مقالات الأعداد السابقة

الإمارة الإسلامية والعدالة الاجتماعية

سيف الله الهروي

 

من نظر إلى الحكومات المعاصرة في العالم الإسلامي وجد أغلبها حكراً على عائلة واحدة أو قبيلة واحدة أو طائفة واحدة، ووجد للتوارث والقرابات أثرا كبيرا بالغا في أكثر مناصبها العامة ووظائفها الخاصة، يموت الملك فيخلفه أخوه أو ابنه، يموت الرئيس في الحزب أو الجماعة فيخلفه ولده أو أخوه، يموت الجنرال في الجيش فيخلفه ولده العاجز، من غير أن يكون شورى ولا انتخاب، حتى الحركات والجماعات التي ظهرت لترفع راية العدالة الاجتماعية أيضا لم تستطع أن تتجاوز عقبة القرابات والتوارث في غالب الأحيان.

لكن تمتاز الإمارة الإسلامية بأنها تجاوزت هذه العقبة، أي عقبة القرابات والتوارث، في أول امتحان لها لما توفّي أميرها الأول رحمه الله، حيث جُعِل الأمر شورى بينهم، ولم يُجعل توارثا بين الأقارب. وهي في ذلك سلكت مسلك الخلفاء الراشدين بعد قرون، فاختار مجلس الشورى للإمارة آنذاك أميراً ثانياً لها، لا تربطه بالأمير الأول إلا أخوة الإسلام والدين. ثم لما استشهد الأمير الثاني، اختير الأمير الثالث الذي تربطه بالأولين رابطة الأخوة الإسلامية والدينية فحسب.

هذه ميزة في الإمارة قلما توجد في غيرها من الحكومات والحركات في العالم الإسلامي المعاصر.

الميزة الثانية التي تمتاز بها الإمارة الإسلامية هي المرسوم الأخير الذي أرسله الأمير حفظه الله إلى كافّة رؤساء الولايات والوزراء وأمراء الجند حيث كلّفهم جميعا باستبدال من وظفوهم من أولادهم وقراباتهم في تلك الدوائر بمن ليس لهم قرابة معهم.

لا شك أنّ الدوائر والمؤسسات والوزارات طُهِرتْ من المفاسد والرشاوي والشفاعات المرفوضة والوسائط الجائرة خلال السنة الماضية، حتى ارتاح المواطنون الأفغان، وتنفسوا الصعداء بعد عقدين من الفساد والجور. ولكن المرسوم الأخير للأمير جاء سداً لأبواب المفاسد المحتملة كلها، كما جاء تحقيقا لمفهوم العدالة الاجتماعية في أرقى معانيها.

لقد تحدثت حركات وجماعات واحزاب وشخصيات كثيرة عن العدالة الاجتماعية ورفعت شعارها في عصرنا، ولكن إمارة المجاهدين الغرباء في أفغانستان ألبستْ خلال سنوات جهادها ونضالها وحُكمها هذا الهتاف ثوب العمل من غير أن يطلق قادتها شعار العدالة الاجتماعية مرة واحدة في مؤتمر أو جلسة.

هذه نعمة كبيرة، وإنجاز عظيم يبعث السرور فينا جميعا ويقتضي الشكر، حيث ظهرت في تاريخنا الإسلامي لأول مرة حكومة سلكت مسلك الراشدين في جعل الأمر شورى في الإمامة الكبرى، وفي إبعاد القرابات والتوارثات في مناصبها العامة والخاصة.

أسأل الله تعالى أن يُديم ذلك على الشعب الأفغاني المسلم ويزود المسلمين بالمزيد من مفاجآت الخير والبركة في دينها ودنياها… وما ذلك على الله بعزيز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى