مقالات الأعداد السابقة

استشهاد خليل الرحمن حقاني، وردود فعل داخلية ودولية

کتبه: د. سعید الأفغاني، الأکادیمي والأستاذ الجامعي

 

من هو خليل الرحمن حقاني:

وُلد خليل الرحمن حقاني في عام 1942 في ولاية بكتيا، محافظة (کردی سیره)، في منطقة (سراني) بقرية (كوندو). وكان ینتمي إلی قبيلة سلطان‌ خيل من عشیرة زدران والتي تعتبر من قبائل البشتون المعروفة.

على الرغم من أنه لم يتلقَّ تعليماً منتظماً في المدارس أو الجامعات أو المعاهد الدينية، إلا أنه كان يتمتع بحكمة شعبية وفهم قومي عميق، وكان له دور كبير في حل النزاعات القبلية، حیث كان جده زعيماً قبلياً، وهو ترعرع وكبر وقضی في مثل هذه القبیلة التي کانت مرجعاً ومأوی لعامة الناس وخاصتهم في المنطقة.  وعلی هذا الأساس، كان له دوراً بارزاً في حل النزاعات القبلية والشعبية عبر مجالس المصالحة في شتی الحالات.

 

نشاطاته الجهادیة: 

انخرط الشیخ خلیل الرحمن حقاني في النشاطات الجهادية برفقة شقيقه المولوي جلال الدين حقاني ﵀، في محاربة القوى العظمى (الاتحاد السوفيتي والأمريكان)، وکان أحد الشخصيات البارزة في الجهاد والنضال في المناطق الشرقية من أفغانستان، وخاصة في إقليمي: خوست وبكتيا، كما اشتهر بدوره المحوري في الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفييتي في الثمانينات ( الجهاد ضد السوفييت 1979-1989).

بعد الإطاحة بحكم إمارة أفغانستان الإسلامیة في 2001، لعب خليل الرحمن حقاني دوراً قيادياً في تنظيم الهجمات ضد الاحتلال الأمريكي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من (2001 إلی أغسطس 2021)، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية من أفغانستان، حیث کان له دوراً بارزاً في الجهاد والمقاومة، حتی تعرض منزله لهجمات أثناء الغزو الأمريكي، واستشهد خلالها بعض من رفاقه، لكنه نجا وواصل الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي. حتی لعب دوراً أساسياً في هزيمة القوات الأمريكية المحتلة.

 

العقوبات الأمريكية:

في عام 2011، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية خليل الرحمن حقاني ضمن قائمة الإرهابيين الدوليين، وخصصت مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه، وذلك نتيجة تورطه -حسب بیان الخارجیة الأمریکیة- في عمليات ضد القوات الأمريكية.

 

بعد عودة الإمارة الإسلامیة إلى الحكم:

بعد عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم في أغسطس 2021، عقب هزیمة القوات الأمريكية وانسحابها، تم تعيين خليل الرحمن حقاني مسؤولاً عن الأمن في العاصمة كابول. ثم بعد تشکیلة الحکومة المؤقتة تم تعيينه وزيرًا لشؤون اللاجئين والعودة، حيث قام خلال فترة عمله بتقديم الدعم والمساعدة للعديد من العائدين من الخارج وأدار هذه الملفات بكفاءة کاملة. وأصبح أحد أبرز قادة الحکومة وصناع القرار في النظام الجديد.

وفي النهاية، استُهدِف یوم الأربعاء، 11 دیسمبر من العام الحالي 2024، إثر هجوم غادر في مقر عمله، مما أسفر عن استشهاده واستشهاد بعض مرافقيه. وقد تبنى تنظيم داعش الإجرامي مسؤولية هذا الهجوم في بیان رسمي عبر وکالة “أعماق” التابعة له.

 

تشييع خليل الرحمن حقاني بحضور كبار المسؤولين في الإمارة الإسلامیة:

أقيمت مساء يوم الخميس 12 دیسمبر، مراسم دفن خليل الرحمن حقاني، القائم بأعمال وزير وزارة اللاجئين والعائدين، وسط إجراءات أمنية مشددة في منطقة (کردی سيري) بولاية بكتيا.

وحضر هذا الحفل عدد من كبار المسؤولين في حکومة الإمارة الإسلامية، من بينهم: زعیم الإمارة الإسلامیة، والنائب السياسي لرئيس مجلس الوزراء، ووزیر الخارجیة، ووزیر التعلیم العالي، ووزیر الحدود والقبائل، ونائب وزیر الداخلیة، ونائب وزیر الدفاع، وعدد من الوزراء والمحافظون وغيرهم من کبار المسؤولين، بالإضافة إلى عدد كبير من مواطني البلاد.

وتحدث أعضاء حكومة الإمارة الإسلامیة في مراسم التشییع عن إنجازات وزیر وزارة المهاجرين والعائدين، ووصفوه بأنه کان من أبرز الشخصیات الجهادیة في تاریخ أفغانستان تجاه الاحتلال.

ووصف مولوي عبد الكبير -النائب السياسي لرئيس الوزراء- خليل الرحمن حقاني بأنه كان مجاهداً في مرحلتين من الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وذكر إنجازاته خلال الجهاد، فقال: “إن الشیخ خلیل الرحمن شارك في الجهادين؛ الجهاد ضد الروس والجهاد ضد أمريكا وحلف شمال الأطلسي. کما كان مهاجراً في كلا الجهادین”.

وقال خليفة سراج الدين حقاني، وزير الداخلية بالوكالة: “إن خليل الرحمن حقاني کان من أبرز الأعداء للكفار المحتلین في أفغانستان، وأن الأمريكيين حددوا مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يلقي القبض عليه”. وأضاف: “إن الله هو المنتقم، أنا فقط حزين لأن من قام بهذا الفعل الضعيف يظن بأنه عدو للكفار وليس عدو للمسلمين، وكان الأمريكيون قد وضعوا مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يأتي برأسه، فهذه العملیة کانت لصالحهم فقط”.

وقال القائم بأعمال وزير الخارجية؛ المولوي أمير خان متقي -خلال مراسم دفن خليل الرحمن حقاني ﵀ في ولاية بكتيا-: “وفقًا لتحقيقات الإمارة الإسلامية، فإن ستة من بين سبعة هجمات تم التخطيط لها خارج أفغانستان. والتحقيق جارٍ لمعرفة مصدر هذا الهجوم أيضًا. ندعو جميع الدول إلى عدم التغاضي عن مثل هؤلاء الأشخاص الظالمين وعدم منحهم مأوى”.

وبحسب الخبراء الأمنیین، فإن تصریحات وزیر الخارجیة الأفغاني تشیر إلی تورط الجارة الشرقیة لأفغانستان في مثل هذه الأنشطة المخربة التي يقوم بها تنظیم داعش الإجرامي في أفغانستان.

 

الجدیر بالذکر بعد إعادة الإمارة الإسلامية إلی الحکم، يعد هذا أول عضو في حكومة الإمارة الإسلامیة يتعرض لهجوم بهذه الطريقة؛ وهو الهجوم الذي أثار ردود فعل محلية وعالمية واسعة النطاق.

 

ردود فعل داخلیة:   

وصفت حکومة الإمارة الإسلامية استشهاد خلیل الرحمن حقاني بالخسارة الكبيرة. وأدانت إمارة أفغانستان الإسلامية والعديد من الدول الأخرى الهجوم على خلیل الرحمن  حقاني ووصفته بأنه عمل جبان.

ونشرت الإمارة الإسلامية بياناً قالت فيه: “إن الإمارة الإسلامية تعتبر استشهاد المرحوم حقاني خسارة كبيرة للإمارة الإسلامية والمجاهدين وأهله وجميع الشعب الأفغاني”. وأضاف البيان: “إن الحاج خليل الرحمن حقاني كان مجاهداً بارزا، قضى حياته كلها دفاعاً عن دين الله تعالى في جهاد الهجرة وتحمل المشاق”.

وقالت السفارة الأفغانية في إسلام أباد: “كان الشهيد حقاني عضوًا في عائلة مجاهدة تشكل قصص تضحياتها أحد أعظم أجزاء التاريخ الجهادي الذهبي لأفغانستان. لقد كرس حياته لخدمة شعب أفغانستان، وخاصة اللاجئين”.

وأعرب محمد سهيل شاهين، رئيس المكتب السياسي للإمارة الإسلامية في قطر، عن أسفه لاستشهاد الحاج خليل الرحمن، وقال: “إن الشهيد الحاج خليل الرحمن حقاني قضى حياته كلها في الجهود الجهادية لتحرير البلاد وإقامة النظام الإسلامي، خدم الناس وطالب بالسلام والتقدم في البلاد، بذل كل جهوده في هذا المسیر، تقبل الله تعالى استشهاده وأسكنه الجنة”.

وأبدى حافظ أنس حقاني، ابن شقيق خليل الرحمن حقاني، أسفه لاستشهاده، وقال: “إنه حارب امبراطوريتين في سبيل الإسلام والحرية، وفي هذا الطريق أصيب بعشرات الجراح، وعانى الأسر وآلام استشهاد العديد من الأحبة، لكنه تحمل ولم يفشل أبدًا، وحصل على الحرية والاستقلال لبلاده مرتين. ووضع المحتلون عليه مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار، لكنهم فشلوا، وفي النهاية استشهد على أيدي الخوارج ممن يدعون أنهم يتبعون دين الإسلام”.

وأضاف أنس حقاني: “دائماً استشهدت على أيدي الخوارج شخصيات عظيمة في تاريخ الإسلام، وانضم خليل الرحمن حقاني إلى هذه القافلة المقدسة. ورغبة كل مجاهد هي أن تنتهي مسیرته بالشهادة، وأهلنا لم يتخلفوا عن ذلك، فشهادته شرف.”

کما عبّر کل من: حامد کرزاي؛ الرئیس الأفغاني السابق، وعبدالله عبدالله، وقلب الدین حکمیتار، وشخصیات سیاسیة بارزة أخری عن تعازيهم ومواساتهم بشأن اغتیال خلیل الرحمن حقاني ﵀.

 

ردود فعل دولیة:

أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانا أدانت فيه بشدة اغتیال وزير المهاجرين والعائدين وبعض رفاقه، وأعربت عن تعازيها لأسر الضحايا والإمارة الإسلامية.

من ناحية أخرى، أدانت وزارة الخارجية الإماراتية هذا الاغتیال، حیث جاء في بيان وزارة الخارجية الإماراتية: “تدين الإمارات العربية المتحدة بشدة هذه الأعمال الإجرامية، وترفض جميع أشكال العنف والإرهاب التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، والتي تتعارض مع القوانين الدولية”.

وکذلک أدانت وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة التعاون الإسلامي بشدة اغتیال الحاج خليل الرحمن حقاني. کما أدانت السفارة التركية في كابول الهجوم على الحاج خليل الرحمن حقاني وأعربت عن تعازيها للشعب الأفغاني.

وفي الوقت نفسه، أدانت سفارة المملكة العربية السعودية في كابول الهجوم على السيد حقاني وأعربت عن تعازيها لشعب أفغانستان.

من جهة أخرى، أدانت السفارة اليابانية في كابل الهجوم ضد القائم بأعمال وزير المهجّرين والعائدين، ودعت إلى وقف مثل هذه الهجمات. وقالت السفارة اليابانية في بيان: “بينما ندين هذا الحادث، نعرب عن تعاطفنا مع الضحايا وعائلاتهم، ويجب أن تتوقف هذه الهجمات الإرهابية على الفور”.

کما أدانت سفارتا أفغانستان في باكستان وتركمانستان الهجوم على الشهيد حقاني وقدمتا تعازيهما لعائلته وأصدقائه وأتباعه.

 

وأخیراً یجب أن نذکر بأن مثل هذه الحوادث تقع في دول أخرى أيضًا، مثل حادثة موسكو، والهجوم الذي وقع في مدینة زاهدان في إيران؛ ومع ذلك، يجب على حکومة الإمارة الإسلامية أن تأخذ مسألة الأمن، التي تُعتبر أحد إنجازاتها على محمل الجد.

والخلاصة: إن خليل الرحمن حقاني هو شخصية قيادية رئيسية في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت والأمريكان. وبالإضافة إلى جهوده في مقاومة الاحتلال الأجنبي، فإن أعماله ودوره البارز في حل النزاعات القبلية والشعبية عبر مجالس المصالحة في شتی الحالات وضعه في صدارة الشخصيات الشعبية والوطنية.

ومع عودة الإمارة الإسلامیة للحكم، أصبح أحد أبرز قادة الحكومة وصناع القرار في النظام الجديد، حتی استشهد یوم الأربعاء 11 دیسمبر العام الحالي 2024 إثر الهجوم الغادر في مقر عمله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى