الإمارة الإسلامية ونهضتها الاقتصادية
صادق رحمتي
إن للاقتصاد، في تحكيم أسس الحكومة وتعميم العدالة وبثّ الرفاهیة، دورٌ لافت لاینکره أحد، خاصة في العصر الحاضر، حيث أن الاقتصاد لعب دورًا محوريًا في الأحداث والأزمات، واحتل مكانًا ملحوظا في سياسات البلاد، وفي بسط نفوذها وسيطرة حكمها على سائر البلاد والشعوب. ومن أهم الموارد في الاقتصاد اليوم هو الفوز في كبح التضخّم، والانتصار في إيجاد التوازن بين العرض والطلب، وزيادة الصادرات وتخفيض الواردات والسعي للاكتفاء الذاتي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، فالاقتصاد والسیاسة هما وجهان لعملة واحدة لا انفكاك بينهما، فمن يخسر أحدهما؛ فقد خسر الآخر لا محالة.
أحرزت الإمارة الإسلامية في العامين الماضيين قصبات السبق في تنمية الاقتصاد، على خلاف التوقعات والتخمينات، وتقدمت فيه تقدماً غيرمسبوق في تاريخ أفغانستان، بشهادة المعارضين لها والمخالفين، والفضل ما شهدت به الأعداء. وما شاهدناه في هذه المدة ليس إلا التركيز على التخطيط والعمل للتغيير الاقتصادي والاجتماعي، وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار والتمويل وإخراج صورة جديدة لأفغانستان إلى العالم.
وحسب تقرير البنك الدولي الأخير أن الإمارة الإسلامية أحرزت تقدماً في كبح التضخم السلبي، حيث أفاد التقرير أن التضخم أصبح (0.95) سلبيا وأصبح (3.3) سلبيا في المواد الغذائية خلال العام الماضي. إضافة إلى زيادة الصادرات واستقرار العملة الوطنية أمام الدولار، في حين أن عملة بعض الدول تنخفض كل يوم أمامها. ولأول مرة بلغت صادرات أفغانستان حتى 2 مليار دولار. بينما التضخم في بعض الدول المجاورة تجاوز 50%، علی الرغم من أنها منذ مدة طويلة لم تواجه أي مشكلة في استقرار الأمن وبسط السيطرة وتوفير الثروات وادخار الموارد وجذب الاستثمارات، إضافة إلى امتلاكها مقوّمات ربما نفقدها في أفغانستان. وقد جاء هذا الإنجاز في حين أن الإمارة الاسلامية تعيش تحت تضييق تام وتجميد للأصول المالية ومقاطعة شديدة ظالمة، وعدم اعتراف بها من قبل المجتمع الدولي بما فيها الدول الإسلامية!
نعم، كل شيء ممكن إذا كانت دفة الحكم تدور بالشفافية والصدق والأمانة والالتزام والإخلاص والتفاني. وقد تمّ هذا النجاح في ظل الاعتماد على القانون والنظام الإسلامي، في معالجة مشكلة الفساد الشامل التي تعاني منها الخزائن العامة للحكومة السابقة الموالية للغرب خلال الحرب التي استمرت 20 عامًا.
عزم راسخ، جاءت من خلاله هذه الإنجازات، ولم تكن كيفما اتفق ولم تكن أبدًا عشوائية، بل لها خلفيات متعددة، بوجود العمل الدؤوب، والتخطيط والتصاميم، والوحدة في الرأي والتضامن في العمل، والعكوف والتركيز. كل ذلك يعترف اليوم به القاصي والداني، الصديق والعدو، الموافق والمخالف، بما لا يترك لهم مجالاً للإنكار والجحود.
هذا وإن ردود الأفعال تجاه هذا الإنجاز، لاسيما كبح التضخم الاقتصادي في العام الماضي وإحراز الإمارة الإسلامية الرقم القياسي فيه سلبيا بالنسبة إلى اليابان التي أصبحت المثل السائد في الاقتصاد وكبح التضخم. وقد أثار هذا النجاح إعجابا واستغرابا وحيرة على مستوى المنطقة والعالم، ما جعل الخبراء في السياسة والاقتصاد يتناولون الموضوع بحثا وتحليلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد فاجأهم الخبر وقد وقع على البعض كالصاعقة، ذلك أنه لم يأت على ما يتوقعون ويترقبونه خلال العام الماضي، حيث كانت تحليلاتهم لاقتصاد أفغانستان تحت حكم الإمارة الإسلامية بأنه على وشك الانهيار والانحلال، محددين لها وقتا حسب تحليلاتهم الفاشلة!
وجدت التغريدات التي غطت هذا الأمر عبر تويتر مختلفة فبعضها في إطار الإنصاف والقسط، بأدب وعفة واحترام، وبعضها ظالمة فارغة عن الإنسانية فضلا عن الأدب والاحترام. فالذين كانوا في الإدارة السابقة أو من مواليها ومحبيها حادوا عن الإنصاف وطريق القسط، فنسبوا هذه الإنجازات إلى دولار أمريكا وإلى دول أخرى، وأنها بفضل مساعدات الأمم المتحدة أو تبرعات أخرى تدر على الحكومة شهريا من هنا وهناك! ويتهمون الإمارة الاسلامية بأنها عميلة أمريكا وأنها حكومة الأميين الذين لا يعلمون شيئا عن السياسة والاقتصاد، رجماً بالغيب، فباتوا ينهالون على الإمارة الإسلامية، وقد بدت البغضاء من أفوائهم، بالشتم والسب والإساءة والتعيير ويرمونها بالأمّية والرعونة وأنواع التهم، بدل أن يحللوا الموضوع، ويناقشوا الأمر!
ولكن هناك أسئلة تطرح نفسها، ألم تكن أمريكا مع دولاراتها معكم في الحكومة السابقة؟ ألم تكن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والدول الأخرى ومساعداتها معكم؟ ألم يكن حكمكم معترف به على مستوى المنطقة والعالم؟ فكانت الحكومة السابقة مفتوحة اليدين في كافة المستويات، فأين الإنجازات والمشاريع الملحوظة؟
أزهقت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف الأرواح، وأنفقوا نحو تريليوني دولار في أفغانستان لبث الرفاهية وإيجاد الديمقراطية بزعمهم، أين تبخر كل ما أقامه الأمريكيون خلال عقدين من الزمن؟ عشرون عاما من الجهد والأموال الضخمة والعلاقات الدولية تبخرت في ساعة من نهار كأن لم تغن بالأمس، أين صارت هباءا منثورا؟
والحقيقة أن إنجاز الحكومة السابقة ليس فكرا ولا عملا إنما كان ابتزازا في ابتزاز !
نعم نعترف بأن الفجوات الاقتصادية واسعة جدا، لاتملؤها جهود عام أو عامين، والوصول إلى أفغانستان الراقية المزدهرة، والبلوغ إلى المرام المرموق والشأن البعید في الرقي والتقدم، مازال يحتاج إلى وقت طويل، واتخاذ تخطيط وتصميم وبذل جهود وطاقات، وتعاون وتكاتف. لا يمكن إصلاح بلاد هدمت على مدى عقود، في مدة يسيرة. ولكن هذا الإنجاز خطوة جادة جاء في حينه، أحيا في القلوب الأمل والطموح وأوقع في النفوس الجسارة والتطلع إلى مستقبل أفضل.
على مر التاريخ، كانت إدارة الاقتصاد الرشيدة هي مفتاح نهضة الشعوب وتقدمها وازدهارها، إذ أن الإدارة الناجحة لموارد الدولة توفر موارد إضافية لاستثمارها في جوانب أخرى، مثل تحسين التعليم والخدمات الصحية وبناء جيش قوي وامتلاك دور مركزي في المنطقة والعالم.
وفي المقابل، فإن الإدارة الفاسدة والتدهور المستمر لموارد الدولة، عادة ما يكون سببا في انحدار الحضارات وانهيار الأمم وتفشي الفقر والمرض والفساد ومعاناة الشعوب، والاتكالية والتبعية، والتاريخ كان شاهدا على حالات كهذه منذ زمن الإغريق مرورا بإمبراطوريات العصور الوسطى ووصولا إلى عصرنا الحالي.
فالإمارة الاسلامية بتركيزها على الاقتصاد تريد بناء الحضارة الإسلامية من جديد، في صورة وصبغة جديدتين بناءً على أسس الإسلام القيمة وأحكامه المثالية، مسايرة مع العالم مستخدمة كل الأصول الجديدة التي وصل إليها علم الاقتصاد اليوم، وأثبتت الإمارة الإسلامية بهذه الخطوات أن الإسلام قوة عظمى تستطیع حل الأزمات العالمیة في أقصر وقت ممكن، وأن بين دفتيه يحمل كل ما يحتاج الإنسان إليه من السعادة والعزة والکرامة، في الدنيا والآخرة، شریطة أن يُعمَل على أحكامه ويستهدى بهداياته.
وقد خسر العالم عامة والمسلمون خاصة حين جعلوا أحكام الإسلام المشرقة وراء ظهورهم، مهرولين إلى الأحكام الوضعية البشرية المبنية على الخراب والدمار، والتي أسست لاستثمار الشعوب واستعمار الأمم ونهب أموالهم وأعراضهم، وبالتالي السيطرة على أنفسهم وعقيدتهم وثقافتهم. انحط المسلمون بمحاولتهم هذه فانحط معهم العالم بأكمله وخسروا فخسر العالم كله.
ستغير الإمارة الاسلامية -بفضل الله وتوفيقه- الموازين المتداولة والمعايير الرائجة لصالح الشعب الأفغاني خاصة وللأمة الإسلامية عامة، رغم جميع العوائق التي ربما تقف حائلة أمامها، وستشهد البلاد بأكملها تطورات على كافة المستويات متفاعلة متزايدة متنامية، وستكون لأفغانستان انعکاسات إيجابية على المنطقة والعالم في شتى المستويات ومختلف المجالات. وما ذلك على الله بعزيز.