الإمارة الإسلامية في أفغانستان؛ الفرص والمسؤوليات
بقلم: المولوي أمير خان متقي (وزير خارجية أفغانستان بالوكالة)
“انتهت اللعبة التي استمرت 50 عاما، حان الوقت لفتح أبواب جديدة، وتحسين العلاقات، وتضميد الجراح”.
ها قد مضى أكثر من عام ونصف منذ التحول الذي حصل في الخامس عشر من شهر أغسطس ٢٠٢١م، وأوضاع أفغانستان تسير بشكل إيجابي، خلافاً لجميع تلك التوقعات السلبية والتكهنات المرعبة التي كانت تُطرح قبل هذا التحول، فأثناء المفاوضات في الدوحة كانت تكهنات تكرار سيناريوهات التسعينيات من القرن الماضي من الحروب الأهلية المرعبة تتردد على ألسنة غالبية الدبلوماسيين الأجانب في صالات فنادق الدوحة؛ لكن مسؤولينا كانوا ينظرون إلى الأحداث من زاوية أخرى، وقمنا بالتأهب والاستعدادات اللازمة في وقت مبكر، فنحن لم نسيطر على العاصمة والمدن الكبرى فحسب، بل اتخذنا تدابير محكمة تجاه الاحتمالات الضئيلة بخصوص نشوب حرب أهلية، وبرسالة “العفو والأخوة” الإنسانية والإسلامية قمنا بالرد بشكل عملي على جميع المخاوف الموجودة.
واليوم، لم تنته الحرب فحسب، بل أصبحت أفغانستان وللمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود تدار من قبل حكومة مركزية مسؤولة ومستقلة ومقتدرة ومتوحدة، كما أننا خلال هذه الفترة الوجيزة سعينا -ولازلنا- نسعى إلى أفغنة الشؤون عن طريق إعداد وتدريب القدرات الأفغانية للخروج من حالة الاتكاء المهلك للحقبة السابقة، وهذا مما يزيد ويقوي إحساس الملكية لدينا تجاه أرضنا.
نحن نعلم بأن العلاقات الدولية في العالم المعاصر حققت تطورات جيدة نتيجة التعامل البناء بين اللاعبين الحكوميين وغير الحكوميين، كما أن العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ضرورة الوقت، والسبيل الأمثل لتأمين وحفظ مصالح جميع الأطراف. والنظام الحالي في أفغانستان بناء على هذه النظرية يمد يده من أجل التعاون الإيجابي إلى العالم. ونحن نعتقد بأنه قد سنحت الآن فرصة مثالية لبناء علاقات حسنة بين أفغانستان والعالم.
وعلى المستوى الداخلي فقد أصبح تلاحم المجتمع الأفغاني أقوى من أي وقت مضى، ونحن نفتخر بالهيكلة التنوعية الفریدة، فإننا لا نؤمن بالتقاسم المبني على الأغلبية والأقلية، بل كل فرد في هذا البلد يعتبر جزء لا يتجزأ من الكل الواحد.
إن الأوضاع الآن ملائمة جداً لتنهض أفغانستان كعضو مسؤول ومستقل في المجتمع الدولي، وذلك بأداء مسؤوليتها في مجال الأمن العالمي، ويجب أن يرحب بها المجتمع الدولي احتراماً للحرية، ويساعدها في الوقوف على قدميها.
علاقاتنا مع بقية العالم ستكون – بعيدة عن المنافسات الداخلية للآخرين – مبنية على التوازن والاحترام المتبادل والمصالح المشروعة والعيش المشترك وبناء المستقبل.
بخصوص تلك القضايا الداخلية التي أسيء فهمها في الخارج، فيجب أن تتم التوعية الصحيحة حيالها؛ حتى يتحقق إدراك دقيق تجاه قيم أفغانستان وتكوينها الحالي، ويجب أن يتم التعامل مع الحساسيات الدينية والثقافية لمجتمعنا بحذر واحتياط.
لقد أثبت التاريخ المعاصر بأن أي نظام لم يوفر التعادل المطلوب هنا، فإنه قد واجه تحديات جادة.
حيال تسوية الخلافات وإساءة الفهم الموجود حالياً أو في المستقبل مع الآخرين، فإننا نؤمن بالحوار الصادق وفي أجواء خالية من الضغوطات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ فالتجارب أثبتت أن خيارات الضغط في أفغانستان غير مجدية.
إن الحالة الإنسانية المتواجدة في أفغانستان مسؤولية إنسانية مشتركة بيننا وبين العالم، ومحاولة تحقيق الأهداف السياسية من خلال فرض الأزمات الإنسانية ليست طريقة أخلاقية وحضارية. السبب الرئيسي للمشكلات الاقتصادية في أفغانستان هي القيود والعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على نظامنا المالي والمصرفي، والتي جعلت كثيراً من المشاريع المدنية والإنسانية تواجه تعويقاً وتأخيراً، والحل الأساسي للأزمة الإنسانية والاقتصادية الحالية هي رفع العقوبات عن الأنظمة المالية والمصرفية لأفغانستان، وأن تعطى الفرصة للأفغان بأن يخلقوا حلولاً بقدراتهم وابتكاراتهم لهذه المشكلات الإنسانية.
وعليه، فإن المسؤولية التي تعود على الولايات المتحدة الأمريكية هي أن تفرج عن الأصول المالية للشعب الأفغاني عاجلاً، وأن ترفع جميع العقوبات المفروضة امتثالاً لاتفاقية الدوحة.
تُرى أي قاعدة سياسية وحتى أخلاقية تستند عليها أمريكا في فرض عقوبات مالية ومصرفية على شعب أنهكته الحروب؟!
نريد أن نذكّر حكومة أمريكا وحلفائها بأن فرض العقوبات الاقتصادية وغيرها من الضغوطات لا يقرب المسافات، بل الثقة هي التي تقلل الحواجز.
إن أفغانستان لها تاريخ في فشل الأنظمة وتبعثرها، حتى القوى والتحالفات العالمية لم تستطع أن توقف هذه الدوامة، لكن النظام الحالي أسس حكومة لإيقاف هذه الدوامة المنبوذة. ماذا ستكون نتيجة إضعاف الحكومة الحالية في أفغانستان سوى وقوع أزمة إنسانية شاملة لن تنحصر على أفغانستان فحسب، بل ستمتد إلى دول الجوار والمنطقة والعالم، مصحوبة بتحديات جديدة في مجال الأمن، والاقتصاد، والصحة، واللجوء.
لقد كان اقتصاد أفغانستان منذ العقدين الماضيين متكئاً على المساعدات الأجنبية إلى حد الإدمان من دون توجيه، فحريٌ أن يتم الاعتناء الجاد بتقديم مساعدات شاملة بمستوى رفيع للشعب الأفغاني في هذه الأوقات العسيرة.
إننا نقترح أن تحول المساعدات الدولية إلى فرص عمل، وأن تمول المشاريع الحكومية المتوقفة والجديدة من أجل إيجاد تأثير مستدام.
وما لم ينتعش الاقتصاد الداخلي، فإن أموال المساعدات لا تستطيع أن تطعم ملايين السكان، وأهم شروط إحياء اقتصاد أفغانستان: الأمن، والإرادة السياسية، والشفافية، والمحاسبة، وهي متحققة الآن بشكل أفضل من أي وقت مضى. والضرورة الآن تقتضي رفع العقوبات حتى يتمكن الأفغان من أن يسعوا بأنفسهم من أجل الاكتفاء الاقتصادي. إلى جانب ذلك، يجب أن تزال العوائق الموجودة أمام التجارة الدولية، واستخراج الثروات المعدنية البكر لبلادنا، وتنفيذ المشاريع الوطنية والدولية الكبرى، حتى يعود الوضع الاقتصادي للبلاد إلى وضعه الطبيعي.
من جهتنا فإننا من ناحية الأمن المستتب والإرادة السياسية مستعدون للشراكة المبنية على المصالح المشتركة مع أي بلد، فأفغانستان الواقفة على قدميها في مصلحة الجميع، وأفغانستان الجاثية على ركبتيها مضرة للجميع.
على المجتمع الدولي أن يخلق علاقات سياسية واقتصادية مع إمارة أفغانستان الإسلامية، وأن يبدأ تعامله مع أفغانستان بصفتها دولة مستقلة، والبحث عن البدائل وتكرار التجارب الفاشلة السابقة ليس من مصلحة أي أحد.
لقد ورثت الإمارة الإسلامية من النظام السابق وحلفائه الدوليين بنوك خاوية، وفواتير الكهرباء المستوردة، والمواد المخدرة، و4 ملايين مدمن، والفساد الإداري، والمجاعة، والبطالة، واقتصاد راكد، ومدارس مغلقة بذريعة جائحة كورونا وغيرها الكثير من المشكلات، لكننا رغم ذلك في غضون عام ونصف قطعنا أشواطاً طويلة نحو التقدم، فعلى سبيل المثال:
- تمكنت قواتنا الأمنية المجهزة من تحقيق أمن شامل، ولم تمسح لأحد أن يستخدم أراضي أفغانستان ضد الآخرين.
- المواد المخدرة التي كانت تشكل ضرراً للعالم أجمع، قمنا بخفض مستوى زراعته إلى الصفر، ومن يكابر فليأت وليستعرض الأمر عن كثب.
- للمرة الأولى استطعنا إعلان الميزانية التي كانت تعتمد 70% على المساعدات الأجنبية من عوائدنا المحلية، وجعلنا الأصول الاقتصادية وطنية، ووجهناها نحو مسارها الصحيح، وتقرير البنك الدولي الأخير خير دليل على ذلك.
- أفغانستان التي كانت قد حققت الرقم القياسي في الفساد على المستوى العالم، ها قد خرجت من تلك الحالة السيئة، وتقرير منظمة الشفافية الدولية شاهد على ذلك.
- جهزنا تسهيلات السفر الجوية والبرية للمواطنين إلى جميع الوجهات، وهذا ما كان يطالب به المجتمع الدولي أيضاً.
- احتفظنا إلى جانبنا بخمسمائة ألف موظف من موظفي الإدارة السابقة.
نعم نقرّ بأنه قد توجد مشكلات ونقائص؛ لكن حلها يحتاج إلى وقت، ودعم، وإمكانيات. ولا تخلو دولة من دول العالم من المشكلات والتي يتحملها الآخرون.
نقبل هذا أيضاً بأن المجتمع الدولي خلال السنوات العشرين الماضية جلب إلى أفغانستان عشرات الآلاف من القوات المسلحة، التي تكبدت خسائر فادحة، واستخدمت أحدث الأجهزة والتقنيات، وأنفقت مئات المليارات من الدولارات، فهل حققت نتيجة إيجابية؟ والآن خلال العام ونصف العام المنصرم هل قدم المجتمع الدولي شيئاً سوى المساعدات الإنسانية؟
هل لأحد أن يثبت بأنهم مدوا يد حسن النية مقابل الخطوات الإيجابية التي حققتها حكومة أفغانستان؟ أو أنهم فعلوا شيئاً آخر غير الدعاية وتوجيه الاتهامات وممارسة الضغوطات؟
في الختام يجب الاعتراف بهذه الحقيقة: “اليد الواحدة لا تصفق!”.