إعلام العدو أكثر دمارا من سلاح العدو
أبو فلاح
لقد أصبح الإعلام في العصر الراهن من أكثر المجالات هيمنة على حياة الإنسان، بل قد أصبح جزءا من حياة الإنسان المعاصر. وهناك صلة وثيقة بين الإعلام وأهم جزء في جسم الإنسان، وهو العقل، مركز التفكير، مرکز اتخاذ القرارات، مرکز تكوين المواقف والمبادئ والقناعات، الإعلام يستهدف قبل أي شيئ العقلَ، وعن طريق العقل بالذات يستطيع الإعلام الفاسد دس سمومه في الجسم، ثم يتغير تفكير الإنسان ومواقفه وأعماله وتصرفاته شيئا فشيئا نتيجة تلك السموم التي دُسّت في الجسم، فإن الإعلام يمكنه أن يجعل الرأي العام يوافق على شيء يكرهه بالأساس عن طريق استخدام وسائل دعائية.
الإعلام يجب أن يلعب دورا كبيرا في الحفاظ على مصالح الناس، وعلى نقل الحقائق لهم دون تزييف أو تزوير أو نفاق، ولكن يبدو أن الإعلام في كل مكان من هذا العالم لم يعد إعلاما حرا يخدم جميع الناس دون تمييز. الإعلام الموجود في العالم إعلام مموّل من جهات متنفذة، يمارس ترويج أفكار وسياسات خاصة. وسائل الإعلام في مشارق الأرض ومغاربها منحازة إلا نادرا جدا. وكل وسيلة إعلامية لها رغباتها ومواقفها الخاصة سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا، تلهث وراء مصالحها، وتغطي الأحداث من منظورها الخاص، رغم ادعائها الحياد والموازنة.
من استطاع أن يسيطر على الإعلام فقد حصل على سلاح فتاك لا يضاهيه سلاح تأثيرا ودمارا وقوةً وسرعةً. إن الإعلام يعدّ من أقوى الأسلحة الفتاكة التي عرفها الإنسان على مر العصور، بل الإعلام أكثر دمارا من السلاح العسكري، وأخطر بكثير من الصواريخ والقنابل، لأنه إذا أفسد فهو يُفسد القلب، ويَقتل الضمير، ويكافح الإيمان ويقاتل المعنويات، ويُضعف العزم، إذن فهو سلاح بكل ما في الكلمة من معنى، وهذا السلاح الفتاك يستطيع أن يزيّف التاريخ، ويقلّب الحقائق والموازين، ويغير المعايير، ويطمس المعلومات، ويغسل العقول، وينشر الأكاذيب، ويؤجج الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية لصالح الأعداء الممولين له في غضون أيام، لا (حتى إنه وقت كثير) بل ربما في غضون دقائق ولحظات، يستطيع أن يظهر المجرمين السفاكين المصاصين لدماء الأبرياء على أنهم أبطال مغاوير، يستطيع أن يظهر مقاومة الأعداء والمحتلين على أنها إرهاب وتطرف وعنف واستحلال للدماء، يستطيع أن يظهر الخائن الحقير علی أنه خادم غيور، والخادمَ الغيورَ علی أنه خائن حقير عند الرأي العام، يستطيع أن يجعل العاجزَ قادرا، والقادرَ عاجزا، والمرَّ حلوا، والحلوَ مرا.
يبدو وكأن الإعلام أفيون يخدر عقول الناس، وخاصة الذين لا يتمتعون بالذكاء الكافي، وهم يشكلون الأغلبية للأسف، فإن الإعلام هو العامل الذي يدفع بالناس للتحول من موقف لآخر دون أن يشعروا بأن تغييرا ما قد حدث. وهل يفعل ذلك غير الأفيون؟ لا يمكن لأحد أن ينكر أن للإعلام دورا بارزا في ترجيح كفة الحرب لصالح ذوي الإعلام، لا شك بأن هذا الإعلام القوي المترامي الأطراف الذي أنشب أظفاره في عقول الناس جزء من المشروع الصهيوصليبي.
تخيلوا لو كانت الإمارة الإسلامية تملك من القوة الإعلامية مثلما يملكه الطرف الآخر، لكان الوضع بلا شك على غير ما حدث. أعتقد وبقوة أن أول هجمة تلقتها الإمارة الإسلامية من الولايات المتحدة هي الهجمة الإعلامية، فإن الإعلام العالَمي بادئ ذي بدء استطاع قذف رعب خطير في الشعب، واستطاع تضعيف معنويات المقاتلين، واستطاع إلى حد كبير إقناع المجتمع الدولي بأن حركة طالبان حركة إرهابية غير شرعية، وذلك من خلال نشر الأكاذيب والأباطيل. إن الإعلام الموجود أشبه بالحرب، بل هو حرب، غير أنه لا يستخدم فيها سلاح، ولكنها أشد تأثيرا بكثير من حرب يستخدم فيها السلاح.
إن صورة الإمارة الإسلامية التي يقدّمها الإعلام لعامة الجمهور أبعد ما تكون عن الحقيقة، إذ أن الحقيقة يتم دفنها دوما تحت ركام من الأكاذيب والأباطيل، فإن الإعلام في أغلبه كاذب ومضلل ومزور، يحاول خداع الرأي العام لصالح الحكام المستبدين، لصالح الغزاة المحتلين. أنا أسمّي كل من تأثر بالإعلام سواء كان غربيا أو شرقيا فتغيرت عقليته وتبدلت وجهة نظره وفقد ثقته بنفسه وبمجتمعه وقلّ احترامه لدينه ووطنه، أسمي ذلك الشخص بالجريح، كأن الرجل أصيب بالجراح في الحرب الإعلامية.
فجدير بنا أن نعي جيدا ما يحاك لنا من خطط بواسطة الإعلام المضلل الذي يقف دوما بجانب الممولين، وأن نفهم ما يجري حولنا، وأن نتسلح بهذا السلاح، وأن ننظر إلى إعلام العدو كحرب حقيقية، وأن نصنع له سلاحا مضادا، ونصنع إعلاما قويا، ونكثف نشاطاتنا الإعلامية أكثر من ذي قبل، وخاصة في الظروف الراهنة التي احتكر أعداء الإسلام فيها الإعلام بشكل خطير. أظنكم لم تنسوا بعدُ حادثَ جامعة كابل! قبل مدة وتحديدا في (2 تشرين الثاني 2020) شهدت جامعة كابل هجوما انتحاريا واشتباكات أوقعت العشرات من طلاب الجامعة. وجهت إدارة كابل أصابع الاتهام نحو حركة طالبان، بينما طالبان نفت مسؤوليتها عن العمليلة على الفور، وفعلا تبنى تتظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، ولكن هل وصل صوت طالبان إلى آذان الناس، إلا من رحم ربك؟ طبعا لا… فإنها لا تملك إعلاما قويا يدافع عن مواقفها ومبادئها وسياساتها وقراراتها، ويردّ على الأكاذيب والاتهامات التي يوجهها إعلام الأعداء إليها.