
الإمارة الإسلامية في مواجهة الغزو الفكري الغربي: معركة مناهج التعليم نموذجاً
عبد الحفيظ علي تهليل
تعريف الغزو الفكري:
إن كلمة “الغزو” تدل على القصد والطلب والهجوم على الناس وقتالهم في عقر دارهم، وانتهابهم، وقهرهم، والتغلب عليهم ولم تكن كلمة “الغزو” تطلق في القديم إلا على الغزو العسكري من خلال الحروب والمعارك بين الجيوش في ميدان القتال.
وفي العصر الحديث ظهر مصطلح “الغزو الفكري”، والمقصود به -بشكل عام- إغارة الأعداء على أمة من الأمم بأسلحة معينة، وأساليب مختلفة، لتدمير قواها الداخلية وعزائمها ومقوماتها، وانتهاب كل ما تملك، وبهذا يظهر ما بين المصطلح واللغة من صلة، حيث إن كلمة “الغزو” استعملت بمعنى الإغارة للاعتداء والنهب ولكن عن طريق الفكر وتدمير القوى المفكرة في الأمة المغزوة وما يصحب ذلك من تخريب وسيطرة.
مصطلح “الغزو الفكري” تعبير دقيق بارع، يصور خطورة الآثار الفكرية التي قد يستهين بها كثير من الناس؛ لأنها تمضي بينهم في صمت ونعومة، مع أنها حرب ضروس لا تضع أوزارها حتى تترك ضحاياها بين أسير وقتيل أو مسيخ، كحرب السلاح أو هي أشد فتكًا.
إن الغزو الفكري هو أبشع وسائل الغزو، هذا الغزو يبني ويهدم أُممًا. ويُشير الغزو الفكري إلى أنّه تطلّع أمّة ما إلى محاولة بسط نفوذها وسيطرتها على أمّة أخرى والاستيلاء عليها للتحكم بها وتوجيهها نحو طريق معين.
الغزو الفكري من الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لمحاربة الإسلام وهدفه نشر الشبهات والأفكار الغربية بين المسلمين.
لماذا لم يكتفِ الاحتلال الغربي بالغزو العسكري؟
الدافع الرئيسي لاستخدام الغزو الفكري في الحروب الصليبية هو الثمار المرّة التي حصدها الصليبيون من حروبهم الصليبية الأولى مع المسلمين في القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) والتي انتهت بالهزيمة والفشل رغم جميع مؤامراتهم.
كانت حملة نابليون على مصر نقطة بارزة في تحول المعركة وأساليبها، فلقد غزى نابليون مصـر عام (1798م) مدججًا بأحدث الأسلحة الفرنسية ومدافعها ورشاشاتها. ودخلت الخيل الأزهر وداسـت سـنابكها الحصير الذي خرّج عشرات الألوف من علماء الأمة، فانتفض الأزهر وهبّ دفاعًا عن كرامة هـذا الـدين وأقض مضجع نابليون وأرّق أجفانه ولم يستطع الاستقرار رغم العملاء الذين وقفوا بجانبه كيعقوب القبطي ومن وقف معه من روم ونصارى الشام وغيرهم. وأخيرًا انقضّ (سليمان الحلبي) على (كليبـر) نائـب نابليون الذي خلفه في مصر وقتله.
وبعد خروج الفرنسيين من مصر بدأ التخطيط لحرب الكلمة بدل حرب السنان، واتجهت نحو نزع هذا الدين من أعماق المسلمين ليزرع بدله القومية والوطنية والأفكار الهدامة. وهذه الهزيمة تسببت في تغيير الغرب طريقة تفكيرهم في محاربة الإسلام والمسلمين، وبعد أسر لويس التاسع ملك فرنسا في مصر وبقائه سجينًا في المنصورة فترة من الزمن حتى افتداه قومه وفُكّ أسره.
وقال لويس التاسع بعد تفكير فيما حلّ به وبقومه: “إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح ولكن حاربوهم في عقيدتهم، فهي مكمن القوة فيهم”.
يقول الأستاذ محمد جلال كشك –﵀– في كتاب الغزو الفكري: “إن عملاء الغزو قد عملوا منذ نهاية القرن التاسع عشر منذ أن تقرر في أوكار الصهيونية والاستعمار تدمير الخلافة الإسلامية، عملوا على تخريب الفكر الإسلامي وتشويه عقل المسلمين وهم ما زالوا يعملون، ولكن الأسماء تتغير والشعارات تتلون ولكن الهدف واحد وهو تجريد المسلمين من إيمانهم بالله، والكتائب في ذلك واحدة هي كتائب الغزو الفكري، الطابور الخامس الذي يعمل داخل صفوفنا ليجهز على مقاومتنا”.
الإمارة الإسلامية ومواجهة الغزو الفكري في مجال التعليم:
التعليم في كل بلدان العالم موجّه وفق مذاهب وعقائد وأيديولوجيات ومفاهيم واضعي سياسته، حول الوجود والكون والإنسان والحياة والنشأة والمصير، ووفق أغراضهم ومصالحهم القومية والوطنية والعقدية؛ لذلك فإن مسؤولية وضع مناهج التعليم في أفغانستان مهمة جدًا لأن المدارس والمعاهد والجامعات هي المزارع الحقيقة التي تريد أن تزرعها الإمارة الإسلامية في براعم الإسلام حتى نحصد ثمارًا طيبةً ومفيدة للمسلمين؛ فإن أبناء الإسلام في أفغانستان ومستقبلهم العلمي وفكرهم السياسي وكيفية تعاملهم مع العالم، مرتبط بتصحيح مناهج التعليم في المدارس والجامعات.
والحقيقة المرة التي لم يفهمها بعض الناس هي أن هدف جهاد الإمارة الإسلامية في أفغانستان كان إنقاذ الشعب الأفغاني من الاحتلال الغربي الغاشم.
وكان من أولى مسؤوليات الإمارة الإسلامية تصحيح مناهج التعليم في أفغانستان. وأما عدم تصحيح مناهج التعليم وفق الشريعة الإسلامية، وترك ما فيها من الفساد والأفكار الهدامة التي تروج للديمقراطية وللعلمانية وللإلحاد فهي تهدد مستقبل أبنائنا في أفغانستان.
كيف يوظف الغرب المناهج لخدمة هيمنته الفكرية في أفغانستان والعالم الإسلامي؟
يقول الكاتب والصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان: “الحرب الحقيقية هي حرب المدارس، يجب تغيير المناهج؛ لكي يقبل الطلاب سياستنا كما يحبون فطائرنا”.
وليس غريبًا أن نجد الكاتب فريدمان، قبل تحرير أفغانستان من الاحتلال الأمريكي، يتحمل مشاق السفر وعناء الترحال، ليحضر بنفسه حفل افتتاح مدرسة للفتيات في قرية نائية في جبال الهندوكوش في أفغانستان، موّلهًا أحد أثرياء الأمريكان، وليس غريبًا أن نجده يكتب عن ذلك الحفل، وهو يشعر بالسرور ويذكرنا بماهية جوهر الحرب والغزو الفكري في مناهج التعليم، فيقول: “إنها حرب الأفكار داخل الإسلام..”.
ويسترسل قائلاً: “لقد كان غزو أمريكا لكل من أفغانستان والعراق في بعضه محاولة لخلق مساحة للتقدميين (أتباع الغرب) على الإسلاميين للنضال والفوز، حتى يتمكن المحرك الحقيقي للتغيير، وهو أمر يتطلب 21 عامًا وتسعة أشهر لإنتاج جيل جديد يمكن تعليمه وتنشئته بصورة مختلفة”.
ولكن بعد انتصار الإمارة الإسلامية في أفغانستان وتحرير البلاد من الاحتلال، بدأت في تصحيح مناهج التعليم التي فرضها المحتل على أبناء أفغانستان.
فمعركة المناهج التعليمية معركة خطيرة، وهي من أبرز أساليب الغزو الفكري التي نواجهها كمسلمين منذ احتلال الغرب للعالم الإسلامي وحتى يومنا هذا.
ويقول الأبُ الروحي للتنصير في العالم الإسلامي زويمر: “ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، هذه المدارس التي تساعدنا في القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب”.
ويقول المبشر تكلي: “يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيرًا من المسلمين تزعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية”.
ومن ذلك قول المستشرق الإنكليزي جب في كتابه (وجهة العالم الإسلامي) -عن التعليم-: “إن هذا هو السبيل الوحيد لفرنجة بلاد المسلمين وتغريبها، لقد كان التركيز قويًا لإنشاء الطبقة التي تأخذ نهائيًا بوجهة نظر لا سلطان للدين عليها، وحينئذ يمكن الجلاء عن أراضيها وتسليمها زمام السلطة فيها لأنها امتداد لفكر المحتل”.
وخاضت الإمارة الإسلامية بعد تحرير أرضها ملحمةً في تطهير العقول من غبار التغريب؛ إذ إن الاحتلال لم يكن يحمل السلاح وحده عندما احتل أفغانستان، بل جاء محمَّلًا بمناهج تُشوِّه الفطرة السليمة، وتغرس في عقول شبابنا أفكاره الهدامة. وقد قامت الإمارة الإسلامية بعملياتٍ لتصحيح المسار التعليمي في أفغانستان، من خلال مراجعة شاملة للمناهج التعليمية المستوردة من الخارج، فحذفت المضامين التي تدعو إلى العلمنة، والديمقراطية، والعنصرية، والقومية، والتغريب الثقافي. وبدأت بوضع مناهج تُعيد ربط الطالب بعقيدته، وتاريخه، وجهاده، ومن أجل ذلك تأسست مدارس وجامعات تنطلق من مرجعية إسلامية خالصة في جميع الولايات الأفغانية.