مقالات الأعداد السابقة

الإمارة الإسلامية واجتماع الدوحة الثالث

محمد صادق الرافعي

 

إن العديد من الاجتماعات المتعلقة بأفغانستان التي استضافتها منظمة الأمم المتحدة في الماضي؛ لم تكن أبدًا في صالح البلاد، وليس لدى الشعب الأفغاني انطباعات جيدة عن الاجتماعات السابقة، فلم تجلب لهم سوى الحرب والاحتلال والتشريد. فمن اجتماع بيشاور -بعد إسقاط الحكومة الشيوعية- إلى اجتماع بون الذي ذهب بالبلاد إلى الدمار، كم جرّت هذه الاجتماعات على البلاد من الخراب والدمار وسلبيات لا تحصى ولا تعد، وآثارها في أنحاء البلاد حاضرة ومُشاهدة.

وخلف الكواليس لهذه الاجتماعات؛ أهملوا الواقع القائم في أفغانستان ولم ينظروا إلى الحقيقة الماثلة فيها، أو أنهم حاولوا -عمداً- مراعاة مصالح الآخرين دون أفغانستان، الأمر الذي حرم شعب أفغانستان من الاستقرار السياسي والاقتصادي والتقدم والتنمية، وحرم العالم من الدور الاستراتيجي الفائق لأفغانستان.

والإمارة الإسلامية، انطلاقاً من التجارب السابقة وبالنظر إلى عدم فعالية مثل هذه الاجتماعات؛ لم تشارك في الاجتماع الثاني، وأرسلت إلى العالم رسالة واضحة بأن أفغانستان لم تعد مكاناً للألعاب السياسية والحزبية، وأنه يجب احترام السيادة المطلقة الحالية لأفغانستان، والتي أظهرت في السنوات الثلاث الماضية أنها تحظى باحترام الأغلبية القاطبة من المجتمع الأفغاني، باستثناء عدد قليل من الأشخاص المرتزقين والمنظمات السياسية العميلة الذين يرون أن مصالحهم في خطر، ويحاولون إظهار وجودهم بطريقة أو بأخرى.

إن السياسة الهادفة للإمارة الإسلامية، لاسيما في العام الأخير، لم تترك لهم أي عذر في هذا المجال، وعلاقات الإمارة الإسلامية الطيبة مع الجهات الفاعلة مثل الصين وروسيا والتفاعل البنّاء مع دول الجوار والمنطقة؛ جعلتهم يذعنون للشروط التي تريدها الإمارة الإسلامية ويستسلمون لها.

وبالفعل، شاركت الإمارة الإسلامية في الاجتماع الثالث، وأظهرت أنّها بلغت من النضج السياسي والنمو الفكري ما تبلور من رسائل هامة في كلمة الشيخ ذبيح الله مجاهد رئيس الوفد. حيث تمحورت كلمته حول مواضيع أساسية ومفصلية في البلاد، وكانت هادفة دقيقة جامعة بين الأمور الداخلية التي أصبحت ذريعة في أيدى المعارضين، وبين الأمور الخارجية التي تتعلق بجميع الجهات بما فيها الغرب. فجاءت سياسة الإمارة الإسلامية دقيقة في مكانها وفي حينها، وجعلت لاجتماع الدوحة الثالث ثقلاً ومصداقية، وعدم حضور المعارضين أعطى هذا الاجتماع المزيد من الشرعية.

وأرى أن الإمارة الإسلامية حقّقت -بالمشاركة في هذا الاجتماع- معظم الأهداف التي حددتها:

■ نجحت الإمارة الإسلامية في إعلاء صوتها -صوت الشعب الأفغاني- في اجتماعات الدول والمنظمات، مهما كانت قوتهم السياسية والاقتصادية، الأمر الذي سنجني ثماره في المستقبل، ويرغم العالم على أن يغير موقفه العدائي مدركًا السياسة الجديدة والموقف الجديد والحقيقة الجديدة.

■ أن الإمارة الإسلامية هي حقيقة أفغانستان اليوم، وأن العالم لا يستطيع أن يغمض عينيه عن هذه الحقيقة، وليس لهم سبيل إلى التفاعل مع أفغانستان سوى بالإعتراف بالواقع، وأن الازدواجية والتناقض والالتفات يمينًا وشمالا لن ينفعهم شيئاً، وأن ليس أمامهم سبيل سوى التعامل والتعاون وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الإمارة الإسلامية التي نجحت في إدارة شؤون البلاد رغم جميع الموانع والعوائق.

■ إضعاف المعارضين الفارّين المتجوّلين في مختلف البلدان، المتسولين في شوارع فيينا، والذين كانوا يعلقون آمالهم على دعم المجتمع الدولي لهم، فأصبحوا يقومون بالتضليل والتحريف عبر التواصل الاجتماعي ببعض المسرحيات في بعض المنحدرات الجبلية داخل البلاد. ولكن حسب تصريح رئيس الوفد الشيخ ذبيح الله مجاهد؛ تعهد المجتمع الدولي -بما فيه الولايات المتحدة- بعدم دعم معارضي الحكومة.

