواني والتكاسل والقعود قبل القضاء على المتصدين للاحتلال الأمريكي الغاشم، حيث قال:
إن هناك للقاعدة من ينتسبون لها في عدة بلدان وممن يسعون إلى توسعة نطاق أنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش وإنما هي حقائق يجب معالجتها … وفي الحقيقة لا ينبغي على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين…”
وفي إشارة إلى قضية فلسطينية ألقى الملامة على عاتق المظلوم، وسعى لتبرير جانب الأفعى الإسرائيلي المارد، وعبر عن الجهاد الفلسطيني المقدس بالعنف، في إيماء منه إلى إبطال حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس والنفيس، وفي الذب عن الإسلام والأرض والناموس، حيث قال:
“إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية، وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه …
و قد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من ستين سنة… يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف، إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح … ويتعين على تنظيم حماس أن يضع حداً للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء حتى يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني …” .
هذه كانت مقتطفات من كلام الطاغية الذي وقف خطيبا على
منبر الوعظ بمعونة حكام المسلمين، فاغتنم هذه الفرصة لإرسال تهديداته وهذيانه إلى المسلمين من منبر المسلمين!!.
الخطر العظيم:
إن الحكام وعلماء الأمة وخواص المسلمين وعوامهم في بلاء عظيم، فقد ابتلينا اليوم جميعا بفريضة الجهاد المقدس ووجوب القيام بالقتال ضد الاعتداء الأمريكي والاحتلال الصليبي لبلادنا: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (البقرة-216).
ومن حِكَم الله تبارك وتعالى من وراء مثل هذا البلاء هو تمييز الخبيث من الطيب، وتفريق الكاذب من الصادق والطالح من الصالح { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (العنكبوت-3).
وقد افترق الناس بعد هذا البلاء إلى فرق تالية:
1- فريق قاموا لله تعالى مقاتلين في سبيل الله، محاربين أعداء الله المعتدين، ولم يخافوا من كثرة العدد والعُدد، ولا من أسلحتهم الفتاكة، ولا من مقاتلاتهم الحربية، ولا من جمعهم وتكالب كتلتهم الصليبية، بل قالوا كما قال السابقون الأولون: حسبنا الله ونعم الوكيل.
2- وفريق أحسوا بالضعف والعجز، وظنوا أنه لا طاقة لهم اليوم بالأعداء، فاختاروا القعود عن الجهاد ضعفا وخوفا، لكنهم لم يرضوا بما يفعل أعداء الله المعتدون بالمؤمنين من القتل والتشريد والتدمير، بل ويتحنثون ويعترفون أمام الله تعالى وأمام المسلمين بالقصور في جانب إخوانهم المستضعفين من المؤمنين، فيستغفرون الله ويدعون للمؤمنين بالنصر والنجاة.
3- وفريق زعموا أن الأعداء لهم الحق فيما يفعلون بالمؤمنين، وألقوا الملامة على الطالبان والمجاهدين، واتهموهم بالسد أمام التيار الصليبي، ظنا منهم أن هؤلاء جاءوا لإعمار البلاد الإسلامية، وإسعاد البشرية، ومحو الجهل، وتطوير المجتمع؛ ولهذا أيدوا الصليبيين وساندوهم على المؤمنين بالأموال والأنفس، ووقفوا معهم في السر والعلن، وقاموا بإكرام الكافر المحارب وموالاته وتأييده في الحرب ضد المسلمين، وأوقفوه على منبر الشرف.
وفي هذا خطر عظيم لهؤلاء المساكين، فليتقوا الله العظيم، وليراجعوا كتاب الله الكريم، وليسألوا أهل الذكر، وليتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان، وإلا فسينزل عليهم عقاب ربنا ولات حين مناص، فيبكون ويصرخون ولات حين مندم { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } (الفرقان/27-29).
من الجاهـــــــــــــل؟ :
وقد تسرب من نجوى الحكام ومجالس بعض المنستبين إلى العلم كلماتٌ متساقطة، منها أن الطالبان ومن يجاهد الأمريكان جهال لا يعرفون المصالح العليا، ولا يعلمون عمق المشاكل، ولا يدركون حقيقة الواقع، ولا يفهمون عن الإسلام شيئا، بل يقومون بأعمال يشوهون بها صورة الإسلام، ولهم في ذلك آراء ومناقشات وتلبيسات !!.
ونحن لا ندري ماذا يريدون من هذه الكلمات؟.
فإن كانت المصلحة العليا عندهم القعود عن الجهاد، والعلم عندهم هو الركون إلى المحتلين، والمماشاة مع المعتدين أينما يتوجهون، وفي كل ما يفعلون فليتقوا الله ربهم، وليتعظوا بقول الله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود-113). وليستمعوا إلى قول الرسول المعظم صلى الله عليه وسلم: (من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله.) رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما, وليحذروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام.) ذكره الطبراني في الكبير والضياء عن أوس بن شرحبيل.
وإنكان قصدهم من الجهل المتهم به المجاهدون القيام بالجهاد في سبيل الله فهو فريضة محكمة من الله تعالى، ويكفيهم مدحا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله! أشعث رأسه مغبرة قدماه! إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع) رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه في (كتاب الجهاد باب الحراسة في الغزو في سبيل الله).
أين العلمـــــــــــاء:
لا نسأل عن علماء السوء الذين ركنوا إلى الظالمين، وأفتوهم بترك الجهاد ضد الأمريكان؛ بدليل أنهم دخلوا مع هؤلاء الكفار في السلم، وعاهدوهم وأعطاهم الميثاق، واحتلت جنودهم بلادنا بأمر الأمم المتحدة، وغيرها من الواهيات، وأخذوا على هذه الفتاوى الرِّشا، ونالوا بها مناصب عالية، ولُقبوا بألقاب لا تليق بهم، فيقال فيهم: إنه العالم المعتدل، وإنه المفتي الأعظم، وإنه قاضي القضاة، والعالم الكبير، ورئيس العلماء، فباعوا بهذا دينهم بحطام الدنيا، واشتركوا الحكام في جرائمهم وسفاهاتهم، فهؤلاء لا يوفقهم الله تعالى للخير، ولا نطمع فيهم أن يتصدوا للحق، أو يقفوا أمام الطواغيت لردع الباطل وإظهار الحق، أو بيان أحكام الشريعة الغراء السمحة، ويكفيهم ذما قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (البقرة/159-160).
أيها الربانيـــــــــــون:
إن الأمة تسأل وتنادي العلماء الربانيين الذين وقفوا أنفسهم لهذا الدين العظيم، والذين صاموا عن الدنيا طمعا في نعيم الجنة، والذين صبروا في سبيل الدفاع عن الدين والذب عن بيضة الإسلام على إيذاء الملوك والأمراء والسلاطين.
إن الأمة تنادي العلماء العاملين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير ولو كره الكارهون من الظالمين وأصحاب الضلال.
إن الأمة تنادي الساجدين في زنزانات السجون الذين لا يصدهم تعذيب الظلمة عن قول الحق ونصح المسلمين، ولا يمنعهم وحشة الموقف عن الإخلاص في العبادة لله رب العالمين، ولا يخافون في الله لومة لائم.
إن الأمة تنادي العلماء المجاهدين في سبيل الله الذين يعيشون في كهوف الجبال ومغاراتها، والذين تركوا النوم على البسط الناعمة، وهجروا النعيم الفانية، واختاروا الدار الآخرة، آخذين سيوفهم الصارمة ضاربين بها أعدائهم الصليبيين، راجين الشهادة في سبيل الله والحور العين، أو الفتح المبين.
أيها الربانيون أنتم أهل الله وفيكم الأمل وبكم صلاح الأمة؛ فإن الله وملائكته وعباده المؤمنين معكم بالنصر والتأييد، فاتقوا الله في الأمة، وبينوا لهم الحق ولا تكتموه، واصدعوا بما أمرتم، وارفعوا أصواتكم بالحق وراء الأسوار، فإن أصواتكم -ولو كان في قعر البير أو في الفضاء القفر- تزلزل أقدام الصليبيين ومن معهم من المنافقين؛ وارفعوا أصواتكم بالحق، فوالله العظيم إن في أصواتكم حياة للأمة، وإن الأعداء يسعون لخمول أصواتكم، وينفقون على إسكاتكم، وهذا من حق الأمة عليكم، وقد أخذ الله من العلماء عهدا بقوله عز وجل: {… لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ … } (آل عمران-187).
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواه ابن ماجة من حديث
أفضل الجهـــــــــــــــاد:
أبي السعيد الخدري رضي الله عنه، وقد جرت سنة الله تعالى منذ أن خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا بنزول البلاء على الناس لتمييز الخبيث من الطيب كما جاء: { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } (آل عمران-179).
فكم أذي من الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين في سبيل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكم قتل في سبيل ذلك من النبيين والصديقين، فكانوا أفضل الشهداء، وقد وردت في طيات الكتب قصص كثيرة من تصدي العلماء العاملين لنصيحة الملوك والأمراء الظالمين، وإيذاء هؤلاء لهم وسفكهم دماء بعضهم وتعذيب الآخرين.
فلا ينبغي لنا أن نترك الدعوة إلى الخير وإن كان محفوفا بالمكاره والمخاوف، ولا أن ندع الجهاد المقدس خوفا على أنفسنا أو حرصا على الحياة الدنيا، وإن كان أخذ الحيطة والحذر مطلوب شرعا، فيجب التوقي وحماية النفس في أثناء الدعوة والجهاد بقدر الاستطاعة.
تعس عبد الدينـــــــــــــــــــــار:
إن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش…) (كتاب الجهاد باب الحراسة في الغزو في سبيل الله) وتعسَ معناها: سقط على وجهه، والمراد منه هنا هلك، وهذا دعاءٌ عليه بالخيبة والهلاك
وفي الحديث تحذير من الانغماس في الدنيا والاغترار بها والانسياق وراء ملذاتها، ولهذا سماه عبدا، وهذا وصف فيه قبح وذلة ومهانة حيث كان عبدا للدينار، وكان الواجب أن يكون الدينار في يده يستخدمه في حاجته، وأن لا يكون في قلبه وأن لا يخدمه كما يخدم العبد سيده؛ وقد استجاب الله عز وجل دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم، وأهلك عبيد الدولارات الأمريكية، فخابوا وخسروا، وابتلوا بموالاة الكفار ومصاحبتهم، وشقوا بهَجْر كتاب الله العظيم. نسأل الله العافية.
ولهذا نرى اليوم كثيرا ممن كانوا يدعون الجهاد في سبيل الله، والإخلاص في عبادة الله يجرون أذيالهم على بساط الصليبيين، وقد علا على وجوههم هوان ورهقت وجوههم ذلة، طمعا في المناصب والدولارات والمساكن الفاخرة.
الكلمة الأخيـــــــــــــــرة:
نحن لا نعاتب الأعداء كثيرا لأنهم أعداء أخلصوا في عداوتهم للمسلمين، وفعلوا بالمؤمنين ما فعلوا مما يليق بشأنهم من ارتكاب الجرائم البشعة، واقتراف المجازر الإنسانية.
لكنا نعاتب الذين يدعون الإسلام ويصلون صلاتنا، ويصومون صومنا و…
ونعاتب الذين يدعون العلم ويتلون كتابنا، ويقرأون أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم و…
ونعاتب الذين يدعون الإمرة ويحكمون بلادنا، ويجمعون أموالنا و…
فلِمَ أكرمتم يا عباد الله ! عدو المسلمين وقمتم له مصطفين؟. وهو يذبح إخوانكم المؤمنين وأنتم تعلمون.
ولِمَ أقمتموه على منبر الإسلام وأعطيتم له فرصة تهديد المسلمين؟. وهو كافر محارب.
ولِمَ هجرتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟. وهو يهديكم للتي هي أقوم.
فهل اخترتم حطام الدنيا ومتاعها؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
فما هي حيلة الأمة الإسلامية حينما انغمس الحكام في الشهوات، وركن العلماء إلى الظالمين، وسكت الآخرون على الضيم؟. حقا {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (البقرة- 146).
ولاحول ولا قوة إلا بالله.