الإمارة الإسلامية وأحداث غزة
مسلميار
في خضمّ أحداث غزة الكارثية، ماذا كان موقف حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني السفّاح؟
في حرب غزة كان للإمارة الإسلامية موقف رسمي واضح تجاه فلسطين والكيان الصهيوني الغاصب.
ويمكن النظر إلى موقف حكومة الإمارة تجاه حرب غزة، من زاويتين: المواقف الرسمية والدبلوماسية، والمواقف التوعوية والثقافية.
المواقف الرسمية والدبلوماسية للإمارة تجاه حرب غزة
منذ بداية عملية (طوفان الأقصى) والحرب الوحشية للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين الأبرياء، أصدرت حكومة الإمارة الإسلامية حتى الآن عدة بيانات رسمية بأربع لغات هي: الفارسية والبشتوية والعربية والإنجليزية. صدر البيان الأول من وزارة خارجية الإمارة الإسلامية في 7 أكتوبر، وعكس ثلاث نقاط أساسية باعتبارها نظرة الإمارة الاستراتيجية تجاه تطورات فلسطين وحرب غزة:
■ النقطة الأولى: أن حكومة الإمارة أعلنت بوضوح تام أن عملية طوفان الأقصى كانت نتيجة للاعتداءات التي يرتكبها الكيان الصهيوني تجاه شعب فلسطين. وجاء في البيان: “إن وقوع مثل هذه الأحداث نتيجة لانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، من قبل الصهاينة والإهانات المتكررة وعدم احترام مقدسات المسلمين”.
■ النقطة الثانية: في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة والغرب ووسائل الإعلام الموالية لهم إلى تصوير أن الفلسطينيين يهددون أمن فلسطين المحتلة؛ جاء بيان حكومة الإمارة متناغماً مع الدول الإسلامية وواصفاً مقاومة الشعب الفلسطيني بأنها حق مشروع ومتفقة مع الأصول الإنسانية والقانونية، ووصف الكيان الصهيوني بالمحتل. حيث جاء في البيان: “تعتبر إمارة أفغانستان الإسلامية أي مقاومة ودفاع من الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه ومقدساته حقًا مشروعًا له”.
■ النقطة الثالثة: دعت الإمارة الإسلامية الدول الإقليمية والدولية إلى تحقيق إجماع على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية التاريخية، وتسخير إرادتها المشتركة لتحقيق ذلك. وجاء في البيان: “تعلن إمارة أفغانستان الإسلامية دعمها للحق المشروع والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين التاريخية، وتناشد الدول الإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي، وخاصة الدول ذات التأثير في المنطقة إلى وقف عنف قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني البريء، والبدء في العمل لحل القضية الفلسطينية، على أساس إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة “.
إن بيان وزارة خارجية الإمارة الإسلامية يتفق تمامًا مع دعوة ومقاومة الشعب الفلسطيني وتدعمها. ونال موقف الإمارة الإسلامية الحازم في دعم شعب فلسطين، قبول جميع المواطنين والرأي العام داخل أفغانستان.
وحتى هجوم الكيان الصهيوني على مستشفى المقاصد في غزة، أصدرت الإمارة الإسلامية 3 بيانات. واستعراض هذه البيانات يظهر بأن لغة الإمارة أخذت حدة أكبر في كل بيان مقارنةً بسابقه. ففي البيان الثالث، وصفت الإمارة أفعال الكيان الصهيوني بـ “البربرية” و”الوحشية” و”الجريمة”، ووصفت تصرفات الكيان الصهيوني بـ “الوحشية” و”الإجرامية”.
والجدير بالملاحظة، أن الإمارة حذرت في هذا البيان قائلة: “إذا لم يتم وقف هذه الوحشية والبربرية، فمن الممكن أن يزداد وضع المنطقة سوءًا ويفسح المجال لردود فعل لا يمكن التحكم بها وتنتهي بالضرر للمنطقة بأكملها والعالم”.
المواقف الثقافية والتوعوية للإمارة في دعم فلسطين
من الجوانب المثيرة للاهتمام في نهج الإمارة الإسلامية في دعم المقاومة الفلسطينية، خاصة في مواجهة حرب غزة، الإجراءات الثقافية والتوعوية للإمارة. فبالتزامن مع بدء حرب غزة، تم تدشين ثاني مجسم لمسجد قبة الصخرة في أفغانستان، وقد شيد هذا الرمز في منطقة مفترق الطرق لغمان-جلال آباد من قبل بلدية لغمان.
وجاء ذلك بعد أن شيدت البلدية في العام الماضي أول رمز لـ”بيت المقدس” في بناء هندسي كبير، في أكبر ساحة في كابول في المنطقة الخامسة من المدينة. ونُشرت بعض مقاطع الفيديو مع أناشيد وقصائد بطولية في دعم المقاومة الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون الوطني الأفغاني، مع مشاركة بعض أعضاء الإمارة وأنصارها، معربين عن تضامنهم مع المقاومة الفلسطينية.
وهنا يثار سؤال آخر وهو: إلى أي مدى تؤثر مثل هذه الإجراءات من جانب الإمارة على الرأي العام داخل أفغانستان؟
إن ما يثبته علم الاجتماع بأدلة علمية هو أن المجتمعات التقليدية مثل أفغانستان ترتبط أكثر بـ “المحسوسات” و”المشاعر” من الاستدلال والنظريات. ولهذا السبب، في مثل هذه المجتمعات، أي قيمة أو نموذج يتحول إلى “رمز” يكتسب ديمومة أكبر، خاصة إذا اكتسب هذا الرمز طابعاً مقدساً، حيث يصعد حينها إلى أعلى المراتب القيمية ويكتسب مكانة سامية في الرأي العام. إضافة إلى ذلك، عندما تدخل ظاهرة أو شخص أو أشخاص أو بعض الأحداث، الأدب الشعبي والأناشيد البطولية لمجتمع ما، يصبح من الصعب حذفها أو نسيانها.
وبالنظر إلى هذه الإشارات العلمية، فإن ما لفت انتباه الرأي العام ومحللي التطورات الاجتماعية والسياسية وأثار اهتمامهم، هو كيف أصبحت الإمارة، كقوة عسكرية وجهادية، على دراية بهذه الدقائق العلمية والجوانب الجديرة بالتأمل في الدعاية والحرب النفسية، وتتحرك بشكل مدروس إلى حد ما في هذا المجال؟ والإجابة عن هذا السؤال يحتاج إلى مناقشة منفصلة.