مقالات الأعداد السابقة

إخوةٌ تفرّقت بهم السبل

صفي الله

 

عندما أرى كيف يناطح المسلمون بعضهم البعض، وكلٌ ينادي بأنّه يريد إعلاء كلمة الله ويلمز أخاه الآخر، الذي يخدم الدّين بطريق غير الطريق الذي سلكه هو، أتأسف حسرةً على جهودٍ وطاقاتٍ طائلة تهدر سدىً دون أي طائل.

فترى جماعةً تمقت أخرى، مع أنّ كلتيهما تدّعي خدمة الإسلام والمسلمين ورفع راية الدين خفّاقة في ربوع العالم! وترى حزبًا يكفّر حزبًا لبعض الأخطاء والزّلات، مع أن الجميع مؤمن بأنّ العصمة لله وحده. حينها يصير الحليم حيرانًا، لا يدري كيف يُفهم هؤلاء المتناطحين أنّ الدّين يريدهم جميعًا، فحريٌ بهم أن يكونوا إخوانًا متحابين فيما بينهم لا أعداء متباغضين.

اخدموا الإسلام ما استطعتم، ولا تشاحنوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا وأعوانًا كما علّمكم نبيُّكم وتعاليم دينكم.

كونوا على اعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى وعضّوا عليه بالنّواجذ.

ولأحد العلماء كلامٌ جميلٌ وقويٌ في الردّ على الصراع المحتدم بين الفرق الإسلامية، فيقول: بقيتْ علينا جولة نظر في تلك المقالات الحمقاء، التي اختبط فيها القومُ اختباط إخوةٍ تفرّقت بهم الطرق في السير إلى مقصدٍ واحدٍ، حَتَّى إِذا الْتَقَوْا فى غسق اللَّيْل صَاح كل فريق بِالْآخرِ صَيْحَة المستخبر، فَظن كل فريق أَن الآخر عَدو يُرِيد مقارعته على مَا بِيَدِهِ، فاستعر بَينهم الْقِتَال وَلَا زَالُوا يتجالدون حَتَّى تساقط جلهم دون الْمطلب، وَلما أسفر الصُّبْح وتعارفت الْوُجُوه رَجَعَ الرشد إِلَى من بقي منهم، وهم الناجون، وَلَو تعارفوا من قبل لتعاونوا جَمِيعًا على بُلُوغ مَا أملوا، وَلَوافتهم الْغَايَة إخْوَانًا بِنور الْحق مهتدين. ا.هـ

ولو سألتَ أحدهم لم هذا التشاجر؟ لقال: إنّما أردنا النّصيحة، ولم يكن قصدنا سوى التناصح.

ولكنّه لا يدري أن النصح المجدي ينبغي أن يكون باختيار كلماتٍ معطرة برائحة الحب، ليّنة الألفاظ، قريبة من القلب، منضبطة بإيقاع التعاون والتعاطف البشري. كما يقول الشاعر:

 

لا تقطف الوردَ الجميلَ بمِنْجلٍ *** فالوردُ لا يُؤتى به مقتولًا

إنْ كنتَ تُبدي للصّديق نصيحةً *** فاجعلْ له لطفَ الحديثَ رسولًا

 

إنّ القول اللّيّن سبيل إلى طمْأنة من تخاطب. (من لانت كلمته، وجبتْ محبّته).

لقد وقع فينا ما أخبر عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم، ودبّ فينا داء الأمم قبلنا عندما تفرقوا واختلفوا فاختلفت قلوبهم وتصدع بنيانهم وحلت القسوة في صدورهم بسبب هذا التفرق والاختلاف، فلذلك نهانا الله أن نكون مثلهم فقال ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31، 32]. ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]. ﴿ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الجاثية: 17].

يروى أن رجلاً أوصى أولاده عندما أوشك على وداع الدنيا، فأخذ حزمة من الحطب، ثم أمرهم أن يكسروها وهي مجتمعة فلم تنكسر واستعصت عليهم جميعاً، ثم فرقها عليهم، فكسروها بكل سهولة وبساطة، فقال لهم مودّعاً وموصياً:

 

كونوا جميعًا يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحادًا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا *** وإذا افترقن تكسّرت آحادًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى