الإمارة الإسلامية في مواجهة العنصرية
غلام الله الهلمندي
اليوم في (15 أغسطس/آب 2021) اكتملت سنة الإمارة الإسلامية الأولى منذ أن عادت إلى العاصمة الأفغانية كابل وتولّت الحكم من جديد، مرت سنة كاملة على رحيل الغزاة وأذنابهم، على مجيئ الحق وأهله، وزهوق الباطل وأهله، في مثل هذا اليوم من السنة الماضية دخلت قوات الإمارة الإسلامية إلى كابل متواضعة، مكبّرة، وحامدة لله تعالى دون إراقة دماء، ودون أخذ الثأر من القتلة؛ عُفي عنهم عن بكرة أبيهم.
في هذا اليوم بدأت راية الإسلام ترفرف عالية من جديد فوق القصر الرئاسي في كابل، على هذه الأرض الطيبة السخية المعطاءة. إن كل ذلك لم يحدث صدفةً أو تفضلاً من الغزاة، وإنما كان ذلك من ثمار نضال دامَ عشرين سنة، نضال مبارك قاده المسلمون الأفغان شباباً وشيوخاً، رجالا ونساءً من أجل تحرير البلاد من قبضة الاحتلال الأميركي الغاشم الذي خلَّف الكثير من الأزمات المادية والمعنوية، خلّف مئات من الجراثيم الخبيثة القاتلة التي سرت في أوصال المجتمع الأفغاني وتغلغلت في عروقه وشرايينه، ومن أكبرها تفكيكا وخطرا على الأمة هي العنصرية التي أحياها الاحتلال وبثّها عبر وسائل الإعلام وشتى وسائل أخرى في مجتمعنا.
إن العنصرية المتفشية في عروق المجتمع، هي من أكبر الإنجازات الخبيثة أو السموم القاتلة التي خلّفها الاحتلال وعملاؤه وراءهما بغية تفكيك المجتمع وانقسام الشعب ومن ثم تسهيل احتلال الوطن عسكريا وأيديولوجيا وعقائديا وثقافيا، وقد بذلوا كل ما في وسعهم من المساعي وأنفقوا القناطير المقنطرة في هذا المجال.
ولكن ستذهب كل هذه المساعي هباء منثورا بإذن الله، وكل هذه النعرات الطائفية التي بثها الاحتلال بيننا ستذوب في بوتقة الإسلام. إن جميع القوميات والأعراق تذوب ذوَباناً في بوتقة الأخوة الإيمانية، وتتحد أمةً واحدة قوية متماسكة، ونحن (والحمد الله رب العالمين) في طريقنا نحو القضاء الكامل على بذور الانقسام والطائفية والمذهبية والقومية، البذور التي خلفها الاحتلال ظناً منه أنه يستطيع تفریق الشعب بسبب تلك البذور الخبيثة التي تمّ زرعُها تحت ترابٍ دُفن فيه الشهداء الأبطال. وهل يستطيع ذلك؟ وهل تذهب دماء الشهداء هباء منثورا؟ وهل تذهب تضحيات المجاهدين الأبطال أدراج الرياح؟ كلا وألف كلا!! فقد حلفنا بالله وعاهدناه بأن لا نخون الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل الله، حلفنا بأن لا نلعب بدمائهم وأن لا نتهاون في غاياتهم وأهدافهم. وبالمقابل وعدَنا الله بالنصر: “إن تنصروا الله ينصركم”، ووعَدَنا بالهداية والرشاد: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
استطعنا توحيد الشعب والقضاء على العنصرية إلى حد ما، وسنقضي على جميع أشكال التمييز العنصري. ولا يمكن القضاء على هذه الجراثيم إلا تحت راية الإسلام، تحت قيادة الإمارة الإسلامية التي تحكم بشرع الإسلام، لأجل ذلك فالإمارةُ الإسلامية فقط هي مَن تدري كيف تحارب وتعالج، وكيف تطرح خطة أو خططا للقضاء على هذه الآفة الخطيرة، هي فقط مَن تستطيع تقديم حلول ونماذج أفضل للقضاء عليها، هي فقط من تستطيع محو آثار الاحتلال. وقد عقدت الإمارة الإسلامية عزمها على منع ممارسات تغذي العنصرية في المجتمع.
إن الإمارة الإسلامية فقط -بعون الله- مَن تستطيع بناء مجتمع متكامل متحابٍّ متساند متعاون. تستطيع بناء مجتمع قائم على الإيمان والإخاء والحب والثقة، مجتمع بعيد عن العنصرية والعصبية والتمييز والعداوة والبغضاء. إنها تقف في وجه التحيز العنصري والسلوكيات المتعصبة. وسيأتي يوم (بإذن الله) يعترف فيه العالَم بالإمارة الإسلامية ليس فقط كدولة رسمية، وإنما كمثال يُحتذى في مجال مكافحة العنصرية والعصبية والفساد، بينما العالَم بأسره واقع تحت تهديد مرض العنصرية.
إن العنصرية بأشكالها ومظاهرها، لا توصل نحو المعرفة والعلم والازدهار والنور، إذ إن العصبية يعني أن تغمض عينيك وتمشي إلى حيث لا تدري، وهل يستطيع إنسان مغمض العينين أن يصل إلى غايته؟ إن العنصرية تغلق كل السبل نحو المعرفة والازدهار والسلام والاستقرار والطمأنينة.
إن الإسلام يرفض كل أشكال التمييز العنصري بين الناس، يرفض السخرية، ويرفض الطعن، ويرفض اللمز ويرفض التنابز بالألقاب. وميزان الكرامة في الإسلام هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وهو معيار منوط بسعي الإنسان وعمله ومدى عطائه وتضحياته للأمة وللإسلام وللإنسانية، “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس”.
عندما سبّ أبوذر رضي الله عنه بلال بن رباح رضي الله عنه وعيّره بأمه، قائلاً: يا ابن السوداء! غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: ليس لابن السوداء على ابن البيضاء فضل. وأعلن في حجة الوداع: “يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”.
وفي ضوء تعاليم الإسلام فقط نستطيع أن ننقذ البشرية من مخالب شبح العنصرية المبنية على أساس العرق والقبيلة والدم والتراب، ولا يمكن الشفاء منه إلا تحت ظلال الشريعة الإسلامية الوارفة، وفي ظل تعاليم القرآن الكريم. قال النبي صلى الله عليه وسلم “ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية”.
إن الإسلام يعتبر الأصل الإنساني واحد؛ جميع البشر منحدرون من أصل واحد، إذن كيف يمكن أن يتفوق أحد على آخر بناء على الدم والعرق؟ والإيمان بوحدة الأصل الإنساني يزيل الفوارق المزعومة بين الناس، كاللون والعرق واللسان والنسب والقوم.