إصلاح النظام قبل إصلاح الانتخابات
✍بقلم: عمادالدین البلوشي
إن من القضایا التي شغلت الساسة الأفغان وصارت حدیث المجالس وأثارت نقاشات واختلافات واعتراضات بین رجال الحکم، هي قضیة إصلاح النظام الانتخابي في أفغانستان. النظام الذي خلق مشاکل سیاسیة عدیدة عانى منها شعبنا الأبي منذ تنفیذه في الانتخابات الرئاسیة والنیابیة السابقة وحتى الآن.
وقد کثر الحدیث عن ضرورة إصلاح النظام الانتخابي بعد القرار الرئاسي الذي أصدره أشرف غني لإصلاح النظام الانتخابي. وجاء هذا القرار نتیجة لموافقة جرت بین غني وعبدالله بعد الانتخابات الرئاسیة. وقد نصت الموافقة علی ضرورة تشکیل لجنة خاصة لإصلاح النظام الانتخابي الأفغاني مباشرة بعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة.
لذلک وبعد فترة طویلة من التأخیر، أصدر غني قراراً لإحداث لجنة لإصلاح أسالیب الانتخابات في أفغانستان. وقد زاد أهمیة المشروع تصریحات الجهة الممولة للانتخابات أن تدفق مساعداتها لتمویل الانتخابات الأفغانیة مشروط بإصلاح النظام الانتخابي.
ومما أثار العجب في هذه القضیة، موقف أعضاء مجلس النواب إذ رفضوا المصادقة علی مرسوم غني لإصلاح النظام الانتخابي بأکثریة الأصوات. وذلک لمرتین في مدة قصیرة لا بأس بها.
والقوانین الانتخابیة المحلیة کتبت بدایة الاحتلال الإمریکي لأفغانستان وقد تم التعديل عليها قلیلاً في زمن حکم کرزی.
وکما یبدو من اسم المشروع، الهدف من ذلک إصلاح النظام الانتخابي وتمهید الطریق لانتخابات سالمة بعیدة عن التزویر وسرقة الأصوات. ذلک لرفع الخلافات الموجودة التي أُثیرت جراء الانتخابات السابقة.
لا نبحث عن تفاصیل المرسوم ودلائل رد فعل النواب على ذلک، ولکن ما یهمنا في هذا المجال هو: هل سینتج هذا القرار إصلاحاً في نظام الانتخابات في أفغانستان؟ هل سیسد طرق وأسالیب التزویر في الانتخابات؟ وهل سیشاهد الشعب انتخابات رئاسیة أو نیابیة سلیمة لا ينتج عنها الجدل والاعتراض؟
سوف یتضح الجواب على هذه الأسئلة بعد سرد النقاط التالیة:
أولا: لاشک أن دولة الوحدة الوطنیة ترید إصلاح النظام الانتخابي من خلال دولة فاسدة لا تحظی بشرعیة لدی الشعب. وقد تحقق لدی الجمیع أنها دولة فاشلة تعاني من الفساد، وهي أکبر ناقضة لدستورها الوطني. فهل یمکن لدولة فاسدة أن تتصدی لفساد آخر؟ نستطیع أن نضرب لها مثلا: هنالک مریض مصاب بالسرطان، وقد عم المرض جمیع بدنه. عندئذ یأتي طبیب ویحکم بقطع رجل المریض أو یده أو أي عضو آخر. فماذا ستکون النتیجة؟ هل یشفی المریض من هذا المرض العضال؟ من المعلوم أن الجواب منفي. بل یزید هذا العمل في آلام المریض. وسیحکم الجمیع بجهل الطبیب.
فکیف یمکن لدولة الوحدة الوطنیة التغاضي عن الفساد الذي عمّ البلاد ثم العناية بقطع العضو المسمی بالانتخابات؟
ثانیا: أن قرار إصلاح النظام الانتخابي ینبثق من نص الموافقة التي جرت بین غني وعبدالله بعد تلک الانتخابات التي أثارت غضب واعتراض عبدالله علی النتائج. نتیجة لهذه الموافقة قامت دولة الوحدة الوطنیة ولأول مرة في تاریخ الحکم الأفغاني باستخداث منصب جديد في الدولة وهو مقام الرئاسة التنفیذية.
وفي الحقیقة کان تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة أول نقض صریح للدستور؛ لأن الدستور الأفغاني لا یعترف بمثل هذه الحکومة، فإن حکومات الوحدة الوطنیة یتم تشکیلها في دول تتصارع الأطراف فيها لأعوام طویلة وتحکمها حالة من انعدام الثقة. لکنه في أفغانستان ومن دون ضرورة أو رغبة شعبیة یتم تشکیل هذه الحکومة. فدولة ناقضة للدستور تقوم بإصلاح النظام الانتخابي وفق هذا الدستور. هذا شيء عجیب، فلابد لها أولاً الرجوع إلی الدستور وإصلاح تعاملها معه ثم إصلاح النظام الانتخابي علی ضوئه.
فهذه الدولة عندما تخترق الدستور الوطني، فاختراق القوانین الانتخابیة أسهل لها.
ثالثا: أثبتت التجارب طیلة الـ۱۵ سنة الماضیة أن رجال الحکم لا یتقیدون بأيِّ قانون مهما کانت الضغوط والمراقبة. والیوم یعلم الجمیع أن الدولة العمیلة هي دولة السارقین وأصحاب المال والقدرة. لا قانون ولا ضوابط ینظمان الأمور ویلزمان العمال بالتقید بالقانون.
وإذا صوّت النواب علی القانون الجدید للانتخابات، فهل یوجد ضمان لتنفیذه وتطبیقه في حق جمیع المرشحین؟ أم سوف یُخترق من جانب ذوي القدرة والمال؟ کما ثبت بالتجربة المشاهدة أن القوانین في أفغانستان تطبق في حق البعض ویُستثنی منها البعض الآخر. لذلک نری من المحال إصلاح النظام الانتخابي تحت رعایة الدولة الحالیة.
رابعا: ثبت للجمیع أن الانتخابات في الأنظمة الجمهوریة الغربیة لیست إلا لعبة سیاسیة لدفع اعتراض الشعب، فإن في هذه الأنظمة یتسلم دفة الحکم المرشحون الموالون للغرب، ولا یمکن لمرشح مسلم یتبنی تطبیق النظام الإسلامي الحصول علی القدرة تحت ظلال هذه النظم. وإذا حصل علی ذلک فسوف یتآمر علیه الشرق والغرب ویسقطونه عن الحکم، کما حدث في مصر.