فهي خطوة قيمة لإضعاف المعارضين الذين لا دعم لهم في الداخل ومنتهى آمالهم دعم الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي لهم. فأرغمتهم الإمارة الإسلامية ودمرت آمالهم المعلقة وذهبت بها أدراج الرياح، وباءت كل محاولاتهم بالفشل، واتضح أنهم هذه المدة كانوا يتشبثون بخيط ضعيف ويعتمدون على جدارٍ واهٍ.

■ أنّ السياسة التي تتبعها الإمارة الإسلامية سياسة قوية ودقيقة وغير عشوائية. وأنّ الإمارة تقوم بخطواتها بكل دقة وصلابة، ووراءها فكر وتخطيط وتنسيق ووحدة وانسجام.

■ أنّ الجهاز الدبلوماسي الأفغاني اليوم ليس كما كان عليه في عهد الجمهورية، حيث كان يشارك بحماس وعلى عجل في أي نوع من الاجتماعات دون مراعاة المصالح الوطنية ووحدة الأراضي والاستقلال الوطني! بل إن الجهاز الدبلوماسي اليوم، مستلهماً تجاربه الماضي، يتابع أهدافه بحكمة وذكاء، ويشارك في الاجتماعات بعد قياس المعايير المقبولة، وبعد دراسة عواقبها واستقراء مصالحها.

■ التأكيد والإصرار على الاستقلال والحرية الوطنية، وأن الشؤون الداخلية للبلاد -وحسب جميع المواثيق والموازين- تعد من الخطوط الحمراء، والتطرق إليها من قبل الأجانب؛ نوعٌ من التدخل والاختراق ومنافٍ للاستقلال والحرية. حيث أكد على هذا الأمر الشيخ مجاهد وقال: إننا لم نأت هنا لنناقش أمور النساء وقضية التعليم، فإنها مرتبطة بالداخل، وإننا حضرنا لنبحث الموضوعات الكبرى العالمية التي ترتبط بالجميع، كالاقتصاد والتعامل والتعاون. فأجاد وأصاب.

■ وبالنسبة للعديد من الدول المتردّدة والشاكة؛ فإن اجتماع الدوحة عبّر عن حقيقة أفغانستان، وكسر الشكوك التي كانت تدور في قلوب قادة تلك الدول وعقولهم، و أزال ترددهم بشأن إمارة أفغانستان الإسلامية، وأوضح لهم أن الإمارة الإسلامية ليست كما صوّرها عليه المعارضون عبر منصات التواصل الاجتماعي بالشغب والضوضاء والشعارات الفارغة، وليست كما عرضته الأفلام السينمائية في هوليود، وليست كما بثته الأفلام الوثائقية في القنوات، وأن الحقيقة هي الوفد الحاضر في الاجتماع، والسياسة التي اتخذتها الإمارة الإسلامية في التعامل والتفاعل البنّاء واللقاء وجهًا لوجه.

■ النجاح في تقريب الآراء ووجهات النظر، وتدمير المخططات، وتصحيح الأفكار والسياسات، والتي نجدها في تصريحات كثير من الدول المشاركة في الاجتماع -بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية- حيث أعلنوا عن تعاونهم مع الإمارة الإسلامية في شتى المجالات الاقتصادية والتبادل المصرفي والتعاون مع القطاع الخاص الأفغاني، والتي ستؤدي إلى رفع العقوبات والضغوطات الأحادية ومتعددة الأطراف وتحرير الاحتياطات الوطنية المجمّدة.

إلى جانب كل ذلك، فقد وُفِقت لعقد اجتماعات أحادية ومتعددة الأطراف مع 30 دولة ومؤسسة دولية على هامش الاجتماع، وتم الاتفاق على مختلف القضايا بشكل مباشر أو غير مباشر. الأمر الذي يوضّح مدى رغبة الدول والسلطات في التواصل مع الإمارة الإسلامية في مختلف المجالات.

وفي ختام هذه المشاركة المباركة، تطرق الشيخ مجاهد إلى قضية فلسطين وغزة المظلومة، حيث أكّدت كلمة الشيخ مجاهد أنّ الإمارة الإسلامية -رغم مشكلاتها العديدة- لم تنس قضية القدس، ولم تتجاهل ما يجرى على أرض فلسطين، والذي نجده ملحوظا أيضًا في كلمة فضيلة الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله ورعاه-  في خطابه في عيد الأضحى المبارك.

 

انتهى اجتماع الدوحة ووصلت رسالة الأفغان إلى جميع المشاركين وإلى العالم بأسره. العالم يحتاج إلى أفغانستان في مكافحة الإرهاب والمخدرات، وأفغانستان تحتاج إلى تعاون العالم لإيجاد سبل عيش بديلة للشعب الأفغاني بعد حظر زراعة المخدرات، باتخاذ قرارات إيجابية تجاه أفغانستان، وهو ما ناقشته معظم الدول حسب تصريحات الشيخ ذبيح الله مجاهد.

أتمنى أن تؤدي هذه المناقشات إلى العمل، وأن تنتقل من مرحلة الأقوال إلى الأفعال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى