مقالات الأعداد السابقة

إدارة اللصوص

أبو فلاح

 

إن أفغانستان إحدى أفسد الدول ماليا وإداريا على مستوى العالم للأسف، وربما تحتل المركز الأول في قائمة الدول التي ينتشر فيها الفساد. وهذه الإدارة التي يرأسها في الظاهر رجل يدعى أشرف غني هي التي جعلت البلاد تبلغ إلى قمة الفساد. وأنا أعجب من هذه الإدارة، فهي منذ انطلاق المفاوضات الأفغانية-الأفغانية تتشدق بإنجازاتها التي حصلت عليها طيلة ما يقرب من العقدين، ليت شعري بأي إنجاز تتشدق! لعلّها تعني هذا الإنجاز العظيم، أعني الصدارة في الفساد على مستوى العالَم، ويطول عجبي منها حينما أسمع أن هؤلاء الفاسدين والمرتشين بين الحين والآخر يعلنون الحرب ضد الفساد، ويرفعون عقيرتهم بشعارات الحرب ضد الفساد، ويتغنون بمحاربته! وهل يهزم الفسادَ الفاسدون؟ هل يستطيع الفاسدون تطوير اقتصاد البلاد وتخليص البلاد من الفساد المالي والإداري؟ كيف تنجح الحرب ضد الفساد بينما يتزعمها الفاسدون أنفسهم؟ هل يرضى الفاسد بالكساد في سوقه؟

 

قبل فترة كشفت إحدى الصحف الأفغانية في إحصائية؛ المبالغَ الضخمة التي أهدرها المسؤولون في إدارة اللصوص من المال العام على حساب الشعب المظلوم الفقير، على حساب شعب يعيش تحت خط الفقر، بل يعيش في فقر مدقع يكافح ليل نهار بحثا عن لقمة عيشه، على حساب شعب لا يمتلك قوت يومه، تذهب هذه المبالغ الضخمة إلى جيوب كبار المسؤولين في بلاد وصلت نسبة الفقر فيها إلى مستويات قياسية في ظل استشراء الفساد الحكومي وهيمنة الفئة الحاكمة الفاسدة على ثروات البلاد، تنهب هذه الفئة ثروات البلاد، وتنهش لحم البلاد وعظامها بينما الشعب يعيش أسوأ معدلات الفقر والحرمان والجوع والتشرد.

إنهم يقتسمون ميزانية البلاد برمتها فيما بينهم، كل منهم يمارس الفساد بحسب منصبه وتنفذه، وبحسب المحيط الذي يعمل فيه، وبدرجات متفاوتة، يتقاضون مرتبات فلكية ومعاشات قياسية على حساب شعب لا يكاد يمتلك ما يسد جوعه ويستر عورته ويداوي مرضه.

 

إن الجميع في هذه الإدارة يتعايش مع ممارسات بيع الوظائف في مقابل الرشوة، فجميع الداوئر هنا متورطة في الفساد المالي، وهل يوجد فيهم شخص نظيف لا تحوم حوله شبهات الفساد؟ كلهم لصوص، بدءا من الخفير وحتى الوزير، الخفير لص، والقاضي لص، والشرطي لص، والبرلماني لص، والوزير لص، والرئيس لص. إذن فلا بأس علي، إذا سمّيتُ هذه الإدارة بإدارة اللصوص، اجتمعوا من أنحاء البلاد وبيدهم الحل والعقد ويديرون كابل، أو بالأحرى اجتمعوا لينهشوا لحم البلاد وعظامها، كل على قدر استطاعته. إنها ليست مجرد اتهامات، فقد سبق أن اعترف أشرف غني: “أن الفساد في التوظيف موجود في وزارة الداخلية وأن الوظائف في إدارتها تباع وتشترى”. وقد سبق مرارا أن المسؤولين تبادلوا اتهامات بالفساد وتلقي الرشاوي وغصب أموال المواطنين.

 

في هذه الإدارة كل شيء متوفر مقابل المال، وحتى الوزارات تنال ثقة البرلمان مقابل المال، غير أنها باهظة جدا، لأنها تُنال مقابل مئات الآلاف من الدولارات الأميركية، وحتى وزارة التعليم تتقاضى مبلغا من المعلمين الجدد بعد النجاح في الامتحان مقابل التعيين وبشكل سافر.

 

فقد تحول الفساد وتلقي الرشاوي وتزوير النتائج واغتصاب الأموال والاختلاس وطرد أصحاب الحقوق من ممتلكاتهم وإعطاء المناصب الكبرى لمن لا يعرف حقها مقابل المال؛ تحول كل ذلك في هذه الإدارة إلى ثقافة لا تُستنكر وموضة لا تُستقبح. وربما دفع الشعب الفقير خلال عام واحد مبلغا أضخم من ميزانية البلاد كرشاوى لتسهيل المعاملات الإدارية.

هل سيتحسن وضع إدارة غرقت في مستنقع الفساد حتى الأنف؟ لعل إصلاح هذه الإدارة يحتاج إلى معجزة خارقة، والمعجزة الخارقة طبعا لا تقع إلا لنبي، فلا سبيل إلى إصلاح هذه الإدارة، وإنما هناك سبيل واحد لإنقاذ الوطن من براثن هؤلاء الفاسدين الطغاة الجاثمين على صدر الشعب والكاتمين لأنفاسه، وهو أن يبادر الشعب إلى إسقاطهم من السلطة، ومن حسن الحظ أن الشعب في طريقه إلى إسقاطهم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى