مقالات الأعداد السابقة

الإمام ضياء المشايخ محمد إبراهيم المجددي (الحلقة 4)

أبوسعيد راشد

 

أقوال العلماء:

قال الشيخ عبد الحميد جان آغا المعروف بـ”كوهستان حضرت صاحب”: إن ضياء المشايخ صاحب مقامات عالية، وليس بمتأخر في الرتبة عن الشيخ نور المشايخ. بل إنه مقدم عن نور المشايخ في بعض الموارد.

وقال المولوي مير أحمد رحمه الله: قال مولانا نور المشايخ يومًا: إن ضياء المشايخ سيتقدمنا في السيادة يومًا. كنتُ لا أشارك هذا الكلام مع أحد إلى زمن السردار داود خان؛ لأني كنتُ أحب مولانا نور المشايخ، والآن أقول: لعل الله سبحانه وتعالى أطلعه على الحوادث الآتية… لذلك كان يقول: إن ضياء المشايخ سيتقدمنا في السيادة، أو لعله قرأ أحواله الحاضرة. والله أعلم.

قال المحدث الشيخ عبد القدوس جان رحمه الله: قرأتُ دورة الحديث (الصحاح الستة) في مدرسة قلعة جواد على الشيخ المحدث سلطان جان رحمه الله، وتعرفتُ على شخصية ضياء المشايخ جيدًا، كان رؤوفًا بالعلماء، حميمًا للأصدقاء والمخلصين، كنتُ أصلي بالناس في غياب شيخنا سلطان رحمه الله، فرأيتُه متبعًا للشريعة الإلهية، عاشقًا للسنة النبوية، أعطاه الله عمة عالية وإحساسًا وفكرًا طاهرًا، وعلمًا كاملا، وتقوىً كاملًا، وذهنًا منورًا، وأخلاقًا طاهرة. رحمه الله.

وقال مولانا المير عبد الستار المعروف بـ”مَغُل خيلو مير صاحب”: كان مولانا ضياء المشايخ رحمه الله يتلألأ بين أحبته وتلامذته… وكان رحمه الله لايحس بالتعب في متابعة الملحدين وأفكارهم الباطلة، كان يوصي العلماء ويقول: لاتسكتوا أمام هؤلاء الثعالب ولاتخافوا منهم.

قال المحدث مولانا محمد دين المعروف بـ”څرْخ مولوي صاحب”: کان مولانا ضياء المشايخ كالشمس في سماء المعرفة والعلم، أعطاه الله حظا كبيرًا في مسائل الكلام والعلوم الإسلامية، لم يكن الخوف والجبن في فطرته، صاحب الإيمان الكامل. لم أرَ مثلَه.

قال الشيخ نور محمد صاحب زاده (المعروف بشاه آغا): بدأ مولانا ضياء المشايخ الجهادَ ضد الإلحاد والشيوعية من العاصمة كابل، ولم يذهب إلى الدول المجاورة ولم يعلن الجهاد من هناك، أرسل بعض تلامذته إلى الدول المجاورة ليعملوا من هناك لصد هذا الطوفان، وبقي هو في كابل.

طلب منه كثير من الناس أن يهاجر إلى مكان آمن، لكنه كان يقول: قد خدمتُ الناس في كابل، وقد خدموني كثيرًا، والآن لا أحب أن أتركهم في هذه الأحوال الشديدة.

 

كلمة حق أمام حفيظ الله أمين:

قال نور محمد صاحب زاده (المعروف بشاه آغا): قال شهود عيان: إن مولانا ضياء المشايخ لما قال له الشيوعي “داود ترون”: “اكنون خدايت را بخواه كه نجاتت دهد”. ادُعُ رَبَّكَ الآنَ حتى يُنْجِيكَ. وكان ملكُ الشيوعية حفيظ الله أمين حاضرًا، فلما سمع مولانا ضياء المشايخ مقولته: كبَّر تكبيرةً عالية ثم قال لـ”داود ترون”: كافر شدى، وبه اين عمل خود عين اليقين من را به حق اليقين رسانيدى”. قد كفرتَ بالله، وبعملك هذا أوصلتَ عينُ يقيني (بكفرك) إلى حق اليقين. انتهى.

 

سبب الخلاف بين الشيوخ المجددية والسردار داود خان:

قال المولوي عبد الستار الصديقي: كان سبب ذلك أن داود كانت فكرته فكرةً شيوعيةً، والسبب الثاني أن عبد العزيز خان والد داود خان كان يريد أن يكون ملكًا بعد موت نادر خان، لكن مولانا نور المشايخ قدَّم ظاهر شاه بن نادر خان لمصلحة، وترك عبد العزيز خان، فكان ذلك سبب الحقد. في البداية حرَّض أجراءَه ضد مولانا نور المشايخ وغصب الأرض التي أهداها الملك أمان الله لمولانا نور المشايخ في شمال كابل تمجيدًا لخدمة الشيخ في الجهاد ضد الفرنجة.

كان السردار داود خان يبغض هؤلاء المشايخ إلى زمن طويل، ولما علم أن جميع الجهات تسلط عليها الشيوعية وخرج كل شيء من يده؛ لأنه أعطى فرصة للشيوعيين وأحبَّهم وقدَّمهم في مناصب الحكومة، ثم لم يستطع أن يفعل شيئًا، فسقط في الفخ.

كان مولانا ضياء المشايخ يقول: إن داود خان هو أم الشيوعيين. لكن احذروا التفوه بهذه الكلمات فإنها سبب الموت، لو سألكم الجواسيس عن داود خان، فقولوا له: نعلم أنه لا يزني. فهذا ليس بكذب، فإنه أحسن حالًا من ظاهر شاه.

دكابل دقلعة جواد حضرت صاحبان، تأليف المولوي محمد أكرم النعماني (ص 5 – 102 ) ، طبع العرفان، أكورَهْ خَتَكْ.

 

أسرة مولانا ضياء المشايخ وبعض كبار علماء مدرسته:

1- محمد إسماعيل المجددي بن مولانا ضياء المشايخ: ولد عام 1320هـ ش في بيت ضياء المشايخ في كابل، تعلم في دار العلوم كابل وعند المحدث سلطان جان رحمه الله، فوَّض إليه والده رئاسة نور المدارس ورئاسة تنظيم خدام الفرقان، وقام -رحمه الله- بأعباء هاتين المهمتين خير قيام.

في 1349هـ ش نشرت صحيفة “إصلاح” الحكومية صورة رجل في لباس عربي معه تسع نسوة أمام فندق، وكأنه يطلب من صاحب الفندق غرفة، فقال له صاحب الفندق: “ليست عندنا غرفة تأوي رجلًا مع تسع نسوة”، وكانوا يريدون بذلك الإساءة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم والإسلام. فقام العلماء بتنظيم مظاهرات واجتمعوا في مسجد بُلْ خِشتِيْ في كابل، وكان يقودهم العالم الرباني الشيخ محمد إسماعيل بن مولانا ضياء المشايخ، لأن ضياء المشايخ رحمه الله كان قد ذهب إلى خارج البلد للعلاج، طالت المظاهرات شهرًا، وكان العلماء يريدون من حكومة ظاهر شاه القضاء على هؤلاء المجرمين الشيوعيين. أصدرت الحكومة بإنهاء المظاهرات، وطلب ظاهر شاه الشيخَ محمد إسماعيل جان -رحمه الله- للحوار، لكنه كان بلا جدوى، فإن الملك لم يقبل بنود مطالب العلماء وودّعهم مهددًا، فطالت المظاهرات إلى أربعين يومًا. وفي 4 شهر جوزاء 1349هـ ش، أغار جنود حكومة ظاهر على المسجد وسجنوا العلماء وذهبوا بهم في السيارات إلى مختلف أطراف البلاد، وتركوهم هناك بعيدين عن بيوتهم.

وهكذا انتهت هذه المظاهرة، ومن سُجِن من العلماء أطلقت الحكومة سراحهم بجهود الشيخ محمد إسماعيل جان المجددي رحمه الله.

 

منظمة خدام الفرقان وجريدة نداي حق:

كانت هناك حاجة شديدة إلى منظمة إسلامية للعلماء، لأن الأسرة الحاكمة قد اشتدت عداوتهم مع العلماء، وخاصة أسرة المجددي وكان في مقدمتهم مولانا محمد إسماعيل المجددي. وكان داود خان يقترب إلى الشيوعية وكان الشيوعيون يؤيدونه ويحرضونه ضد العلماء والإسلاميين. ما كان هنا نظام يؤيد الإسلام إلا ما كان من بعض الرجال المنسوبين إلى الإخوان، وكان كبيرهم عبد الرحيم نيازاي من غزني، وكان الشيوعيون يسمون العلماء بأنهم نُواب الإنكليز، ومن سوء الحظ أن بعض رجال الإخوان أيضًا كانوا يرفعون هذا الشعار.

ولما توفي الأستاذ عبد الرحيم النيازي في الهند، وعقد أصحابه اجتماع عزاء في مسجد بُلْ خِشْتِي في كابل؛ ذهب مولانا ضياء المشايخ للمشاركة في اجتماع العزاء في المسجد، فلم يحفلوا به، ولما جلس الشيخ وكان القارئ يتلو القرآن الكريم، وفي أثناء التلاوة صرخ الشيخ بـ “الله أكبر” فقال له أحد هؤلاء الإخوان من ناحية المجلس: “اوحضرت شرارت نكن قرار بنشين”. أيها الشيخ أترك التشويش واجلس ساكنًا.

وهكذا كان الميدان خاليًا، ومن كان هناك كانوا يظهرون العداوة للعلماء، لذلك كانت هناك حاجة ماسة لتأسيس حركة دينية يقودها العلماء.

يقول المولوي عبد الستار الصديقي: كان زرع الشيوعية قد بدا نضجه، فقد أصدر الملك ظاهر شاه عام 1344هـ ش قانون الديموقراطية، وكان شباب الشيوعيين قد بدأوا بغيّهم وتظاهروا بالخروج عن قوانين الإسلام، وكانوا يدعون إلى الإلحاد جهرًا، وكان يدعمهم من خلفهم مال الروس وقوتهم. وقد واجه العلماء وخاصة شيوخ المجددية أنواعًا من المشاكل. في ظل تلك الظروف أسس الشيخ محمد إسماعيل المجددي منظمة خدام الفرقان، 5 من شهر العقرب 1345هـ، في محيط مدرسة نور المدارس في غزني، وفي يوم التأسيس بكى الشيخ كثيرًا.

وكانت الخطة للعمل: أن يدور جميع طلبة المدارس في أيام العطلة من منتصف شهر العقرب إلى بداية شهر الحمل في مناطقهم ويذهبون إلى جميع مدارس القرى والمدن ويخبرون الناس عن كفر الشيوعية وارتدادهم، لا يطلبون من الناس الأموال، وهكذا بدأ العمل في مجال الدعوة ضد الشيوعية (كميونيزم) في جميع مناطق البلاد. وعلم الناس كفر الشيوعية ومكايدهم الخبيثة، وتعطلت خطط الشيوعيين في جميع هذه الأماكن التي كانت منظمة خدام الفرقان تعمل فيها.

وبدأت العداوة بين الشيوعية وخدام الفرقان.

وفي آخر عام 1348هـ ش اتفقوا على إصدار جريدة باسم “نداى حق” أي صوت الحق، كان رئيس الجريدة المولوي عبد الستار الصديقي ومدير التحرير المولوي رحيم الله الزرمتي.

لكن الحكومة حظرت الجريدة، وبعد محاولات كثيرة للشيخ محمد إسماعيل جان المجددي أذنوا للجريدة في شهر السنبلة 1350هـ في أيام ظاهر شاه، وصدر العدد الأول في شهر السنبلة عام 1350هـ، ودامت المجلة إلى 26 من شهر السرطان 1352هـش، ثم كان إنقلاب داود خان، وبعد ذلك حظرت جريدة نداى حق، وكان إنقلاب داود خان يديره كبار جنرالات الشيوعيين والروس، وقد شغل الشيوعيون مناصب كبيرة في حكومة داود خان، وبعد أربع سنوات كان إنقلاب تراقي على داود 1357هـش في شهر الثور.

يقول المولوي رحيم الله الرزمتي: بعد إنقلاب داود خان على ظاهر شاه ذهبتُ مرة إلى كابل، والتقيت بالشيخ محمد إسماعيل جان آغا، فقال لي: كيف الحال، فقلتُ: خير، فقال: لن ترى الخير بعد اليوم، قد تسلط الشيوعيون على المناصب المهمة في الحكومة. انتهى.

 

له أبناء ثلاثة: (1) أحمد أمين، (2) محمود جان آغا، (3) أبوبكر جان آغا، هو الطفل المجاهد الذي بقي في المهد (وكان عمره 3 أشهر) عندما أغارت الجيوش الشيوعية على بيتهم، واعتقلوا جميع أهل البيت الرجال والنساء، فأخذته خادمة البيت وذهبت به إلى بيتها، ثم أرسلوه إلى السجن إلى أهله أيضًا.

 

2- محمد إسحاق المجددي بن مولانا ضياء المشايخ: كان له تنظيم الأمور في الخانقاه و خدمة الضيوف.

بقي له ابن واحد فقط، اسمه محمد شفيق جان آغا.

 

3- الدكتور محمد يعقوب جان المجددي: كانت له محاولات وجهود كبيرة ضد الشيوعية، وكان مع صديقه محبوب أحمد المجددي بن كبير جان آغا المجددي يدعو الناس إلى منظمة خدام الفرقان.

له ابن واحد اسمه سميع الله جان، وكان سميع الله قد سقط من السُّلم في السجن، ولذلك يجد صدَاعًا في رأسه.

 

4- المولوي سَرْبلند المعروف بـ”د خدوخيلو ملا صاحب”: العالم الورع الرباني، من قرية خدوخيل، مديرية أندَرْ، غزني، كانت رابطة قوية مع نور المشايخ، وكان من أخص خلفاءه، لم يكن له أبناء، كان أبناء أخيه: المولوي الشهيد عبد الغفار، والمولوي عبد الحميد، وكانا نائبي الشيخ بعد وفاته.

كان المولوي عبد الغفار عالمًا كبيرًا مدرسًا في نور المدارس، أصيبَ برصاص الشيوعيين في قرية عليزو 9 ثور 1358هـ ش، ثم ربطوه بالدبابة وسحبوه جريحًا، وبعد ساعات استشهد رحمه الله.

توفي الشيخ عام 1360هـ ش، ودفن في قريته في غزني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى