مقالات الأعداد السابقة

اتفاقية الدوحة وأبطالها الحقيقيون

أبو فلاح

 

مع حلول الذكرى السنوية الثالثة لتوقيع اتفاقية الدوحة (29 فبراير/ شباط 2020) التي مهّدت الطريق للانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد 20 عامًا من الاحتلال الغاشم والعدوان السافر وانتهاك حقوق وحريات الإنسان “المسلم” بعد عشرين عاماً من حياة لا تطاق، (أو بالأحرى) مهّدت هذه الاتفاقية الطريقَ للإعلان عن الهزيمة الأمريكية النكراء التي طالما سعى الإعلام العالَمي أن تبقى طي الكتمان. مع حلول هذه الذكرى، تحتفل الإمارة الإسلامية بها كإنجاز وطني تاريخي إسلامي بالنسبة للشعب والوطن.

نحتفل بها، ولكن من دون أن ننسى صانعي هذا الانتصار وتضحياتهم وبطولاتهم وآلامهم، من دون أن ننسى شهداءنا الأبطال، كلما مرّت بنا ذكرى هذا اليوم نتذكر شهداءنا الذين كانوا سبباً لهذا الفتح المبين، والذين يبقى مكانهم شاغرًا في قلوبنا للأبد، وهل يستطيع أحد أن يملأ هذا الفراغ الهائل؟ مهما تغيرت الظروف، ومهما تقلبت الأيام، يبقى رفاق الدرب لا يغادرون ولن يغادروا قلوبنا. وهذا الفتح العظيم يعود فضله إلى الشهداء الأبطال والاستشهاديين الأشاوس الذين حفروا أثرهم في تاريخ هذه البلاد، وهل يستطيع الجبابرة مهما كثرت أعدادهم ومهما قويت سواعدهم إذلال شعب يقرع شبابه باب الموت في سبيل الدين والمبادئ، والأرض والعرض، واللحاق بقافلة الاستشهاديين؟ كلا وحاشا!

وهل يمكن أن تُلهينا زخارف الدنيا عنهم، بينما هم مَن منحونا هذه الدنيا التي نحكمها راهناً؟ هم مَن صنعوا مجدنا بأشلائهم وجماجمهم، وحرّروا وطننا، صنعوا حاضرنا وزادوا في تاريخنا الغني إنجازًا جديدًا، وأناروا مستقبلنا، وحفظوا كرامتنا، وحملوا على عاتقهم مسؤولية الذود عن حياض الدين والوطن والكرامة الأفغانية، وخلّدوا هذه الصفحات المجيدة في صفحات التاريخ الإنساني. هم مَن دفعوا بدمائهم ثمنَ هذا الإنجاز العظيم التاريخي الذي لا مثيل له في العصر الراهن والتاريخ الحديث. هم من فرضوا احترام حقوق هذا الشعب وحقوق هذا الوطن على المجتمع الدولي. هم مَن أكّدوا للعالم أن هزيمة جبابرة اليوم على أيدي المستضعفين المقهورين بالمعدات البسيطة وبالإيمان القوي؛ ليس ممكناً فحسب، بل إن شواهده على أرض الواقع حاضرة، شهدها القاصي والداني بأمّ أعينهم في أرض الأفغان. هم مَن سقوا بدمائهم الزكية هذه الدوحة، دوحةَ الشريعة والاستقلال والحرية، الدوحةَ التي نقطف ثمارها الآن.

نجدّد في هذا اليوم التاريخي لشهدائنا الميثاق بأننا ماضون في دربهم، مواصلون لأهدافهم السامية، باقون على ما قدموا من أجله أرواحهم، ونقسم لهم بأن دماءهم لم ولن تذهب عبثا بإذن الله تعالى. وإنه ليوم تاريخي ستبقى ذكراه في الأجيال القادمة وسيعتز به كل أفغاني مستقبلاً، وسيبقى محفورًا في سجل هذا الوطن العظيم؛ يحكي حكاية شعبٍ يرفض الظلم والذل ولا يقبل الخضوع والركوع إلا لله عز وجل، حكاية شعب طالما جرَّع الغزاة الهزائم تلو الأخرى، شعب قدم التضحيات الجسام بسخاء، شعب بذل الغالي والنفيس على مر التاريخ. إن هذا اليوم حدث أبرز في تاريخ الإمارة الإسلامية خارجيًا، وانتصار كبير في تاريخ البلاد على الإطلاق، وسيبقى محفورًا في القلب والذاكرة، وفي وجدان كل أحرار العالم، وسيؤثر إيجابيًا في صنع مستقبل جميل ومشرق لكل شعب ذاق مرارة الاحتلال والعدوان، وهو الحدث الذي اعتبره كثير من المعلقين الأمريكيين هزيمة كبرى وفشلًا كبيرًا للولايات المتحدة.

إنهم فشلوا في تحقيق أدنى أهداف وجودهم هنا، وذهبت دماء جنودهم هدرًا، وذهبت جهودهم وأموالهم في مهب الرياح، ولم يجدوا بدًا من جرِّ أذيال الخزي والعار. لقد هزم شهداؤنا الغزاة هزيمة ستبقى في تاريخهم نقطة عار للأبد، ولقنوهم درسًا لن تنساه أجيالهم القادمة؛ وهو أن النظر إلى الوطن الإسلامي الأفغاني بنظرة سوء مغامرةٌ خطيرة سيدفع ثمنَها باهظًا وسيعض على أصابع النّدم كلُّ من طمع به، وسيدفع الثمن غاليا كل من حاول المساس أو إلحاق الضرر به.

سيطرت الإمارة الإسلامية في عهدها الثاني على كامل التراب الأفغاني، على عكس حكمهم الأول بين عامي 1996-2001، فإنها حينئذ لم تستكمل سيطرتها على جميع أراضي أفغانستان؛ هذه طبيعة هذا الشعب، هذه خصلة هذه الأرض، جبالها ووديانها وصحاريها وأنهارها، وهذا يعني أن الإمارة الإسلامية تحت تأثير الحرب العالمية ضدها بقيادة أمريكا لم تصمد فحسب، بل عادت أقوى بكثير من ذي قبل، عادت والشعب ملتف حولها، عادت وقد باتت ثقافةَ الكبار والصغار، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، لم يفلح الاحتلال في انتزاع القيم والمعتقدات الإسلامية وروح الحرية والاستقلال من قلب هذا الشعب، كما لم ينجح في تغييب الجهاد والتضحية والسلاح كأفضل حل لمواجهة العدوان من عقل هذا الشعب واهتماماته، والفضل في كل ذلك -بعد الله- يعود إلى تضحيات شهدائنا الأبطال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى