
الإمارة والجزيرة.. بين إيدلي وبيليس
د ـ أحمد موفق زيدان
بينما كانت حركة طالبان الأفغانية في نسختها الأولى أيام المؤسس الملا محمد عمر رحمه الله، تستعد لمواجهة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر/تشرين أول من عام 2001، كان همّ كل صحافي وصحافية في العالم هو عبور الحدود الباكستانية-الأفغانية، لتغطية حدث عالمي، قلّما يحصل، ونادرًا ما يقع لإعلامي أو إعلامية، فيشكل تغطيته أو تغطيتها للحدث، رافعة حقيقية لمهنيته، وسمعته الإعلامية.
كنت شاهد عيان على تلك المرحلة التاريخية، وكنت أتابع مئات الإعلاميين، نساءً ورجالاً وهم يصطفون لساعات طويلة أمام سفارة حكومة الإمارة الإسلامية في إسلام آباد للحصول على تأشيرة سفر بدخول البلاد. أسماء إعلامية بارزة في تلك الفترة يصطفون في الطابور كأي شخص عادي، يحلم بالحصول على تأشيرة دخول إلى بلد فقير كأفغانستان، وأكاد أجزم أن أمثال هؤلاء ولا في الأحلام تخيلوا أن يقع لهم ما يقع من مكابدة الحصول على هذه التأشيرة، وهم الذين اعتادوا أن يستقبلوا كشخصيات مهمة، ويمنحوا أعلى درجات بروتوكول خدمة الشخصيات المهمة، بل وفي الأصل أن يدعوا ليمنحوا تاشيرات مجاملة من دول كبرى وصغرى، ليروجوا لهذا البلد أو ذاك.
سعى بعض الإعلاميين إلى التسلل عبر الحدود الباكستانية ـ الأفغانية وكان من بين من تسلل الإعلامي البريطاني من بي بي سي جون سمبسون، ومعه أيفون إيدلي مراسلة الصنداي اكسبريس التي عملت في صحف بريطانية عريقة، من بينها الصنداي تايمز والاندبندنت والأوبزرفر، وبينما كانت تتسلل لأفغانستان على ظهر حمار، وقعت، فاكتشفها أحد مقاتلي طالبان، فتبين له أنها دخلت البلاد بشكل غير قانوني، فاعتقلت على الفور، وبدأت المفاوضات بشأن إطلاق سراحها، وبينما هي في الأسر عرض عليها أحد قادة الإمارة الإسلام، فرفضت اعتناقه في حينه، وبصقت في وجهه، لكنها وعدت بدرس الأمر حال خروجها من السجن، وبالفعل بعد أن تم الإفراج عنها، عكفت على دراسة الإسلام والقرآن الكريم، لـ 30 شهراً ، في أكاديمية خاصة، وذلك لفهم كما وثّقت ذلك في كتابها “في أيدي طالبان” خلفية وأسباب تعامل طالبان الراقي والمحترم معها وهي في الأسر، وذكرت قصصاً كثيرة عن تعامل طالبان الإيجابي الذين كانوا ينادونها بالأخت، ومما ذكرته في كتابها أنها كانت تحاول إغاظة طالبان بنشر ثيابها الداخلية أمامهم، فما كان منهم إلاّ أن يرجوها بالقول “يا اختي ليس من المناسب ما تفعلينه، فحبذا لو لم يكن ذلك أمام الملأ” وبالفعل وبعد أن أنهت إيدلي دراسة امتدت لـ 30 شهراً عن الإسلام، اقتنعت به، وأسلمت، بل وأعلنت عن اعتناقها فكر الإخوان المسلمين.
شكّل إسلام إيدلي صدمة كبيرة وسط الإعلام الغربي والمسؤولين الغربيين، كما شكل رافعة إعلامية ودعائية قوية لحركة طالبان الأفغانية، التي كانت تواجه في ذلك الوقت حملة لشيطنتها على كل المستويات، خصوصاً وهي التي تعرضت لهزيمة أرغمت قواتها وقادتها على الذوبان وسط الشعب الأفغاني والباكستاني، بعد أن تمكنت قوات التحالف الدولي من بعضهم، فأسرتهم وشحنتهم إلى غوانتانامو.
بدأت أيفون إيدلي بعد اعتناقها للإسلام بالترويج لسياسة طالبان، وأنها ليست كما يصورها الغرب، وهي الإعلامية والسياسية البريطانية العارفة بخبايا الغرب الإعلامي والسياسي، ساعدها في ذلك التحاقها المبكر بقناة الجزيرة بعد إسلامها، وساهمت في إطلاق موقع الجزيرة بالإنجليزية على النت مع صحافيين آخرين ، فكانت من كبار محرريه. كانت الجزيرة يومها نافذة العالم على أفغانستان، ونافذة الأخيرة على العالم، فضلاً عن سمعة وحضور صاروخيين بدأت باكتسابهما الجزيرة، وعززته نظراً لانفرادها في تغطية الحرب أكثر بكثير من غيرها من وسائل الإعلام العربية والدولية، وذاك بحاجة إلى مقال آخر للحديث عنه.
ذكرتني هذه القصة بقصة الإعلامية النيوزيلاندية العاملة أيضاً ومن محاسن الصدف في قناة الجزيرة الانجليزية وهي الإعلامية شارلوت بيليس مراسلة القناة في كابل عشية هزيمة قوات التحالف الدولي من أفغانستان، وسيطرة قوات الإمارة الإسلامية على كابل، اللافت أن تحصل القصة أيضاً مع رجال الإمارة لكن في نسختها الجديدة، وفي حكم إمارتها الثانية. اكتشفت بيليس في سبتمبر الماضي بعد عودتها إلى الدوحة من كابل أنها حامل بشكل غير شرعي من مصور صحيفة النيويورك تايمز الذي كان يغطي معها هناك، بعد أن كان الأطباء قد أبلغوها لسنوات أنها غير قادرة على الإنجاب. قررت بيليس بعد خبر حملها ترك الجزيرة، ومغادرة الدوحة، والعودة إلى بلدها، فاتجهت أولاً إلى بلجيكا ومن هناك كان عليها قضاء فترة حجر صحي وفقاً لقوانين حجر بلادها، ولكن انتهت فترة إقامتها في بلجيكا، ولم يسمح لها بالعودة إلى بلدها، ولم يبق أمامها من خيار سوى العودة إلى أفغانستان، كان لديها تأشيرة دخول، وحين اتصلت بقادة الإمارة الإسلامية للتأكد من سماحهم لها بالعودة، وهي الحامل بطفل غير شرعي، رحبوا بعودتها، وها هي الآن في كابل.
تشارلوت بيليس هي نفسها التي أثارت يوم سيطرة الإمارة على كابل أسئلة عن حقوق المرأة في أفغانستان، لتكتشف اليوم أن المرأة النيوزيلاندية في بلدها، غير قادرة على العودة إليها، فضلاً عن وضع أول مولودها هناك، بينما الحكومة التي لطالما انتقدت سياستها تجاه المرأة، تستقبلها وترحب بها. مما قد يشكل صدمة لها، ولكل امرأة في حالتها، فهل ستعمد شارلوت بيليس إلى دراسة الإسلام، المحرّك الأساسي لسياسات وتعامل طالبان، تماماً كما فعلت إيفون إيدلي من قبل، فأسلمت؟!.