إعمار العرين
جنيد الزرنجي
بعد سقوط الخلافة الإسلامية التي كان يقودها الأتراك العثمانيون عدة قرون؛ تحوّل الشرق الأوسط إلى دار تنازع بين الأجيال، وتحوّل إلى ساحة حرب بين المسلمين وأتباع الباطل، واستمرّت النكبة وانتشرت آثارها في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، وبات المسلمون في حالة حرجة، حیث منعوا في بعض البلدان من إقامة شعائرهم الدينية مثل ارتداء الحجاب وغیره.
وذاق المسلمون كثيرًا من المرارات، وأصبحوا في حالة مأساوية، وتحوّلت بلدانهم إلى سجون ضیقة لهم، وكل من كان يرفع علم الدين، كان يقع في مرمی بنادق العدوّ، وصاروا يخشون أن يتكلموا عن عقيدتهم لئلاّ يقعوا تحت التعذيب.
وأفغانستان كانت أیضا من بين هذه الدول التي قد جرّب شعبها ما يقارب من أربعين عامًا مآزق كبيرة، توارثتها أجيال بعد أجيال، وتفاقم هذا الداء في حياة أولادهم وأحفادهم، وصبروا حتى ضجّ من صبرهم الصبر ودفعوا الثمن في سبيل تحقيق الأمل.
وبعد مرور عشرات السنين من الصمود، أدّى صمودهم وتضحياتهم إلى إشراق الشمس من بين تلك الغيوم السوداء، ودبّت في قلوبهم حياة إيمانية جديدة، والتهبت جمرات الشوق والإيمان الخامدة، وقويت الهمم الفاترة، وقاموا حاملين راية دينهم وعادت حياتهم من جديد، وتحوّل الظلام إلى الازدهار وعاد الأمل بين أحلامهم.
سيطروا علی مأمنهم، ورجعوا إلی مسْكنهم، ورفرفتْ رايتهم علی المراکز وأریافها، وتمكّنوا أخيراً من تحرير البلد التي تحطمت مدنها وبيوتها إثر مجازر الاحتلال الأمريكي، وتدمرت كل ربوعها علی أیدي اللصوص والسراق، ولم يبقَ منها سوی خريطة تسمی أفغانستان ليس فيها إلا قری مدمرة، وطرقات غير آمنة.
إن الصليبيين وحلفائهم لم یتركوا في البلد سوی قلوب محترقة، وبیوت مدمّرة، ومقابر مليئة بخيرة الرجال، وطرق لا تحس فیها بالأمن والاستقرار.
ولم تكن هذه كلها منحصرة في قطر واحد أو مدينة واحدة، بل امتلأت البلد جميعها بالمصائب ولم يوجد فیها سوی الدمار والخراب.
وأخيراً سيطر علی البلد أهلوه، وتعهدوا بإعادة الوطن مزدهرًا يتلألأ بين البلدان. وعلى الرغم من أنهم ليسوا مهندسين في مجال الإعمار، ولم يحصلوا علی الشهادات في مجال الاقتصاد، إلا أنهم -خلال سنتين من الزمن- حققوا كثیرًا من الإنجازات التي لم يحققها السياسيون والاقتصاديون الخبراء، خلال عشرین سنة أثناء الاحتلال.
لقد نبتت فكرة الإعمار في عقول المجاهدين جميعًا، حتی بين أطفالهم ونسائهم، واضطرم الشوق إلى بناء وطنهم من جديد، بعد أن نجحوا بالأمس في تدمير عتاد الاحتلال ودخول مراكزه الحصينة.
وهم اليوم، في ظل إعادة هيكلة بلدهم دينيًا واقتصاديًا وسياسيًا، أحرزوا كثيراً من الإنجازات، من صحراء محافظة نیمروز القاحلة إلی جبال بدخشان، ومن بين أشجار نورستان إلی هرات، وبدأوا بإعمار عرينهم؛ فشغلوا المصانع، وحفروا القنوات المائية، ويسروا السبل أمام کل ما يخدم الشعب، ونشروا الأمن والاستقرار.
مشروع قناة “قوش تيبه”، ومشروع “تابي”، وإعمار وترميم الطرق بين كابول وهرات وبين كابل ومنطقة “سالنج” في ولاية بغلان؛ دلائل شاهدة على تقدم کبير أحرزته الإمارة الإسلامية في مجال إعمار البنية التحتية خلال السنتين الماضيتين.