مقالات الأعداد السابقة

الإمارة الإسلامية.. ومماطلة العالم

صادق البلوشي

 

قبل عامين دخل مجاهدوا الإمارة الإسلامية مدينة كابل عاصمة أفغانستان فاتحين شامخين، دون حرب وقتال ودمار، متواجدين في قلب كابل، بعد جهود جبّارة وتضحيات ضخمة، وبعد عشرين عامًا من المكافحة والقتال ضد العدوّ الغاشم وعملائه، وبعد أن أرغموهم على الفرار المخزي من أفغانستان تاركين كل شيء وراء ظهورهم.

دخلوا البلاد وهي تعاني المشكلات العديدة في مختلف الأصعدة، وآثار الدمار التي خلفها الاحتلال مازالت باقية على مستوى العاصمة والولايات، وقد دُمّرت البنى التحتية، ونُقلت أموال البلاد، وأعيى الشعب انعدام الأمن، وتفشي الفساد، ومشكلات المعيشة.

وما إن تولت زمام الحكم في البلاد حتى تعهدت ببسط الأمن الشامل والاستقرار الكامل، وتمكّنت بشكل هائل من تشكيل قوّات منظّمة تخدم البلاد ليل نهار في القطاع العسكري والأمني، مستفرغة جهودها في أمن الشعب وعزّته، مستخدمة كل طاقتها في سبيل ذلك، مركزة بالفور على التنمية الاقتصادية وإعمار البلاد. وعلى رغم من المشكلات والحظر المفروض عليها وعدم الاعتراف بها دوليًا، إلا أنّها تمكنت في هذه المدة من تقديم أفضل الخدمات إلى الشعب الغيور.

الأمن الذي تشهده البلاد اليوم غير مسبوق في العقدين الأخيرين، ما جعل الناس من التجار والفلاحين وأصحاب الحوانيت والأعمال، يعيشون تحت راية الإمارة الإسلامية، بأمن وسلام واستقرار. كما أنها لم تتثاقل ولم تفرّط في توفير الأمن للسياسيين والعاملين في الحكومة السابقة، فهم يعيشون في البلاد كسائر المواطنين دون أي مشكلة، ودون أي تحدي يهدّد أنفسهم وأموالهم وعائلاتهم.

أما البغاة والدواعش، الذين تم دعمهم وتزويدهم من جهات أخرى، بهدف الإخلال بالأمن العام، وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وقاموا لتشويش عامة الناس وتخويفهم وإقلاقهم وتكدير العيش عليهم، فقد تم مطاردتهم وقمعهم بحمد الله، واحتفال العيدين الأخيرين… خير شاهد على ذلك.

وبناءً على كل ماسبق، فإن السوال المطروح ههنا هو: إلى متى ينتظر العالم لكي يعترف بالإمارة الإسلامية كحكومة رسمية للبلاد؟ هل يتوقع العالم بأنها ستتخلى عن قيمها وثوابتها وعن استقلالها السياسي والإداري وعن حقوق شعبها الأساسية المغصوبة؟

كلا وأبدًا! لقد اتخذت الإمارة الإسلامية خطوات صارمة في مكافحة الجرائم العابرة للحدود المتعلقة بالتهريب، والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية. ومكافحة هذه الأمور تعد مطالب دولية، وخطرها لا يتوقف عند أفغانستان بل يتعداها ليهدد جميع دول العالم، ولا يمكن لأحد تجاهل هذه القرارات القاطعة والتغييرات الجذرية في البلاد.

ثم إن ما قامت به الإمارة الإسلامية في هذه المدة لا يصب في مصلحة الشعب الأفغاني فحسب، بل يتقاطع مع مصالح الجميع كمكافحة الإرهاب الداعشي وعدم استخدام جماعات مسلحة أرض أفغانستان ضد أحد. أما أقلقت هذه التحديات دول العالم ودول الجوار والمنطقة؟ ألم تكن هذه الأمور كدّرت حياة هذه الدول؟

حسبكم أنها قضت على هذه التحديات بدون أي دعم منكم، ولا مساعدة من ميزانيات بلادكم، ألم يحن أن یتخذ العالم خطوات في الوفاء بالعهود؟

ألم يأن أن تتخذ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي خطوة جادة في قضية الاعتراف بها؟

الإمارة الإسلامية أوفت بالعهد وأنجزت وعدها. والدور عليكم الآن في الالتزام بالعهود، إن كنتم صادقين.

ليس لدی دول العالم حجة بعدم الاعتراف بالإمارة الإسلامية، فإنها في هذه المدة أثبتت حسن نیتها للجميع، ومدى التزامها وتعهدها بالاتفاقية، وفي حسن التعامل والإدارة والتنظيم. والمعلومات التي تُنشر في الإعلام بشأن وجود جماعة داعش المتطرفة كلها للتضليل، ولا وجود حقيقي لقواتها في أفغانستان، وإنما هي روايات غير واقعية، ونوع من أحلام اليقظة يعيشها المناوئون للإمارة في البلاد.

 

أما قضية حقوق المرأة فهي شأن داخلي، وهي صاحبة البيت وأدرى بما فيه وبما تنتهج لأجله وتخطط له. ومسألة التعليم معتقد ديني مهم للإمارة الإسلامية، وهي تسير في إطاره، ولن تغفل أبداً عن حقوق النساء والرجال، والادعاءات بشأن حقوق المرأة التي تطرح بين فترة وأخرى، ليست إلا تلاعب بها وبشخصيتها وبمكانتها ومخادعة للرأي العام.

إلى جانب ذلك، فإن الخسائر التي تلحق بالعالم من هذه الناحية أكثر من الخسائر التي تلحق بالإمارة الإسلامية وشعبها الغيور، لأنها عازمة ولديها استراتيجية واضحة تجاه البلاد، ومشاريعها التنموية التي ترمي إلى الاكتفاء الذاتي والتطوير والتقنية، وأنها تريد أن تكون مصدرًا للإلهام والابتكار، تماشيًا مع طموحات الشعب الأفغاني، بغض النظر عن اللون والعرق والمنطقة، وأنها لا تنتظر الاعتراف الدولي بحكمها حتى تحصل على المساعدات الدولية لبدء العمل في هذه المشاريع، مؤكدة أنها مبادرة مهمة للغاية، ولن تعلق أبداً مستقبل بلادها بابتسام وتجهم الآخرين، وأنها لا تريد أبداً أن تكون البلاد مرة أخرى محلا للتنافس بين دول الشرق والغرب.

وبناء على ذلك، فإن الإمارة الإسلامية، لن تتخلى أبداً عن معتقداتها الدينية، وثقافتها الإنسانية، ولن تمد يدها إلى هذا وإلى ذاك خارج إطارها المحدد، كما لم تمد يدها قبل ذلك، ولها سياستها وموقفها وهي مستقلة في قراراتها وإجراءاتها، وقد أعلنت مرات أنها مستعدة لتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة بما يخدم المصالح المشتركة، وكذا الأمن الإقليمي والعالمي، في إطار الاحترام المتبادل، وقبول سيادة الطرفين، والإيمان بالعلاقات الحسنة مع جميع الدول خاصة دول الجوار، وهي حريصةعلى بحث سبل تعزيز العلاقات، خصوصًا تلك المتعلقة بالجوانب الأمنية والاقتصادية، ساعية لتوطيد علاقاتها مع الجميع في كل المجالات، وأنها قادرة على توفير الأمن والحماية اللازمة لكل المشاريع الأجنبية، دون أن تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها ، كما أنها لن تسمح لأي جهة بزعزعة الأمن والاستقرار.

أعتقد أنّ العالم يكاد لا يجد دولة ملتزمة ووفية بالعهود أكثر من الإمارة الإسلامية، وأن العالم لن يخسر أبداً بالاعتراف بها كحكومة رسمية للبلاد، لأن سياساتها ومواقفها مبنية على الشفافية والنزاهة والصدق، ونشاطاتها قائمة على التعاضد والتكاتف، ولا يسمح لها دينها ومعتقدها بالغدر ونقض العهد مادام الطرف المقابل على عهده.

هذا وإن الإمارة الإسلامية ملتزمة بحفظ حق شعبها ومستقبل بلادها، ومداومة على بذل التقدم والازدهار في المجالات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، داعية الشعب أن يسايرها في مسارها، وأن يساعدها في استكمال هذه المشاريع، وطالبة أن يدعم هذا النظام الفعال في مسيره حتى يتحقق الازدهار أكثر فأكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى