غير مصنف

اغتيال محسود والعبث الأمريكي في باكستان / السيد أبو داود

جاء اغتيال المخابرات الأمريكية، باستخدام طائرة بلا طيار، لزعيم حركة “طالبان باكستان” حكيم الله محسود، في الأول من نوفمبر الجاري، ليشكل حلقة جديدة من حلقات العبث الأمريكي بباكستان، والعدوان على سيادة هذا البلد الكبير، الذي يفرط قادته في استقلاله مقابل تحالف مشبوه مع الولايات المتحدة وبرنامج للمساعدات الاقتصادية. تتحجج واشنطن بأن هذه العمليات بدون طيار تستهدف قادة “إرهابيين” بارزين ومؤثرين أمنيًا، لمنع ارتكابهم جرائم “إرهابية” ضد الأهداف والمصالح الأمريكية في باكستان، لكن اغتيال محسود كان عملية أكثر تعقيدًا على صعيد الأهداف، إذ أحبطت خطة تحالف سري بين المخابرات الأفغانية وحركة “طالبان باكستان”، من أجل الردّ بالمثل على ما تزعم كابول أنه دعم من إسلام آباد لحركة “طالبان” الأفغانية. بعد عملية الاغتيال تجمعت التقارير التي تؤكد أنه قبل ثلاثة أسابيع من اغتيال محسود، اعتقلت وحدة أمريكية خاصة لطيف محسود، أحد نواب زعيم “طالبان باكستان”، بعدما اعترضت قافلة للمخابرات الأفغانية كانت تقلّه عبر ولاية لوغار إلى كابول للقاء الرئيس حامد قرضاي. وأكدت مصادر أفغانية أن المخابرات الأفغانية تحاول منذ شهور إقناع لطيف محسود بالاضطلاع بدور محاور في مفاوضات السلام مع “طالبان” الأفغانية، ثم تحدثت تقارير أكثر تفصيلاً، أن المخابرات الأفغانية سعت إلى تجنيد لطيف محسود لإنشاء تحالف مع “طالبان باكستان”، والعمل في الوقت ذاته جاسوسًا لها في باكستان، من أجل الانتقام من الجيش الباكستاني الذي تتهمه كابول بدعم “طالبان” لزعزعة الاستقرار على أراضيها. قرأ الأمريكان هذا المخطط، وقرروا إحباطه لأنهم رأوا أنه لا قيمة له إلا إذا وافقت كل قيادة “طالبان باكستان”عليه، وعلى رأسها حكيم الله محسود، فقرروا اغتياله. وإذا جاز لنا أن نصف هذه العمليات الأمريكية والأفغانية على الأراضي الباكستانية، فإننا لا يمكننا إلا أن نقول إنها تلاعب بباكستان واستقرارها، لأن أخطر ما تسببت فيه هذه العملية هو إفشال عملية سلام كانت ستنطلق بعد أسابيع من التحضيرات مع “طالبان باكستان”، وتمهّد لتوقيع اتفاق يؤدي إلى إنهاء الحركة أعمال العنف ضد الحكومة، مقابل منحها بعض الحرية في التحرّك ضمن معاقلها في مناطق القبائل المحاذية للحدود مع أفغانستان، وقد أكد ذلك وزير الداخلية الباكستاني تشودري نصار علي خان الذي اتهم واشنطن بتوجيه ضربة لعملية السلام في بلاده، خصوصًا أنها جاءت بعد إبلاغ محسود هيئة الإذاعة البريطانية في 9 تشرين الأول /أكتوبر الماضي أن “طالبان باكستان تؤمن بضرورة إجراء حوار جدّي، لكن إسلام آباد لم تتخذ خطوات للتقرّب منا، ويجب أن تجلس معنا للاستماع إلى شروطنا”. ورغم أن السلطات الباكستانية كانت قد عرضت في تشرين الثاني سنة 2009م مكافأة مقدارها ستمائة ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال أو قتل محسود، إلا إنها عبرت عن استيائها بعد حادثة اغتياله نظرًا لأنها كانت تراهن على مباحثات مع “طالبان باكستان” لإحلال السلام في البلاد. واعتبر رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أن مقتل زعيم “طالبان باكستان” حكيم الله محسود، ضربة قوية لمحادثات سلام مقترحة، وقال: لقد كان الجليد قد بدأ في الذوبان، وكانت الاتصالات قد بدأت في الاتجاهين. وإذا كان التحالف الأمريكي الباكستاني قد وصل ذروته في عهد الرئيس السابق برويز مشرف، وهو العسكري الذي حكم البلاد بالاستبداد والفساد، فإن خلفه آصف على زرداري استسلم لنفس النوع من العلاقة، حيث استمر الانتهاك الأمريكي لسيادة باكستان تحت ذريعة مواجهة الإرهاب. وحين جاء الرئيس الحالي نواز شريف إلى الحكم تحدث كثيرًا عن رفضه للغارات الأمريكية بدون طيار على بلاده، وتكراره لهذا الحديث جعل كثيرًا من المخدوعين يصدقونه، لكن الحقيقة أنه اتفق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال لقائهما في واشنطن الشهر الماضي على مواصلة إسلام آباد معارضتها العلنية للغارات الأمريكية، في مقابل السماح سرًا بشنّها، مما جعل إدارة أوباما تكافئه باستئناف مساعداتها الاقتصادية وقيمتها 1.5 بليون دولار لباكستان، وكانت هذه المساعدات جمدت مع تدهور العلاقات بين البلدين إثر سلسلة أزمات في 2011م و 2012م بما فيها احتجاج باكستان على العملية الأمريكية الخاصة التي أدت إلى مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وردّ شريف التحية بإصدار حكومته تقريرًا خفّض عدد القتلى المدنيين في غارات الطائرات الأمريكية إلى 67 فقط منذ عام 2008م، أي أقل بكثير من الرقم 400 الذي أعلنته الأمم المتحدة مؤخرًا. ويرى الخبراء أنه باغتيال محسود سيفتح المستقبل على العديد من الاحتمالات، أي مستقبل علاقة “طالبان باكستان” مع الحكومة الباكستانية ومع الولايات المتحدة، كما يتوقع أيضًا أن يؤثر هذا الاغتيال سلبيًا على العلاقات الأمريكية الباكستانية، فمن المرجح أن تنتقم “طالبان باكستان” من الأمريكان باستهداف أهداف أمريكية بعمليات تفجير، كما ستتوقف مفاوضات السلام بين الحركة وبين الحكومة الباكستانية. وضمن تداعيات حادث الاغتيال طالبت أحزاب المعارضة الباكستانية بقيادة حركة الإنصاف بزعامة عمران خان، الحكومة بإغلاق طرق الامدادات في باكستان لقوات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في أفغانستان. وفي السياق ذاته طالب بعض أعضاء البرلمان الباكستانيين بقطع خطوط الإمداد للقوات الأمريكية في أفغانستان. وأصدرت المجالس التشريعية الإقليمية قرارًا بقطع خطوط إمدادات حلف شمال الأطلسي إلى أفغانستان، حيث يمر أحد الخطوط الرئيسية بممر خيبر القريب من المنطقة. على صعيد آخر تتواصل فصول محاكمة الرئيس السابق برويز مشرف، فقد أمرت محكمة باكستانية بالافراج عنه بكفالة حيث كان يخضع للاقامة الجبرية منذ أكثر من ستة أشهر لعدة تهم منها اغتيال منافسته السابقة بناطير بوتو في 2007م، وطرد قضاة بشكل أحادي في السنة نفسها عندما فرض حالة الطوارئ، وكذلك بقتل أكبر بغتي القيادي في حركة تمرد في منطقة بلوشستان المضطربة، في عملية عسكرية.
المصدر: الاسلام اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى