مقالات الأعداد السابقة

اغتيال العلماء والدعاة في العاصمة كابول

 

ابتدأ في الآونة الأخيرة مسلسل الاغتيال الأهوج للعلماء والدعاة والمصلحين والشخصيات المعادية للاحتلال الأمريكي، حيث استهدفت سلسلة من التفجيرات بيوت الله في العاصمة كابول مما أدى إلى استشهاد عدد من العلماء والمصلين.

ففي غضون أسبوعين وقع انفجاران في مساجد العاصمة كابول أحدهما في مسجد (وزير محمد أكبر خان) الواقع في الجزء الدبلوماسي من كابول وقد أسفر عن مقتل الدكتور (محمد اياز نيازي) امام مسجد (وزير اكبرخان) وأحد أشهرالدعاة في العاصمة.

وأسفر انفجار مماثل آخر عن مقتل المولوي (عزيز الله مفلح)، وهو عالم دين بارز آخر وإمام مسجد (شير شاه سوري) في منطقة (كارتي شار) بمدينة كابول.

هذا، وقد سبق أن استًهدف عدد من العلماء والدعاة والمصلحين ومحاربي الفواحش، ونشطاء السلام، والمحللين السياسيين، والصحفيين الأحرار، بشكل غامض بالقرب من نقاط التفتيش العسكرية في العاصمة كابول.

وكعادتهم يخرج المسؤولون الأمنيون في إدارة كابول كل مرة إلى وسائل الإعلام ويصفون الهجمات بالإرهابية، ويسارعون إلى سكب دموع التماسيح على هذه الجرائم، ويحاولون تبرئة أنفسهم، وتوجيه أصابع الإتهام نحو الإمارة الإسلامية، ولكن الشمس لا تغطى بغربال ولا تنطلي هذه الحيل إلا على السذج والبسطاء؛ فهناك أدلة قوية على تورط إدارة كابول العميلة في هذه التفجيرات.

بعد هذه السلسلة من الاغتيالات عقد علماء أفغانستان عدة اجتماعات في عدد من الولايات، منها: هيرات، ونيمروز والعاصمة كابول وأصدروا قرارات بشأن هذه الاغتيالات، وبينوا أن جذور هذه الجرائم تعود إلى الاحتلال، وطالبوا بالإنهاء الفوري للاحتلال الأجنبي، وأن إدارة كابول هي المسؤولة عن هذه الجرائم واتهموها بالوقوف وراء اغتيالات علماء أفغانستان.

خيوط المؤامرة تتكشف؛ ففي الآونة الأخيرة بثّت بعض المواقع فيديو اعترافات لعناصر من داعش وقعوا أسرى بأيدي المجاهدين، يعترفون بتورطهم في مسلسل الاغتيال الإجرامي للعلماء والأشخاص المعادين للاحتلال والساعين للسلام، وأن وراء هذه الجرائم يد “رحمت الله نبيل” الرئيس السابق للمخابرات الأفغانية، فهو من قام بتجنيدهم واستخدامهم في اغتيال عدد من الشخصيات البارزة.

المأمومون الذين شاركوا في جنازة المولوي (عزيز الله مفلح) كانوا يرددون هتافات (الموت لأمريكا)، وقالوا في تصريحاتهم مع قناة كابول نيوز: “إن أمريكا وإدارة كابول هما وراء اغتيال العلماء”، وقال (الشيخ محمد آصف) أحد مأمومي الشهيد (عزيز الله مفلح): “جاء عناصر الأمن قبل يوم من الانفجار إلى المسجد وأخرجوا جميع المصلين من المسجد وفتشوا المسجد. وهم من زرعوا هذه المتفجرات”.

وقال (عنايت الله) وهو أستاذ في الجامعة: بأن خطة اغتيال العلماء هي خطة السفارة الأمريكية التي يقومون بتنفيذها عبر عملائهم الأفغان.

إيصال المتفجرات إلى منطقة آمنة مثل منطقة (وزير أكبر خان)، وإدخالها إلى مسجد (وزير أكبر خان)، ثم زرعها هناك، ثم تفجيرها بواسطة آلة التحكم عن بعد، أمر لا يمكن بدون مساعدة من القوات الأمنية، لأن المنطقة المذكورة داخلة ضمن المنطقة الخضراء، وتخضع لتدابير أمنية مكثفة، ومحاطة بكاميرات المراقبة، حتى أن ساكني هذه المنطقة تحت مراقبة موظفي الأمن وتفتش سياراتهم بشدة.

إن الاغتيالات في ولاية كابول وإن كانت تعلن في وسائل الإعلام باسم المسلحين المجهولين والهجمات المشبوهة، فهي تستهدف نشطاء السلام، وعلماء الدين، والدعاة المصلحون، ومحاربو الفواحش والمعادون للاحتلال وعملائهم.
وهؤلاء المسلحون المجهولون في الحقيقة قتلة مستأجرون لوكالة المخابرات الأفغانية، تستهدف بهم من تريد تصفيتهم، وهذه ليست مجرد دعوى بل هناك أدلة وشواهد تدل عليها.

إن الذين تم استهدافهم حتى الآن كلهم كانوا يعادون الاحتلال ويحبون السلام الحقيقي، ويحاربون الفواحش، فقد كان الشهيد (محمد أياز نيازي) والشهيد (عزيز الله مفلح) يُعرفان في الحلقات العلمية والدينية بعدائهما للمحتلين، وفي كل مناسبة كانا يتحدثان عن جرائم الاحتلال.

هؤلاء العلماء كان لهم نفوذ واسع في الشعب، يحبهم الناس ويأتمرون بأمرهم، وكانوا أساتذة في جامعة كابول يتأثر آلاف من الطلاب بآرائهم المعادية للاحتلال.

هؤلاء العلماء كانوا يؤيدون إتفاقية إنهاء الاحتلال التي تم توقيعها في الآونة الأخيرة بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة، وكانوا يعلنون تأييدهم لها في كل خطبة ومناسبة، ولو استمعنا إلى كلماتهم وخطبهم حول معاداة الأمريكيين وعملائهم؛ لحددنا بوضوح هوية القتلة وأسباب مقتل هؤلاء العلماء.

لنأخذ على سبيل المثال الشهيد الدكتور (محمد أياز نيازي) حيث كان يكرر في خطبه هذه الجملة: “من كان يؤمن بأمريكا فأمريكا قد ماتت”، هذه الكلمات ليست لمواطن بسيط، بل خطبة تحريضية لخطيب مفوه وأستاذ جامعي يخطب في المنطقة الخضراء في العاصمة كابول، ويستمع لخطبه آلاف الناس.

الشهيد الدكتور نيازي لم يتخرج من مدارس باكستان ليوهم أن خطبه ضد الاحتلال تنطلق من نزعة باكستانية.
الشهيد نيازي كان شخصية أكاديمية نال شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر العالمية في الشريعة، وكمسلم حر كان لا يقبل الاحتلال الأجنبي لبلده.

وجامع (وزير أكبر خان) وجامع (شير شاه سوري) من أكبر مساجد العاصمة، لذلك تريد إدارة كابول أن ترتقي منبريهما أصوات موافقة لسياستها. ولكن إدارة كابول فشلت خلال أعوام الاحتلال التسعة عشر في أن تكسب ولاء أئمة المساجد والعلماء والدعاة، وتستخدم المنابر لصالح الاحتلال.

وتظهر هذه السلسلة من الإغتيالات أن العدو لا يتركنا مستريحين، لنعيش بسلام، بل يستهدفنا عبر الاغتيالات الغامضة، ويسعى بصورة وأخرى إلى عرقلة إتفاق إحلال السلام في أفغانستان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى