مقالات الأعداد السابقة

اغتيال العلماء، الأزمة والحلول

محمد عمر نيمروزي

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

إن بلدنا الحبيب أفغانستان، غارق في أزمة شديدة لم يسبق لها مثيل في العقود الأخيرة، ويمر بمرحلة خطيرة تحبس الأنفاس. يحاول كل قائد من قادة الفساد ورائد من روّاد الفوضى الحصولَ على موطئ قدم في هذه البقعة المباركة. وكل واحد من هؤلاء الفاسدين المفسدين يسعى بكل ما يملك إلى إرضاء الدول الأجنبية، ولتحقيق هذا الهدف المشؤوم هُم على أتم استعداد للقيام بأي عمل قبيح وبعيد عن الثقافة الأفغانية والبشرية. هؤلاء المتعطشون للسلطة قد عميت أبصارهم لدرجة أنهم لا يعبأون في سبيل ذلك بضياع شرفهم؛ ناهيك عن شرف الأفغان الآخرين.

إن المأساة الجديدة التي يواجهها شعبنا المضطهد، هي اغتيال العلماء الممنهج؛ المأساة التي تستهدف أنفَس ما يملكه الشعب الأفغاني الأبي، العقد الثمين الذي لا يساوم عليه الأفغان أحدًا. وهذا الأمر واضح لكل ذي بال، وضوح الشمس في رابعة النهار؛ بأن أيدي المخابرات ومرتزقة نظام كابول الكريهة، ملوثة بهذه الحوادث اللاإنسانية والبعيدة عن الرجولة. فنظام كابول يريد تلويث المياه ثم صيد الأسماك في هذه المياه العكرة لصالحه. إنهم يعرفون أشد المعرفة بأن جذورالإمارة الإسلامية تكمن في العلماء الربانيين، هذه الدوحة التي أصلها ثابتٌ في الأرض وفرعها في السماء. يريدون قطع هذه الشجرة المباركة والدوحة ذات الظلال الوارفة، غافلين بأن الزبدَ يذهب جُفاءً وأما هذه الدوحة فتمكث في الأرض وتنمو بكل دم يهراق في سبيل الله.

استشهاد الشيخ صلاح الدين التوحيدي والدكتور نيازي رحمهما الله كان بمثابة جرح عميق لقلوبنا، لم يندمل بعدُ، حتى استهدف الأعداء مرة أخرى بسهامهم السامة العالم التقي الشيخ عزيز الله مفلح رحمه الله.

ومن المثير للاهتمام أن جميع العلماء الذين استشهدوا كانوا من أشد المعارضين لاحتلال البلاد ووجود الأجانب فيها. إن كلمات الدكتور نيازي والشيخ مفلح رحمهماالله بخصوص احتلال البلد وضرورة مغادرة المحتلين، هي مؤشر سريع وواضح على أن قتلة هؤلاء النبلاء، ليس إلا المحتلين والمرتزقةَ المبارِكين للاحتلال.

وقد أصدرت الإمارة الإسلامية بیانا خاصا استنکرت ونددت فیه بهذه الجریمة النکراء.

يجب على العلماء اتخاذ خطوات أمنية سريعة حفاظا على أنفسهم، كما قال الشيخ ذبيح الله مجاهد حفظه الله الناطق الرسمي باسم الإمارة الإسلامية، في بيان له إثر حادثة اغتيال الشيخ مفلح: «نطلب من العلماء أن يكونوا على دراية تامة بأمنهم، لأن عدوَّ منهجهم وعقيدتهم، شرير للغاية وقاسي القلب، ولا يمتنع عن أي إرهاب أو جريمة بشعة».

ونحن في هذه العجالة القصيرة، نوجّه خطابنا إلى شعبنا الأفغاني الأبي والعلماء الربانيين في جميع أنحاء البلد، وخاصة في العاصمة كابول والمقاطعات الأخرى؛ نقول لهم: أيها الشعب العزيز، يجب أن نفهم أن العلماء الربانيين هم الثروة الروحية لهذه الأمة، ومثَلهم كمثل الشمس المشعة التي تبدد الظلام وتحارب الجهل والخرافة والبدعة. ولولا وجود العلماء المخلصين لأُبيدت معاقل المجاهدين، ومساجد المصلين ومراكز الدعاة الموحدين من سنوات بل من قرون. يجب على الشعب المسلم أن يضحي بحياته وممتلكاته، ويخطو خطوات سريعة وجريئة لحماية العلماء الأعزاء في طول البلاد وعرضها. يجب تعيين حرّاس لحماية العلماء ومراقبتهم طوال اليوم، وينبغي أن يكون الحارس كالنسر ينظر بعيون حادة، ويطوف حول العالِم طواف الفراش حول الضوء، حتى لا يستطيع العدو الماكر اختراق الحصن الأمني الذي وضعه الحارس الذكي الأمين، والتسللَ إلى العالِم.

أيها الشعب الكريم، ينبغي أن تعلم بأن العلماء هم حراس عقيدتك، فكن حارسَ جسدهم؛ قال النبي صلي الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.» رواه الترمذي.

وأيضا، أيها العلماء الأعزاء، خاصة أولئك العظماء الذين لهم دورُ القيادة والريادة في المجتمع، يجب أن تفكروا بشكل أساسي في حماية أنفسكم، لأن الحذر وحماية النفس ومراعاة الإجراءات الأمنية ليست ضد التوكل، بل هي فريضة تجب مراعاتها؛ كما أن آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية وسيرة الصحابة رضي‌ الله عنهم خير دليل على ذلك. يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ» وقال في موضع آخر: «وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» وقال: «وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ» وكذلك النبي صلي الله عليه وسلم نفسه، ـ الذي هو أسوة لناـ، على الرغم من شجاعته التي لا مثيل لها، كان يفكر دائمًا في حماية نفسه حتي لا تسنح الفرصة للعدو لتوجيه ضربة إليه، كما قال للصحابة رضي الله عنهم في إحدى غزواته: «من يحرسنا الليلة؟» رواه المنذري في الترغيب والترهيب.

والصديق أبو بكر رضي الله عنه كان حارسَ النبي صلى الله عليه وسلم حول العريش المنصوب على الربوة، في غزوة بدر الكبرى، لأنه كان من الممكن أن يستغل العدو انشغال المسلمين عن قائدهم، وبذلك يهاجم خيمته صلى الله عليه وسلم.

وورد في حديث آخر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى في الحجر قام عمر بن الخطاب على رأسه بالسيف.» رواه ابن شبة في تاريخ المدينة.

وفي الأيام الأولى بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، لم يكن الوضع الأمني جيدًا، فكان الصحابة رضي الله عنهم يقومون بالحراسة حول بيته صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث: «فلما قدم المدينة قال: ليت رجلاً من أصحابنا صالحاً يحرسني الليلة. إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: من هذا؟ قال: أنا سعد بن أبي وقاص جئتُ لأحرسك. فنام النبي صلى الله عليه وسلم.» صحيح البخاري، باب الحراسة.

وفي عهد عثمان ومعاوية رضي‌ الله عنهما لم يكن الأمن سائدًا في المدينة النبوية وأرض الشام المباركة، ولأجل ذلك بنوا في المسجد مقصورة خاصة لأنفسهما، لئلا يتسلل العدو إليهما منتهزًا غفلة المصلين والحراس. وحتى أثناء سجودِ سيدنا معاوية رضي الله عنه، كان الحارس يقف على رأسه شاهرًا سيفه.

من جميع الآيات والأحاديث السابقة نستنبط أن الحراسة قضية مهمة، ويجب على العلماء العاملين أن يفكروا في حل هذه المعضلة الأمنية.

 

إليكم بعض التوجيهات الأمنية التي تتبادر إلى ذهني:

1 ـ أن يكون لدى العلماء مسدسات لحماية أنفسهم.

2 ـ أن تكون لديهم سيارة خاصة وسائق خاص.

3 ـ يجب أن يكون معهم حارس واحد على الأقل. وهذا ليس ضد التوكل، بل واجبٌ واجب.

4 ـ في هذه الظروف السيئة أمنيا، يجب على أئمة المساجد وخطبائها إغلاق المساجد بمجرد انتهاء الصلاة، حتى لا يتمكن أحد من القدوم إلى المسجد سرًا ووضع القنابل خفية في المنابر وغير ذلك. ومع الأسف قد أُصبنا عدة مرات بهذه الطريقة، كما استشهد شقيق أمير المؤمنين وكذلك الشيخ مفلح رحمهما الله بنفس الطريقة.

5 ـ يجب أن لا يبتعد سائق السيارة عنها، لأن العدو قد يكون بالمرصاد ليلصق قنبلة لاصقة على السيارة، حينما يبتعد السائق عنها.

6 ـ ينبغي أن يستقلوا سيارات ذات زجاج دخاني.

7 ـ عند مغادرة العالِم المنزل إلى المسجد وخاصة أثناء صلاة الفجر، يجب أن يكون الحارس إلى جانب العالم، يسير أمامه مرة وخلفه تارة وعن يمينه وشماله، كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة.

8 ـ يجب عليهم أن يجتنبوا الاجتماعات والتنقلات غير الضرورية بقدر الإمكان.

9 ـ يجب أن لا يلتقوا بكل شارد ووارد؛ لأنه في هذه الحالة قد يرسل العدو مريضًا مصابًا بكورونا لزيارة العلماء واغتيالهم بيولوجيا.

10 ـ يجب تنصيب الكاميرات على بوابة منازلهم وفي المسجد ومحيطه. فهذا العمل يخيف العدو ويعيق تحركاته إلى حد كبير.

11 ـ لو جاء أحد لزيارة العلماء، فلا ينبغي أن يجلس لوحده، لأن الزائر قد يكون عدوًا، وبانتهاز الفرصة قد يقتل العالم بمسدس مجهّز بكاتم صوت؛ كما استشهد الشيخ صلاح الدين توحيدي رحمه الله بهذه الطريقة في بيته في نيمروز.

12 ـ العلماء الذين لديهم القدرة المالية، إذا تجولوا بالسيارة في المدينة ونواحيها، فينبغي بل يجب أن تكون معهم سيارتان بدل سيارة واحدة، وأن يجلس الحرّاس على متن كلتا السيارتين، وهذا سيساعد على تحييد هجوم العدو وتشتيت مخططه. كما أن العلامة محمد تقي‌ العثماني حفظه الله من كبار علماء الأمة، حينما هاجمه العدو وهو في طريقه إلى الجامع في مدينة كراتشي، كان أحد أسباب نجاته من الاغتيال، ـ بعد التأييد الرباني ـ أن كانت معه سيارتان.

ومع كل هذه الإجراءات الأمنية وغيرها، يجب أن يكون حصنهم الحصين، الكلمات التي يعصم بها اللهُ سبحانه عبدَه من كل ضرٍّ، وهي: «بسم الله الذي لا يضره مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ثلاث مرات في صباح كل يوم ومساء كل ليلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى