مقالات الأعداد السابقة

إلى حضن الإمارة الإسلامية

نصرالله قندهاري

عن يوم الفتح يقول ابن القيم الجوزي رحمه الله تعالى: “هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا”، ولعمري إنّ هذا اليوم هو يوم المرحمة، ويوم البر والعفو، ويوم العز والتواضع، ويوم ينبغي لكل من قام لإعلاء كلمة الله في الأرض أن يتأسى بحبيبه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم.

مواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا الندرة النادرة من الرجال، وما حُفِظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم – رغم كثرة فتوحاته وانتصاراته، أنه اغترَّ أو تكبر بنصر، بل ازداد تواضعا إلى تواضعه.

لقد دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة دخول نبي كريم، دخول من أرسله الله رحمة للعالمين، ولم يدخل دخول المنتصرين الجبارين الذين يبطشون وينتقمون من أعدائهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وآذوهم وقاتلوهم، بل قابل ذلك بالعفو الكريم، والصفح الجميل، ولو شاء أن يثأر وينتقم لفعل، ولكن هذا ليس من طبعه ولا من أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

الذي سبق أن جاءه ملَكُ الجبال فعرض عليه أن يطبق على من آذاه الجبلين، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) رواه البخاري.

وها هو اليوم في قمة انتصاره وتمكينه، يقطف ثمار صبره وصبر أصحابه وجهادهم، فتحا مبينا، دون علو في الأرض ولا فساد، بل في تواضع لله، وعفو جميل عمن أساء إليه، فقال قولته الشهيرة لمن حاربه وآذاه هو وأصحابه: (ما ترون أني فاعل بكم ؟، قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي.

ولعمري إنّ رجال الإمارة الإسلامية هم أقرب المجاهدين في التأسي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم في أفعاله وكريم أخلاقه وسماحته، فهم فتحوا الباب على مصراعيه لكلّ من أراد أن يتوب من أفعاله القديمة، ومن هنا نرى انضمام المئات من منتسبي نظام كابل إلى صفوف الإمارة الإسلامية، مستفيدين من قرار العفو الذي صدر من قيادة الإمارة، فقد انضم خلال أسبوع واحدٍ أكثر من مائة وخمسين من الجنود والشرطة – المليشيات – وغيرهم من المنتسبين لنظام كابل إلى المجاهدين، من ولايات فراه ولغمان وبلخ وبغلان.

وأشادت الإمارة الإسلامية – كعادتها – بجرأة هؤلاء المنشقّين من صفوف العدو وحسن صنيعهم ورحبتْ بهم ويسّرتْ لهم العودة للحياة المدنية والعيش بأمانٍ وسلامٍ. ويسعدنا سعادةً غامرةً أن يدرك أبناء هذا البلد – الذين خدعتهم دعاية المحتل ودولاراته – حقيقةَ الأمر، فيتوقفون عن قتل إخوانهم المسلمين واضطهادهم لصالح المحتلين، وبذلك ينقذون دنياهم وآخرتهم من الخسار والبوار.

وتحث الإمارة الإسلامية مرة أخرى جميع من بقي في صفوف الأعداء، بأن يتخلوا عن المقاومة غير المجدية وغير المبررة، وهذه فرصة ثمينة لهم للعودة إلى أحضان شعبهم، فمن كانوا يقاتلون في سبيلهم من قادتهم هم اليوم يفرون تاركينهم شيئاً فشيئاً. وبالنسبة لنظام كابل فعليهم أن يعوا ويعقلوا بدلاً من أن يتبعوا نفوسهم أهواءها، وأن يتقوا الله في أنفسهم وفي أبناء شعبهم وأن يحبوا دينهم وشعبهم ووطنهم فلا يسفكوا الدم الحرام ولا يهدموا بيوت الآمنين، وبذلك يحمون آخرتهم من الخسران والهلاك.

وتفتح الإمارة الإسلامية حضنها لهم على الدوام، فكلما جاؤوا سترحب بهم مثل الأبطال، وستعفو وتصفح عنهم، ولن تنتقم منهم، وسيعيشون حياةً طبيعية في سلام وهدوء مثل المواطنين الآخرين السعداء والعاديين. وستكرم أفراد نظام كابل التائبين على الدوام، وتمنحهم الطمأنينة برفضهم لمحاربة إخوانهم المسلمين، وإن فقدوا ما فقدوا من المنافع الدنيوية الزائلة والزهيدة؛ لكنهم في المقابل سينجون من الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى