إطعام الشعب قبل الحكم بالشريعة.. يا طالبان! .. شبهات مكرورة
د.هاني السباعي
الآن حصحص الحق، وزهق الباطل، واندحر الاحتلال الأمريكي؛ الذي ارتكب جرائم يشيب لها الولدان على مدار 20 سنة!. وها هي الإمارة الإسلامية تسترد حقها، وتصل إلى سدة الحكم بفضل الله ثم بذات الشوكة، ذروة سنام الإسلام، وليس بخيارات الدمقرطة التي خرّبت ودمرت العالم الإسلام! لقد أسقط في أيدي العلمانيين! ومن سار على دربهم في أودية السموم العقدية والفكرية! متسائلين كيف لهذه العمائم واللحى أن تحكم بلداً عريقاً مثل أفغانستان! وكأن طالبان لم تكن تحكم أفغانستان لمدة 5 أعوام قبل الاجتياح الأنجلو أمريكي الصليبي لأفغانستان 2001!.
لكن العجب العجاب! من نصائح بعض الشيوخ والعلماء في العالم الإسلام الذي قدموا وصفة تقطر هزيمة وذلاً! تحت قهر الواقع حتى يرضى العالم الغربي عن طالبان بزعمهم!؛ يطالبون قادة إمارة أفغانستان الإسلامية؛ بالتريث في الحكم بالشريعة الإسلامية في كافة المناحي الحياتية! ولزام على طالبان إطعام الشعب أولاً قبل الحكم بالشريعة!! لو قال هذه المقولة علماني! لكان الأمر مفهوماً! فالعلماني ومن على شاكلته في مفاصلة مع الدين أصلاً، ويحارب تحكيم الشريعة الإسلامية في أي مكان! أما أن يخرج هذا الكلام من شيوخ وعلماء ودعاة!! فلا يسعنا إلا الحوقلة والاسترجاع! فهناك خلل عقدي في البنية الشرعية لهؤلاء العلماء!!
فمقولة إطعام الشعب أولاً.. الحرية أولاً.. العدل أولاً..! مقولة مضللة؛ كأن الإسلام جاء لتجويع الناس! كأن الإسلام ضد أن يعيش الإنسان حراً كريماً لا سلطان عليه إلا سلطان الشرع؟! وكأن الإسلام ضد العدل بين الناس؟!.. فهل جاء رسول الله صلى عليه وسلم إلى أهل مكة بالمن والسلوى؟! وهل هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ومعه العسل واللبن والذهب والفضة؟!
وإذا كانت القضية مصلحة إطعام الشعب أولاً، قبل الحكم بالشريعة؛ فلماذا لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عروض قريش له، وكانت أفضل من دمقراطية هذا الزمان؛ (إن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً أغنيناك)، وكان الرسول وصحابته في غاية الاستضعاف في تلك الفترة.
لماذا لم يساوم هؤلاء الكفار ويقبل عروضهم لحماية دعوته وللحفاظ على أرواح هؤلاء الناس من الهلاك نتيجة التعذيب والاضطهاد والتضييق في الأرزاق؟!
ولماذا لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عروض قريش بدلاً من الحصار الظالم في “شعب أبي طالب” الذي فرضته قريش على المسلمين وحتى المشركين الذين رفضوا تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حمية؟! لقد استمر الحصار ثلاث سنين؛ هلك فيها الأطفال والنساء والزرع والضرع وكان الناس يأكلون أوراق الشجر.
وفي الصحيح من السيرة: (أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط – شجر يخبط ورقه – وورق السمر، حتى إن أحدهم ليضع كما تضع الشاة)، وكان فيهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وروي أنه قال: (لقد جعت حتى إني وطئت ذات ليلة على شيء رطب فوضعته في فمي، وما أدري ما هو إلى الآن)، وفي رواية أن سعداً رضي الله عنه قال: (لقد رأيتني بمكة فخرجت من الليل أبول، فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي، فنظرت فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها، فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها الماء، فقويت عليها ثلاثا).
وكان أحدهم يأتي السوق ليشتري شيئاً من الطعام لعياله، فيقوم عدو الله أبو لهب قائلاً: (يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لا يدركوا معكم شيئاً، فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن لا خسار عليكم)، فيزيدون عليهم في السلعة أضعافاً حتى يرجع إلى أطفاله، وهم يتضاغون من الجوع وليس في يديه شيء يطعمهم به.
محنة قاسية وحصار ظالم، ورغم ذلك لم يتذمر المحاصرون – مسلمهم وكافرهم – على مدار ثلاثة أعوام للضغط على رسول الله ليساوم أو يفاوض صناديد قريش للخروج من هذه المحنة التي كادت أن تهلكهم جميعاً.
لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ من أجل مصلحة هؤلاء الجياع المحاصرين بشيوخهم ونسائهم وأطفالهم وبهائمهم نقبل عروض قريش القديمة، أو نساومهم في هذه المرحلة للخروج من عنق الزجاجة ليتوفر المناخ المناسب للدعوة بحرية كاملة!
لكن حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، أو أن يساوم على حساب التوحيد وإعلاء كلمة الله تعالى، وما هكذا أراد الله أن يقوم دين الله في الأرض، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت آية 2]، (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت آية 3.
هكذا فإن الإسلام لا يريد أنصاراً منتفعين؛ يحصلون على غنمه ولا يتحملون غرمه!، فلو كان الأمر بهذه المساومات والمفاوضات؛ فما الفرق إذن بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبين عبد الله بن أبي بن سلول؟! وماذا عسانا أن نميز الخبيث من الطيب؟! وهل كنا سنتعرف على صبر وتحمل بلال بن أبي رباح رضي الله عنه وهو يردد قولته التي صارت شعاراً لأهل الصبر والبلاء؛ “أحد أحد”!.
فهذا هو الفرق بين طالبان وبين غيرهم من جماعات دمقرطة الإسلام! أوسلفنة الإسلام حسب مقياس الحكام؛ وإن كان هذا الحاكم يعبد اللات والعزى والبيت الأبيض!! شتان بين الثرى والثريا! فطالبان بفضل الله استمسكوا بالشريعة في كافة المناحي الحياتية، مع الاستمساك أيضاً بذروة سنام الإسلام. ومن ثم فقد أعزعم الله ونصرهم: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران آية 101.
صفوة القول
إن أنصار مقولة إطعام الشعب والحرية والعدالة أولاً قبل تحكيم الشريعة!! ما هي إلا شبهات مكرورة! استنسخها بعض ضعاف النفوس متلقفينها من أعداء الإسلام؛ وهم لا يدرون أن هذه المقولة طعن غادر في الإسلام نفسه!!.. كأن الإسلام وشريعته الغراء مرض معد!! ـ حاشا لدين الله!ـ لسان حالهم: فر من شريعة الإسلام فرارك من المجذوم!! لا يزال المغيبون عقدياً يستنكفون عن ذكر الإسلام وحده!! كأن شريعة الرحمن كبت وظلم! وقمع! وتجويع! وتضييق على الأرزاق!! أفّ لهم !ولمن بال في أدمغتهم!! تعساً لمن يقلّبون وجوههم نحو سماوات فضائيات ووسائل تواصل؛ بغية استجداء تأييد عالم غربي منافق ملطخة أيديهم بدماء الأبرياء!! عقول متكلسة عقدياً، مرتعشةً فكرياً ومنهجياً!! للأسف يستمرئ البعض التلذذ بعبودية الطواغيت وما يردده أزلامهم!! كل ذلك من أجل الفرار من ذات الشوكة!!
فهل يعي هؤلاء أن شعار إطعام الشعب والحرية والعدالة أولاً قبل الحكم بالشريعة الإسلامية!؛ شعار مهين! كأن الإسلام لم يحرر الإنسان من رق الإنسان! أي حرية يتشدقون بها؟! حرية التشكيك في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؟ حرية الطعن في الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؟ بل تمادى القوم في عدوانهم على الإسلام؛ عقيدة وشريعة، وطفقوا يطعنون في الذات الإلهية تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!!!
المصيبة أن بعض الشيوخ يبررون هذه الشعارات الخداعة المضللة؛ بزعم تجميع الصف واللحمة الوطنية! هذه لحمة وطنية مسمومة! أي وطن هذا الذي اتخذوه صنماً يعكفون عليه؛ يوالون فيه ويعادون فيه!
لماذا يستحون من ذكر الإسلام وحده! لماذا يخجلون من الحكم بالشريعة الإسلامية وحدها! لماذا يصرون على تنحية الإسلام من سدة الحكم؟! لماذا يصرون على الاستمساك بشعارات بالية؟!
لم هذه التعتعة! ولم هذه الثأثة والفأفة! أعلنوها مدوية: لتريحوا وتستريحوا!؛ إطعام الشعب وغيره أولاً يجمع الشعب! والإسلام يفرق!! اللهم إن هذا بهتان مبين! ارفع رأسك أنت مسلم!. الإسلام وحده يعلو ولا يعلى عليه.